الخميس 28 مارس 2024
مجتمع

لكحل: الدول تحميها مؤسساتها الدستورية وليس أديانها

لكحل: الدول تحميها مؤسساتها الدستورية وليس أديانها سعيد لكحل، الخبير في الشؤون الدينية والحركات الإسلامية
ما هي قراءتك للتنامي المطرد لفعل التمسح لدى المغاربة، لا سيما الشباب منهم؟
مسألة تغيير المعتقد أو اعتناق آخر تدخل ضمن حرية الاعتقاد التي يقرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتغيير المعتقد لا يُطرح كمشكل إلا ضمن الدول الإسلامية التي ترى فيها تهديدا لها أكثر مما هو تهديد للمجتمعات. وقد لعبت عوامل تاريخية وفقهية في تحديد موقف الرفض والمنع والعقاب والتجريم إزاء تغيير العقيدة من الإسلام إلى غيره من الديانات. واليوم انتفت تلك العوامل التاريخية، بينما بقيت العوامل الفقهية. والغريب في الأمر، أن الدول التي بها أقليات دينية لا تجرّم قوانينها اعتناق مواطنين مسيحيين للدين الإسلامي ولا ترى فيه تهديدا لثوابتها وكيانها، بينما يكون العكس في حالة اعتناق مواطنين مسلمين للدين المسيحي. كما تسقط الدول الإسلامية، وخاصة العربية منها، في تناقض صارخ حين تشجع على الدعوة إلى الإسلام ونشر تعاليمه وسط الدول الغربية، وتشيد هناك المساجد والمدارس القرآنية دون أن ترى في الأمر تهديدا لوحدة المجتمعات الغربية ولثوابتها، بينما تمنع وتجرّم التبشير، في ما عدد منها يمنع كليا بناء الكنائس ولا حتى ترميمها. وبخصوص مدى تنامي ظاهرة التمسح بالمغرب، يصعب تحديد أعداد المتمسحين ولا نسب التنامي، إذ لا توجد إحصاءات مضبوطة لصعوبة الكشف عنها مخافة المتابعة القضائية. وقد لعبت عوامل اجتماعية وسياسية دورا في اعتناق المسيحية من طرف فئة من الشباب، إلا أن الجرائم الهمجية التي ترتكبها التنظيمات الإرهابية والمتطرفة ضد الشعوب باسم الإسلام وباسم الشريعة، صدمت الشباب خاصة وخلقت لدى فئات منهم  نفورا من الإسلام كعقيدة. فالتطبيق المتشدد للشريعة حرّض على الإلحاد واللادينية مثلا في إيران والسعودية حيث اتسعت هذه الظاهرة.
 
ينص الدستور المغربي على حرية المعتقد، لكن القانون الجنائي في المقابل يدفع في اتجاه تجريم فعل التبشير تحت مبرر زعزعة عقيدة مسلم، هل ينطوي الأمر على مفارقة ما؟
أكيد توجد مفارقة صارخة لا يمكن تجاوزها إلا بإخضاع القانون الجنائي إلى تعديل جذري يقطع مع فقه القرون الوسطى  وأحكام”الردة” ومفهومها. لهذا تعالت أصوات الهيئات الحقوقية مطالبة بإلغاء الفصول التي تتعارض مع الدستور ومع الالتزامات الدولية للمغرب فيما يتعلق بحقوق الإنسان . فالمغرب ليس دولة دينية حتى يفرض على مواطنيه الإبقاء على عقائدهم الإسلامية وعدم تغييرها. إنه دولة مدنية وتشريعاته كذلك مدنية تضعها المؤسسة التشريعية التي تضم الأعضاء المنتخبين ولا تضم الفقهاء . وهذه القوانين قابلة للتعديل والتغيير تبعا لما تمليه مصلحة المجتمع في ديناميكيته المتواصلة كبقية المجتمعات. وفي هذا الإطار تتطلع القوى الحية والتيار الحداثي إلى مشروع قانون جنائي عصري متشبع ومجسد لمنظومة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا. وإذا كانت اللجنة المكلفة بوضع الدستور قد فوتت الفرصة على المغرب بدسترة حرية الاعتقاد بسبب الضغوط التي مارسها حزب العدالة والتنمية الذي ظل يهدد بالالتحاق بحركة 20 فبراير إذا تم إقرار  حرية العقيدة، فإن الفرصة متاحة اليوم أمام الحكومة لتدارك الأمر بتنفيذ توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي كانت من بين توصيات حذف الفقرة الثانية من الفصل 220 من القانون الجنائي الذي يتضمن عقوبة “زعزعة عقيدة مسلم”. فلم يعد مقبولا أن يظل المغرب موضوعا للانتقادات من طرف الهيئات الحقوقية المحلية والدولية بسبب تناقض عدد من فصوله مع حرية الاعتقاد أو الحريات الفردية التي هي جوهر حقوق الإنسان (الفصول 220،222 ، 490 ..). ما ينبغي فهمه والتشريع على أساسه هو أن الدول تحميها مؤسساتها الدستورية وليست أديانها وعقائدها . من هنا ينبغي تقوية المؤسسات وتربية المواطنين على قيم المواطنة وليس على التعاليم الدينية. فالمواطَنة جامعة وموحّدة لجميع المواطنين على الانتماء للوطن والولاء إليه مهما اختلفت عقائدهم، وليس إلى الدين؛ إذ من الخطأ الجسيم تلقين الأطفال/التلاميذ أن “وطن المؤمن دينه”. ونحن نرى كيف صار التمذهب عامل تمزيق الدول وفتنة الشعوب. ومن أجل حماية المجتمع والوطن من الفتن وجب تجريم استعمال الدين كأداة لنشر الكراهية والتفرقة بين المواطنين . فالمجتمعات الغربية لا تخشى من اعتناق مواطنيها عقائد مختلفة ماداموا يحترمون القوانين ومؤسسات الدولة وينضبطون لها.
 
في ظل الانتقادات الدولية والداخلية الموجهة إلى المغرب في شأن وضعية الحريات الدينية بالمملكة، كيف تنظرون إلى مستقبل الأقليات الدينية بالمغرب؟
أتيحت لي، مرة، فرصة مناقشة مسألة الأقليات الدينية مع أحد المسؤولين في هيئة تضم مسيحيي المغرب، إذ نصحته أن يجنب الهيئة التحالف مع دعاة الطائفية والتمذهب التي يشكل الولاء للطائفة أو المذهب جوهرها، بخلاف اعتناق المسيحية. ولعل ما يعانيه اليمن ولبنان وسوريا والعراق من تدخل مباشر لإيران في تحريك الموالين لها ضد شعوبهم وأوطانهم، سيجعل الدولة المغربية أكثر حذرا من تنامي الطائفية. فمعتنقو المسيحية لا يسعون لإقامة دولة مسيحية أو نظام سياسي مسيحي، بخلاف المتشيعين أو المتشددين الإسلاميين. من هنا أعتقد أنه من الحكمة حصر مفهوم الأقليات الدينية على معتنقي ديانات غير الديانة الرسمية وليس المذاهب والطوائف. في هذه الحالة، سيتم التطبيع تدريجيا مع الأقليات الدينية، خاصة المسيحية، والاعتراف بهيئاتها المؤطرة. فالمغرب أمامه فرصة مواتية لتعديل القانون الجنائي بما يسمح له بتحيين تشريعاته ومواءمتها مع التزاماته الدولية والمواثيق والاتفاقيات التي صادق عليها في مجال حقوق الإنسان.