الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

محمد بن العباس القباج.. الأديب الذي ألهم النقد الأدبي الحديث في المغرب

محمد بن العباس القباج.. الأديب الذي ألهم النقد الأدبي الحديث في المغرب الزميل عبد الإله التهاني وغلاف كتاب "الأدب العربي في المغرب الأقصى" لصاحبه محمد بن العباس القباج

أفرد البرنامج الثقافي "مدارات" حلقته الجديدة، للأديب المغربي المرحوم محمد بن  العباس القباج، رائد النقد الأدبي الحديث في المغرب، قدم من خلالها الزميل عبدالاله التهاني، ورقات عن سيرة محمد بن العباس القباج، وإضاءات حول كتابه النفيس "الأدب العربي في المغرب الأقصى"؛ معتبرا أن صدوره عام 1929، شكل حدثا أدبيا لافتا، وإعلانا عن بروز الإرهاصات الأولى لحركة النقد في الأدب المغربي الحديث، ومستعرضا قائمة الشعراء المغاربة، الذين ترجم لهم القباج في كتابه المذكور، وهم من أعلام الأدب المغربي في مطالع القرن العشرين.

وتساءل عبد الإله التهاني، في مستهل حديثه، عما إذا كان محمد بن العباس القباج يدرك، وهو يؤلف كتابه الفريد "الأدب العربي في المغرب الأقصى"، أنه بهذا المصنف الرائد، كان بصدد وضع اللبنات الأولى لحركة النقد الأدبي الحديث في المغرب.. مشيرا إلى أن صدور هذا الكتاب سنة 1929، كان مؤشرا بارزا في تلك الوقت، على تحول جوهري في الدرس الأدبي الحديث بالمغرب، وفي طريقة تذوق الكتابة الإبداعية، وأسلوب تقييمها، وتحليلها وتقديمها للقراء.

واعتبر معد ومقدم البرنامج أنه بفهمنا لما أقدم عليه المرحوم  محمد بن العباس القباج، من تجميع لشتات  الإنتاج الشعري المغربي في مطالع القرن العشرين، وهو إنتاج لم يكن جله مطبوعا بعد، يمكن أن  نقيس قيمة المجهود الذي بذله هذا الاديب الفقيه، والذي لم يكن يظن أنه بكتابه الرائد "الأدب العربي في المغرب الأقصى"، سيجعل من شخصه الناقد المغربي المبكر، في سجل الأدب المغربي الحديث.

وأوضح الزميل التهاني أن الأصل في هذا الكتاب الثمين، أن مؤلفه المرحوم القباج، قد كتبه وجعله في جزأين، علما أنه كان ينوي إصدار جزء ثالث منه، لولا إكراهات اعترضت سبيله، ذكرها بنفسه في خاتمة الجزء الثاني من مؤلفه.

وأشار التهاني إلى أنه مع مرور السنوات، باتت النسخة الأصلية من كتاب "الأدب العربي في المغرب الأقصى"، والمطبوعة عام 1929، طبعة نادرة وغير متوفرة، قبل أن تعيد إحدى دور النشر في بيروت طبع الكتاب وإصداره سنة 2005، وهي طبعة ضمت الجزأين الأول والثاني من هذا الكتاب النادر. ثم بادرت وزارة الثقافة المغربية إلى إصدار طبعة جديدة لهذا الكتاب الرائد سنة 2018، حيث أرفقته كهدية بأحد أعداد مجلة المناهل، التي يشرف على هيأة تحريرها الشاعر والكاتب صلاح بوسريف.

وتضمن حديث الزميل عبد الإله  التهاني، ورقة تعريفية بكتاب "الأدب العربي في المغرب الأقصى"، والذي يقع جزأين، ويضم مائتين واثنين وعشرين صفحة من الحجم المتوسط، ترجم فيهما المرحوم محمد بن العباس القباج لخمسة وعشرين شاعرا مغربيا، ممن جايلهم وعايشهم، على امتداد السنوات الثلاثين الأولى من القرن العشرين، علما أن أغلبهم ظلوا أحياء بعد ذلك، بسنوات طويلة.

ويتعلق الأمر وفق الورقة التقديمية لمعد ومقدم البرنامج، بالشعراء والعلماء التالية أسماؤهم: عبد الله كنون، محمد المختار السوسي، مولاي عبد الرحمان بن زيدان، علال الفاسي، محمد المكي الناصري، محمد غريط، أحمد البلغيتي، عبد الكريم سكيرج، محمد القري، أحمد النميشي، محمد السليماني، أحمد الصبيحي جعفر الناصري، عبد الرحمان حجي، محمد بوجندار، محمد الجزولي، محمد بن اليماني الناصري، محمد كنون، عبد المالك البلغيثي، أحمد سكيرج، عبد الله الفاسي، محمد الناصري، محمد المهدي الحجوي، عبد الأحد الكتاني والحسن الداودي.

وقال الزميل عبد الإله التهاني، إن محمد بن العباس القباج، تحدث في كتابه المذكور عن هؤلاء الشعراء المغاربة، الذين عاصرهم في تلك الفترة المبكرة من القرن العشرين، وكانت له صلات واتصالات  بأغلبهم ، حيث حرص على التعريف الدقيق بهم، ذاكرا بعضا من مناقب كل واحد منهم، وما تميزوا به من صفات وأوصاف وطباع، مستعرضا سيرتهم باقتضاب، منذ مرحلة تعليمهم الأولي وإلى نهاية مسارهم الدراسي، وصولا إلى استعراض الوظائف التي زاولوها، والمهام والمسؤوليات التي تقلدوها، لاسيما وأن بعضهم قد تولى مهام رفيعة، في دواليب الإدارة المغربية وقتئذ .

وإلى ذلك، قدم محمد بن العباس القباج، نظرات دقيقة في أسلوبهم الشعري، وتقييمه لتجربتهم، وما اتسم به هذا أو ذاك، من خصوصيات في لغته، وفي رؤيته الشعرية، ومواقفه الوطنية.

وأضاف بأن محمد بن العباس القباج، أرفق ما كتبه عن هؤلاء الشعراء المغاربة، باستعراض نماذج من أشعار كل واحد منهم، في حرص تام منه على أن تكون تلك النماذج التي يختارها من قصائدهم، مرآة تبرز تنوع إنتاجهم الشعري، من دينيات، ووطنيات، واجتماعيات، وغزليات، ومدح، ومن مناجات عاطفية، ورثاء، ووصف للطبيعة، وما إلى ذلك من الموضوعات التي كتب فيها شعراء المغرب في تلك الحقبة.

وفي ذات السياق، أوضح الزميل عبد الإله التهاني، أن الناقد الفقيه محمد بن العباس القباج، اختار التركيز في كتابه "الأدب العربي في المغرب الأقصى"، على كوكبة من أعلام الشعر المغربي، ممن برزوا ونبغوا منذ الربع الاول من القرن العشرين، وهم في الحقيقة لم يكونوا فقط شعراء لامعين، ومتمكنين من بلاغة القول، وإنما كان جلهم إن لم نقل جميعهم، من خيرة وجوه النخبة المغربية المتألقة وقتئذ في جامعة القرويين بفاس، وفي سلك القضاء، ودواليب الإدارة .

ولاحظ الزميل عبد الإله التهاني أنه من هذه الزاوية، يحق لنا اليوم أن نقول بأن المرحوم محمد بن العباس  القباج، لم يؤرخ فقط لتاريخ لحقبة من تاريخ الشعر والشعراء في المغرب الحديث، وإنما هو أرخ لحقبة من تاريخ النخبة المغربية الحديثة، سواء كان هو على وعي أو على غير وعي بذلك، وهو يخط صفحات كتابه الرائد والفريد، بالنسبة لتوثيق مرحلة مبكرة من حركة الشعر المغربي الحديث.

وتأسيسا على ذلك، اعتبر أن محمد بن العباس القباج، قد أتاح لقراء كتابه هذا الصادر عام 1929، أن يتعرفوا على توجهات شعراء تلك الفترة التاريخية، والقضايا التي انشغلوا بها، والمواضيع التي تناولوها، والأفكار التي عبروا عنها، والخلفيات الفكرية التي أثرت في وعيهم الأدبي، والطموحات الوطنية والقومية  التي عبروا عنها.. واستطرد يقول بأننا لن نعدم حجة على هذا القول، خاصة إذا علمنا أن أغلب هؤلاء الشعراء الذين وثق لهم كتاب القباج، كانوا من صفوة النخبة المغربية، حيث كانوا يزاولون مهام القضاء، أو يتولون وظائف التدريس الثانوي، أو التدريس العالي في القرويين ومعهد الدراسات المغربية العليا، الذي كان بمثابة النواة الجامعية المغربية العصرية، أو كانوا من كبار وجهاء الادارة المغربية، أو يعملون في الدائرة العليا للإدارات المخزنية وقتها، مضيفا أن عددا من هؤلاء الشعراء، سيصبحون من أقطاب الحركة الوطنية المغربية، وممن حملوا مشعل الكفاح من أجل استقلال المغرب.

وتوقف الزميل عبد الإله التهاني عند المقدمة التي وضعها محمد بن العباس القباج لكتابه "الأدب العربي في المغرب الأقصى"، والتي شرح فيها بنفسه دوافع تأليفه لهذا المصنف التوثيقي والنقدي، مقارنا بين واقع الحركة الأدبية في المشرق العربي، وحالها في مغرب تلك الوقت.

وفي هذا الصدد، أشار إلى ما أورده القباج عن الاثر الذي أحدثته في نفوس الأدباء المغاربة، أصداء  النهضة الفكرية التي انبعثت في المشرق العربي، مما ساهم في بروز حركة شعر مغربي جديد، وصفه محمد بن العباس القباج بأنه "شعر طلي فيه من جمال الأسلوب، وسهولة الألفاظ، وصفاء الديباجة، وسمو الخيال".

وأشار الزميل التهاني إلى التصنيف الذي قدمه رائد وملهم النقد المغربي الحديث محمد بن العباس القباج، عن الأدب المغربي في فترة مطالع القرن العشرين، حيث ذكر في مقدمة كتابه النفيس المشار إليه، بأن الأدب المغربي في تلك الفترة، تمثله ثلاث طبقات، حددها بقوله: "هي طبقة أدبائنا الكبار الذين يمثلون أدب الماضي، بطلاوته وجناساته وأمداحه وتغزلاته، وطبقة المخضرمين الذين جمعوا بين الحسنيين، وضربوا بالسهمين، فنالوا من أدب الماضي أوفى نصيب، وأكبر حظ، وأخذوا من الأدب الحديث بعض معانيه ومقاصده، فأفرغوها في قوالب ذلك الأدب، فكانوا خير واسطة قائمة بما يجب عليها، للماضي وللحاضر. والطبقة الثالثة، هي الطبقة الثابتة التي تربت وتثقفت في عصر، تحلق فيه الطائرات في الأجواء، وتخترق فيه السيارات شاسع الأطراف، وتعم آلة البخار والكهرباء أغلب البقاع، وتشاهد ما تخرجه العقول من الإبداع والاختراع، فجاءت أفكارها مطابقة لروح العصر، مناسبة لرقيه وحضارته نوعا ما"، وفق تعبير محمد بن العباس القباج.

ولتقريب المستمع من واقع حال الشعر المغربي، في فترة العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين، استعرض عبد الإله التهاني أضمومة من القصائد، لعدد من الشعراء المغاربة الذين ترجم لهم محمد بن العباس القباج، في كتابه الرائد "الأدب العربي في المغرب الأقصى". وهكذا جال البرنامج بين العرصات الشعرية، لكل من عبدالله كنون، وعلال الفاسي، ومحمد غريط، وجعفر الناصري وعبد الرحمان حجي، وأحمد النميشي وعبدالكريم سكيرج، ومحمد الناصري...