الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

سليمة فرجي: مفارقة تاريخية مؤسفة مُنغّصة بجزاء سِنِمّار بين وجدة المدينة الألفية والجزائر

سليمة فرجي: مفارقة تاريخية مؤسفة مُنغّصة بجزاء سِنِمّار بين وجدة المدينة الألفية والجزائر سليمة فرجي

لمدينة وجدة المدينة الألفية الحدودية بُعدان، بعد إقليمي وآخر مغاربي، إذ تعتبر باب أوروبا من جهة، وباب افريقيا من جهة أخرى .

وبما أن السلف يعتبر شاهدا على العصر والحقبة الماضية، ويروي للخلف مختلف الأحداث التاريخية خاصة المغاربية منها، فإن الذكرى، وأحيانا استنكار المواقف يدفعنا إلى استحضار التاريخ، واستحضار شهادات عائلات وجدية لا زال بعض أفرادها على قيد الحياة، وأخرى من تلمسان ومغنية وندرومة والغزوات، تلك المدن الجزائرية التي لا تبعد عن مدينة وجدة سوى ببعض الكيلومترات اي ما بين 20 الى 60 كلم والتي تربط جل عائلاتها علاقة القرابة والمصاهرة والأخوة.

وجدة إبان محنة الجزائر

نستحضر أحداثا عاشتها وجدة إبان محنة الجزائر ونضالها من أجل الحصول على الاستقلال، إذ تتذكر مختلف العائلات انه سنة 1961 أي سنة قبل حصول الجزائر على الاستقلال، قام كوماندو فرنسي بتخريب محطة البث الإذاعي الجهوي لمدينة وجدة الكائنة بطريق سيدي يحيى، كرد فعل وعقاب مدينة وجدة على مساعدتها وإيوائها للمجاهدين آنذاك، الشيء الذي نشر الرعب والذعر في صفوف الساكنة المتضامنة مع المجاهدين الجزائريين وجودا وعدما .

كما أنه بتاريخ 18فبراير 1962 عمدت طائرتان فرنسيتان T6 انطلقتا من قاعدة وهران الواقعة غرب الجزائر والتي لا تبعد عن وجدة سوى بحوالي 220 كلم وقصفتا عبر علو غير مرتفع مقر جبهة التحرير الوطني الكائن بمدينة وجدة، والكل يتذكر هذا القصف الرهيب ووقعه على الساكنة، ولا زالت العائلات الوجدية تتذكر الرعب الذي أحدثه الهجوم الفرنسي، كل ذلك كرد فعل وانتقام المستعمر الفرنسي من مدينة وجدة بسبب مدها العون والتضامن مع المجاهدين الأشقاء آنذاك والذي كان يعتبر المرحوم الملك محمد الخامس طيب الله ثراه ان استقلال المغرب لن يكتمل الا باستقلال الجزائر

كانت المدينة الألفية لا تفرق بين ساكنتها والمجاهدين الجزائريين، لإيمانها الراسخ بوحدة الشعبين ووحدة المصير، على اعتبار أن الروح الوطنية المغاربية الصادقة لم تكن تطرح التكامل الاقتصادي المغاربي آنذاك، بل ان الهاجس كان هو التلاحم والتآخي وحصول المغرب الكبير على استقلاله.

وللإشارة فان السيد محمد سيفاوي الصحفي والكاتب الجزائري المعارض للدكتاتوريات والإسلام السياسي ألف كتابا مستلهما من الراحل بوضياف اسم الكتاب الجزائر إلى أين ou va l’Algérie، أكد أن النظام غرس في المواطنين فيروس الشك، وأشار أنه حبذ المظاهرات السلمية ضد عهدة خامسة للرئيس الراحل بوتفليقة باستثناء ملاحظة واحدة وهي مسألة استعمال الوصف القدحي للرئيس بوتفليقة ونعته بالمروكي، إذ ترعرع في مدينة وحدة وهي عبارة قدحية يستعملها البعض إشارة إلى المغاربة،

أشار الكاتب أن المغرب ساعد المجاهدين وآزرهم إبان حرب التحرير، وأنه لا يعقل أن تستمر هذه العقلية المتحجرة التي تستعمل هذه العبارات القدحية في حق بلد شقيق في الوقت الذي يجب فيه الانكباب على مناهضة الفساد بالجزائر ونظرية المؤامرة والعقليات المتحجرة ونبذ التمادي في تغذية الحقد الدفين تجاه المغرب والتهجم عليه ونسج الاكاذيب حوله ومحاولات يائسة قصد النيل من سمعته.

وجدة القاعدة الخلفية لجبهة التحرير الجزائرية

وجدة الألفية احتضنت مجاهدين وأقطاب حرب التحرير وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، مدينة حدودية شاء لها القدر ان تعيش وتواكب الثورات وأن تكون سدا منيعا في مواجهة القدر والبشر، سكانها حراس الحدود، تعلم انه مهما كبرت التحديات فان الإرادة جديرة بالتغلب عليها، في احترام تام للوطن وثوابت الامة المنصوص عليها دستوريا وسيادة المملكة ووحدتها الوطنية.

عداء الجزائر للمغرب لا يتماشى مع التاريخ الذهبي لوجدة

لذلك فان التمادي في معاداة المغرب لا يتماشى مع التاريخ الذهبي للمدينة ولا لمبادئ اللباقة وحسن الجوار والمحن المشتركة، وليتذكر الجميع انه "لا يبقى من تاريخ الامم الا ما أبدعه اهلها وما انتجه البررة من ابنائها وان الذي يصمد امام تقلبات الاحداث هو ما تنتجه الامم من صناعات وتبدعه من افكار " على حد تعبير الكاتب المفكر حسن أوريد، والمغرب عظيم بمواقفه التاريخية التي لن ينال منها مكر الماكرين وجحود الجاحدين وعدمية المتنكرين.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإننا نعلم جيدا أن من بين العوامل الرئيسية لتأسيس الاتحاد الاوروبي بناء واقرار السلام، وتفادي الحروب والتشنجات والتعاون في مجال الاقتصاد والسياسة، وأنه من بين الأسباب والعوامل المهمة تاريخيا المصالحة بين عدوين لدودين لبعضهما آنذاك هما فرنسا والمانيا، اضافة الى تفادي المآسي الانسانية المدمرة الناتجة عن الحربين العالميتين ومواجهة الحرب الباردة.

وإذا كانت تلك هي عوامل ودوافع تأسيس الاتحاد الاوروبي، فإن تأسيس الاتحاد المغاربي الذي ولد ميتا ترجع اسباب موته ووأده الى حقد وكراهية الجزائر للمغرب ومحاولتها الهيمنة والزعامة على حساب ايديولوجية وسيادة المغرب، مع عدم استبعاد التنكر للتاريخ المشترك والنضال من اجل تحرير بلدان شمال افريقيا من قبضة العدو المشترك المتمثل في الاستعمار الفرنسي .

ولعل مساعدة المغرب للجزائر الدولة الجارة التي تربطها بالمغرب روابط اللغة والدين والمصاهرة والأخوة والبنوة كلها وقائع ثابتة وموثقة في سجلات التاريخ ولا يمكن أن تمحى بالتفنن في أساليب الحقد والكراهية وعمليات غسل الدماغ.

ولئن كانت مدينة وجدة مدينة حدودية من المفروض أن تستفيد من ايجابيات اقتصاد الحدود، كما هو متعارف عليه في جل دول العالم، فإن موقعها الجغرافي وغناها البشري والتاريخي يجعلها شامخة على مر العصور، علما أن تحرشات حكام الجزائر وإجراءاتهم التصعيدية ضد المغرب ستزيد لا محالة من عزلتهم ولن تنال من مواقف المملكة الثابتة..

الحسن الثاني.. الحرب مع الجزائر هي حرب أهلية

فالتأثر بالتاريخ يحيلنا إلى مواقف ملوك المغرب، إذ أن المرحوم الحسن الثاني طيب الله ثراه، شرح في كتابه التحدي LE DÉFI. الصادر باللغة الفرنسية سنة 1976 موقفه من الجزائر في الصفحات من 87 الى 95 اذ اعتبر أن الحرب مع الجزائر هي حرب أهلية باعتبار أن الشعوب المغاربية أسرة واحدة، مشيرا أنه أثناء المناوشات مع الجزائر سنة 1963 اعطى اوامره للجيش المغربي بالتراجع مسافة كيلومتر واحد من الحدود وعدم القيام بأي هجوم والامتناع من إطلاق الرصاص الا للدفاع عن النفس وذلك احترازا للوقوع في الفخاخ المنصوبة سلفا للشعوب المغاربية، كما اشار المغفور له الراحل الملك الحسن في مؤلفه: ذاكرة MÉMOIRE D’un ROI " انه من الافضل تجنب القيام بعملية عسكرية والا كنا قد شوهنا الحاضر وعرضنا المستقبل للخطر وتسببنا في مقتل أناس وصرفنا الأموال .."

ولعل مختلف خطابات جلالة الملك محمد السادس نصره الله ركزت على ارتباط المغرب بمحيطه وتشبته بالتاريخ المشترك المبصوم بتضامن شعوب المغرب الكبير عبر التنسيق بين قيادات المقاومة المغربية وجبهة التحرير الجزائري بالإضافة إلى المساعدات القيمة التي قدمها المغرب للجزائر من أجل الحصول على استقلالها ،بل ارتقى بمفهوم العلاقات بين البلدين الى مستوى "التوأمة المتكاملة " محملا المسؤولية السياسية والاخلاقية لقادة البلدين في حالة استمرار اغلاق الحدود ، كيف لا وهو الذي جعل من المملكة بلدا عصريا يحتل موقعا متميزا على الساحة الدولية نظرا لمساهمتها في ارساء السلم والأمن !

لذلك ألم يحن الوقت للكف عن طمس الحقائق والاستمرار في نهج عمليات التعتيم لمضايقة المغرب الذي قوى ويقوي جبهة داخلية متضامنة من أجل مستقبل واعد في ظل احترام الشرعية الدولية والتمسك بكل شبر من اراضيه وفرض سيادته الثابتة عليها عبر العصور والأجيال..الأنسان قد يتناسى ولكن لا ينسى..

 

سليمة فرجي، محامية وبرلمانية سابقة