الخميس 2 مايو 2024
كتاب الرأي

بن طلحة الدكالي: رقصة الفلامينكو لا تستقيم على الحبال..

بن طلحة الدكالي: رقصة الفلامينكو لا تستقيم على الحبال.. بن طلحة الدكالي
عرف الإله (جانوس) في الإرث الأسطوري الروماني بوصفه حارسا لبوابة السماء، وهو إله ذو وجهين، وجه يؤدي صوب النعيم وآخر صوب الجحيم. إن ارتداء قناع (جانوس) يمكنك من إن تلعب على الحبلين في حفل تنكري، والأنكى من ذلك أن بعض الدول اتخذت من ذلك عقيدة دبلوماسية، حيث ازدواجية المواقف، رغم أن الظرفية الجيوسياسية الدولية تغيرت وجرت مياه كثيرة تحت الجسر،
لكن الراقص على الحبال يتوجس أن يكون جاره قويا وسيد قراراته، فهو لم يتحرر بعد من التوجس الذي لازمه من أسر التاريخ وعقدة الجغرافيا..!! حيث مازال ينظر إليه كعدو استراتيجي وجار مزعج رغم اليد الممدودة إليه، وهذا حال المغرب مع إسبانيا التي تعد حاليا أكبر شريك تجاري للمغرب في القارة الإفريقية، وثاني أكبر شريك في العالم خارج الاتحاد الأوروبي، كما أن المغرب يحمي الحدود الأوروبية من الهجرة غير الشرعية ومافيات تهريب المخدرات كما يجب أن نستحضر جيدا دور المغرب القوي في التعاون الأمني لمحاربة الإرهاب والتطرف، والمغرب ملتزم بصدق النوايا وحسن التعاون،
إلا أن إسبانيا متوجسة من التحرك المغربي منذ ترسيم المملكة حدودها البحرية كقرار سيادي، وبرز الوجه الحقيقي بشكل جلي بعد قرار الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بالسيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية، هذا الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، أربك حسابات الإسبان وفرض عليهم إعادة ترتيب حساباتهم من جديد لأنهم فقدوا أوراق ضغط كانوا يستعملونها في مفاوضاتهم مع الرباط، مع العلم أن المسؤولية التاريخية لإسبانيا كما كتب بيدرو كاناليس في مقال نشر في المجلة الإسبانية أتالايار تستدعي اعترافها بسيادة المغرب على أراض صحراءه والإعلان عن ذلك في تصريح رسمي، يؤكد هذه الحقيقة.
أما القطرة التي أفاضت الكأس وهي استقبال الجلاد إبراهيم غالي مرتديا قناع ابن طبوش في تواطؤ مكشوف مع حكام قصر المرادية، مدعين أن ضميرهم الإنساني والأخلاقي هو الذي جعلهم يستقبلونه من أجل العلاج..!! ويا لغرابة التبرير الذي يدوس على كل القيم الكونية من أجل استقبال مجرم حرب، بل لم تغلق بعد صفحة وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة أرانشا جونزاليس لايت والتي جرى عزلها من منصبها بعد ثبوت تورطها في دخول ابن طبوش إلى التراب الإسباني، وهو الحادث الذي أزم العلاقات بين المملكتين ومازالت تبعاته تلقي بظلالها حتى تم منحها وسام الصليب الأكبر لشارل الثالث بناء على اقتراح من رئيس الوزراء بيدرو سانشيز وهو أعلى وسام مدني في إسبانيا يمنح كتعبير عن التقدير للمواطنين الذين من خلال جهودهم ومبادراتهم وعملهم قدموا خدمة استثنائية للأمة.. وهذا التوشيح وإن كان قرارا سياديا، إلا أن منحه لوزيرة كان أكبر إنجازاتها هو التورط في إدخال بن طبوش سرا إلى إسبانيا، يجعلنا نقف عند طبيعة النوايا عند بعض صانعي القرار الإسباني.
ونجد أن المغرب قد أظهر العديد من الإشارات الإيجابية تجاه إسبانيا مما جعلنا نترقب انفراجا بين البلدين إلا أن هذا التوشيح يطرح الكثير من التساؤلات حول دوافعه خاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي تستوجب الإعلان عن حسن النوايا.
ومما زاد في اتساع هوة الأزمة الديبلوماسية بين الجارين حين التقى بيدرو سانشيز رئيس الحكومة الإسبانية ابن طبوش على هامش القمة الأوربية الأفريقية التي انعقدت مؤخرا وهو اللقاء الوحيد الذي جرى مع هذه الحركة الانفصالية في قمة بروكسيل رغم أن القضاء الإسباني مازال يحقق في كيفية إدخال هذا الجلاد إلى التراب الإسباني بوثائق هوية مزورة مما يعتبر مسا بسير التحقيق وإهانة للقضاء الإسباني.
كل هذا حدث في وقت تدعي فيه مدريد أنها تسعى إلى استعادة علاقاتها مع الرباط، وفي الوقت الذي يصدر وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألتريس بيانات شبه يومية تأييدا لتعزيز العلاقات مع المغرب..!! لقد وضعت صحيفة لاراثون الإسبانية على هامش هذا اللقاء سلسلة من الأسئلة والتي تريد من ورائها تبيان التناقض الصارخ بين تصريحات المسؤولين الإسبان وأفعالهم من قبيل كيف يمكن التظاهر بالرغبة في بناء علاقة القرن الواحد والعشرين مع المغرب، وفي نفس الوقت التعامل مع بقايا الحرب الباردة المتجذرة في القرن العشرين ماذا نصدق؟ اللغة الرنانة لطي صفحة الأزمة أم هذه الأفعال المخالفة تماما للتصريحات التي يطلقها المسؤولون الإسبان؟. إن صناع القرار الإسباني عليهم أن يدركوا جيدا أنه محكوم على البلدين الجارين بالتعاون وحسن الجوار من أجل الأجيال المقبلة، لأن ثمة كثيرا من الأشياء تربط بينهما، خاصة وأن التلاقح الثقافي كبير جدا بين الشعبين مثل أغاني الفلامنكو الرائعة التي ينصهر فيها ثلاث الحضارتين، هاته الأغاني التي تصدح عاليا بصدق من الأعماق والتي يرافقها رقص بدون قناع كما أن رقصة الفلامنكو لا تستقيم على الحبال..
 
الدكتور محمد بن طلحة الدكالي، أستاذ العلوم السياسية جامعة القاضي عياض مراكش