الخميس 28 مارس 2024
سياسة

البحيري: هذه خلفيات جرائم البوليساريو المتعلقة بالتجنيد العسكري للأطفال بتندوف

البحيري: هذه خلفيات جرائم البوليساريو المتعلقة بالتجنيد العسكري للأطفال بتندوف العميد يوسف البحيري
خلال الجلسة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، ليوم الجمعة 10 دجنبر2021، حول " تعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثة في حالات الكوارث، التي تقدمها وكالات الأمم المتحدة بما في ذلك المساعدة الاقتصادية الخاصة"، أثار المندوب الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال، قضية التجنيد العسكري للأطفال المحتجزين بمخيمات تندوف، وهو ما يتنافى مع القانون الدولي الإنساني، كما حمل المسؤولية للبوليساريو والبلد المضيف الجزائر بارتكاب انتهاكات القانون الإنساني الدولي الخاصة بحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى الأشخاص الموجهة إليهم.
ومن أجل تقريب قرائنا من جرائم البوليساريو المتعلقة بالتجنيد العسكري للاطفال واحتجاز المدنيين بمخيمات تندوف واختلاس المساعدات الإنسانية الدولية المخصصة لهم، تستضيف
"أنفاس بريس" العميد يوسف البحيري الخبير الجنائي الدولي وأستاذ القانون الدولي بكلية الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش لتحليل موقف القانون الدولي من جرائم البوليساريو.
 
عبر المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة عمر هلال في الأسبوع الماضي عن قلق المغرب من جرائم البوليساريو الخاصة بالتجنيد العسكري للأطفال بمخيمات تندوف، ماهو تعليقكم على الموضوع؟
أجمعت العديد من التقارير الدولية على قيام ميليشيات البوليساريو بالتجنيد العسكري للأطفال المحتجزين بمخيمات تندوف، حيث يتم اجبارهم للانضمام للقوات الإنفصالية بواسطة القوة وفصلهم عن عائلاتهم أو ينتزعون من بيوتهم و تهديد ذويهم بالتعرض للقتل أو التشويه أو الاعتداء الجنسي أو أي شكل آخر من أشكال الاستغلال. التقارير الدولية أضافت أن التجنيد العسكري للأطفال المحتجزين بمخيمات تندوف، أضحى مشكلة إنسانية خطيرة خلال السنوات الأخيرة، حيث يجبر أطفال مخيمات بتندوف على  حمل السلاح والمشاركة في القتال واستخدامهم لأداء أدوار داعمة مثل حمل الإمدادات، وهو ما يشكل جريمة حرب يعاقب عليها القانون الجنائي الدولي.

إن إتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تمثل حجر الزاوية لضمان حماية الأطفال المحتجزين بمخيمات تندوف من طرف ميليشيات البوليساريو، وذلك بتحريم التجنيد العسكري للأطفال واستغلالهم جنسيا أو في المتاجرة في الممنوعات كشكل من أشكال الإعتداء على المدنيين. فالباب الثاني والباب الثالث من الاتفاقية الرابعة لجنيف يشكلان مرجعية أساسية للقانون الدولي الإنساني تفرض على البوليساريو والجزائر  كأطراف في النزاع على الصحراء المغربية ضمان السلامة الجسدية والأمنية للأطفال المحتجزين بتندوف، وتلبية احتياجاتهم في مجال التعليم والرعاية الصحية، وعدم اشراكهم في العمليات العسكرية، وحمايتهم من جميع أساليب القتل والترهيب والتخويف والأعمال الانتقامية. 

كما يلزم البروتوكول الإضافي الأول لعام  1977 البوليساريو والجزائر بضرورة ضمان حماية خاصة للأطفال الذين تيتّموا أو انفصلوا عن عائلاتهم وعدم استغلال ظروفهم الخاصة في تجنيدهم في الميليشيات العسكرية الانفصالية، كما ينبغي توفير المرافق الخاصة التي تضمن سلامتهم البدنية.

بالإضافة إلى ذلك، حرم البروتوكول الاختياري للإتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل لعام  2000 التجنيد العسكري الإجباري للأطفال دون  الثامنة عشرة. وشدد البروتوكول الإختياري على أن الجماعات المسلحة تلتزم بعدم استخدام الأطفال دون سن الثامنة عشرة في أي حال من الأحوال وضرورة معاقبة هذه الممارسات جنائياً.

كيف يثير القانون الجنائي الدولي  المسؤولية الجنائية لقادة البوليساريو  في جرائم تجويع المدنيين  والتجنيد العسكري للأطفال؟
تؤكد التقارير الدولية على أن البوليساريو تفرض حصارا على الأطفال وتحجزهم في معتقلات بالمخيمات، بهدف منعهم من التنقل و مغادرة أماكن الاحتجاز، وتمنع عنهم أبسط المستلزمات الضرورية لحياة البشر، مما يؤدي إلى ارتفاع معدل الوفيات في صفوف الأطفال والرضع والنساء الحوامل من جراء تجويع  المدنيين في تندوف، وهو ما يؤكد بما لا يدعو إلى الشك أن هناك سياسة ممنهجة من طرف البوليساريو تندرج في اطار الاعمال الانتقامية تروم ارتكاب انتهاكات جسيمة في حق المدنيين بتندوف، بالرغم من أن مقتضيات القانون الدولي الإنساني تلزم البوليساريو باتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين بإنشاء مناطق وأماكن آمنة تأوي النساء والأطفال والعجزة، وتأمين المواد الغذائية ومواد الإغاثة الضرورية لصحة المدنيين والحوامل والأطفال، وهو ما يثير المسؤولية الجنائية الفردية للمسئولين في جبهة البوليساريو. إن مقتضيات القانون الإنساني المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف الأربع  لعام 1949 والبروتكولان الإضافيان لعام 1977 تتضمن عدة مقتضيات تتعلق بإثارة المسؤولية القانونية للبوليساريو والجزائر فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني المرتكبة في حق المدنيين المحتجزين بتندوف. ويخصص القانون الدولي الإنساني جزاء مهما من أحكامه لاتخاذ تدابير وقائية و قمع الإنتهاكات الجسيمة المرتكبة فوق أراضي الدول الأطراف. وبناء على ذلك فالجزائر  تتحمل مسؤولية  تطبيق "قاعدة وقاية و مناهضة انتهاكات القانون الانساني المرتكبة فوق أراضي الدول الاطراف". ففي قضية ارتكاب لجريمة التجنيد العسكري للاطفال المحتجزين بتندوف، إن مسؤولية قادة البوليساريو قائمة بموجب القانون الجنائي الدولي الذي يلزم الدول الأطراف أن تحيل المتهمين بارتكاب جرائم ضد الانسانية،  وجرائم الحرب فوق أراضيها إلى المحكمة الجنائية الدولية الدائمة بلاهاي أو إلى المحاكم الوطنية للدول الأطراف المصادقة على اتفاقية روما  قصد محاكمتهم بعد التوفر على أدلة اتهام كافية لإدانتهم.
 
 طالب المندوب الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال المجتمع الدولي بالتدخل لمنع الإستغلال السياسي واختلاس المساعدات الإنسانية الموجهة إلى المدنيين المحتجزين بتندوف، ماهو تحليلكم لهذا الأمر؟
لقد نشر المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال تقريرا يكشف فيه عن عمليات التحويل والمتاجرة في المساعدات الانسانية الخاصة بالمدنيين في مخيمات تندوف والتي تقوم بها البوليساريو وبعض القادة الجزائريين. ويتعلق الأمر بجريمة منظمة ترتكبها مافيا تشتغل في التهريب والاختلاس من خلال تحويل  المساعدات الإنسانية الدولية المخصصة لساكنة مخيمات تندوف. وخلص تقرير المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال، أن المدنيين المحتجزين في مخيمات تندوف، يمثلون أصلا تجاريا يدر أرباحا طائلة على قادة “البوليساريو” والمتواطئين معهم من القادة العسكريين الجزائريين. ففي ميناء وهران بالجزائر تصل المساعدات الإنسانية الدولية المخصصة لمخيمات تندوف، وبعدها تقوم مافيا التهريب التي تشتغل تحت قيادة مجموعة من القادة العسكريين الجزائريين والبوليساريو بسرقة المساعدات الإنسانية. ويؤكد المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال أن عمليات الاختلاس تعرف عدة اشكال مختلفة.
 
الأول يكمن في بيع ثلث المساعدات الغذائية محليا أو في مناطق أخرى. الشكل الثاني يتجلى في قيام  المهربين ببيع المساعدات والأغذية ذات الجودة العالية المخصصة لسكان المخيمات واستبدالها بأغذية ذات جودة أقل، الشكل الثالث يكمن في بيع  المساعدات الإنسانية على امتداد الطريق من ميناء وهران إلى تندوف، والتي يستفيد منها قادة البوليساريو و نخبة من الجنرالات الجزائريين. وبعد وصول ما تبقى من المساعدات الإنسانية إلى تندوف، يتم فرزها وتوزيعها على مستودعات التخزين الرسمية والسرية. ورصد تقرير المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال وجود العديد من المستودعات السرية تحت إشراف قيادة البوليساريو والتي تبيع المساعدات الإنسانية إلى ساكنة المخيمات. هذا في حين أن المستودعات الرسمية تبقى دائما فارغة ومفتوحة بهدف استقبال الزيارات الأجنبية و من أجل طلب مساعدات إضافية. والأدهى من ذلك، يضيف التقرير، أن  المساعدات الإنسانية في شكل الأغذية والأدوية والاغطية التي تصل إلى مخيمات تندوف يتم بيعها للسكان عوض توزيعها عليهم بالمجان، توضع في أكياس بغية بيعها في الأسواق الجزائرية والموريتانية والمالية. ويشير المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال إلى الأرباح التي تحصل عليها البوليساريو من الدعم المالي لإعادة هيكلة  البنيات التحتية بتندوف والتي تبين أنها تتم  بفضل يد عاملة مجانية، تتشكل من الأسرى، في الوقت الذي يدفع فيه المانحون الدوليون مقابلا لتمويلها.

يلاحظ  أن التجنيد العسكري للأطفال يزداد مع رفض الجزائر وميليشيات البوليساريو بالسماح للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالقيام بالإحصاء في مخيمات اللاجئين، ماهي الأسباب الكامنة وراء ذلك؟
يذهب تقرير اللجنة الأوروبية إلى أن الاختلاسات في المساعدات الإنسانية منذ منتصف السبعينات تفسر تضخيم أرصدة قادة البوليساريو وجنرالات الجزائر بالخارج، وحذر من استغلالها في تغذية الإرهاب في الأزمة الليبية وعدم الاستقرار بمنطقة الساحل الذي يهدد منطقة شمال افريقيا. وأوصى تقرير اللجنة الأوروبية بضرورة تسوية مشكل إحصاء ساكنة تندوف الناتج عن معارضة الجزائر والبوليساريو، وذلك بشكل يتنافى مع قرار منظمة الأمم المتحدة في الموضوع، ويعتبر المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال أن أهم الأسباب التي تتيح سبل الاختلاس تتمثل في التقدير المبالغ فيه لعدد سكان مخيمات تندوف، وبالتالي تضخيم حجم المساعدات المقدمة. فالبوليساريو تدعي أن عدد اللاجئين في هذه المخيمات يفوق 160 ألف لاجئ في الوقت الذي لا يتجاوز العدد الحقيقي ال50 ألفا. بينما المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تقدم دعما ماليا ل160 ألف لاجئ وهو ما يطرح سؤال:  أين يذهب هذا الدعم الفائض مع سياسة التجويع والتي أفضت الى حركة تمردية داخلية. ومن أسباب رفض إحصاء السكان المحتجزين في مخيمات تندوف يعود بسياسة استقطاب وتوظيف الرحل  كصحراويين يمثلون قوة بشرية ضد المغرب، والتي نهجتها البوليساريو والجزائر، التركيز على عددهم لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إن قضية ما يسمى ب "اللاجئين الصحراويين"، أصبحت في الواقع عبارة عن " مقاولة تجارية عابرة للحدود " يستفيد منها  الجزائر و قادة جبهة البوليساريو. لقد قدر النائب في البرلمان الاوروبي جيل بارنو، حجم المساعدات التي يتم سرقتها سنويا بـ10 ملايين أورو.

إن الإجماع الدولي حول مقترح الحكم الذاتي  يشكل ضربة موجعة للأطروحة الانفصالية وتصدعا قويا في بنيان البوليساريو مما ازعج قيادتها التي ترفض إحصاء السكان المحتجزين وتتاجر بحق الشعب في تقرير المصير كورقة ابتزاز للحصول على المساعدة الإنسانية من طرف المجتمع الدولي، وإنشاء  "منتدى دعم مؤيدي الحكم الذاتي بتندوف" يؤكد بشكل جلي وجود اتجاه  قوي داخل ساكنة تندوف وداخل مكونات البوليساريو يؤمن  بمشروعية الاقتراح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي كحل لقضية الصحراء المغربية في إطار السيادة  المغربية.