Monday 14 July 2025
مجتمع

البدالي: التدبير التكنقراطي لقطاع التعليم في بلاد المغرب والإحتقان الإجتماعي 

البدالي: التدبير التكنقراطي لقطاع التعليم في بلاد المغرب والإحتقان الإجتماعي  صافي الدين البدالي
يعرف الشارع المغربي منذ عدة اسابيع مظاهرات للأساتذة الذي فرض عليهم التعاقد مطالبين بالإدماج في سلك الوظيفة العمومية.
والطلبة الجامعيين والمعطلين حاملي الشهادات ضد قرار تحديد سن 30 سنة للتوظيف في التعليم، وأخيرا التلاميذ الذين يطالبون بإسقاط المذكرة المنظمة للمراقبة المستمرة؛ .فلماذا هذا الاحتقان الذي يعرفه الشارع احتجاجا على وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة  بالحكومة الجديدة /القديمة ؟ هل هي رغبة ذاتية عند هؤلاء المتظاهرين؟ أم هي نتيجة احساس بإقصاء و بتهميش  وبمستقبل مظلم ؟ أم نتيجة القيادة البيروقراطية لقطاع التعليم في بلادنا؟
إن هذه الأسئلة  تجعلنا نقف عند هذا القطاع في إطار السياسة العامة للبلاد و أسباب انهيار المنظومة التربوية فيها.
إن ما وصل إليه قطاع  التعليم في بلادنا من انهيار لمرتكزاته  التعليمية و العلمية و التربوية و البحث العلمي لم يعد يخفى على أحد. ولم يعد مقتصرا على أطره التربوية والإدارية، بل امتد إلى كل الأسر المغربية، خاصة ذات الدخل المحدود. فكل المؤشرات  تؤكد على أن  السياسة التعليمية التي تم إتباعها منذ الإستقلال لا تخدم إلا الطبقة الحاكمة وتكرس الطبقية  والتبعية.  فالتعليم العمومي، الذي يهم أبناء الشعب المغربي، ظل من خلال البرامج و التوجيهات التربوية، يهدف إلى سلب الطفل/التلميذ،  والشاب/الطالب من كل إرادة حقيقية في التفكير والإبداع والتحليل والإستدلال والإستنتاج. كما أن  الوسائط الديداكتيكية والتربوية التي تساعد على الإكتشاف وعلى اكتساب الكفايات  ظلت عقيمة  دون تطور يذكر. لا تساعد الطفل على الانخراط  الإيجابي في المجتمع. بل تجعل منه أميا في  عصره والنتيجة هي العطالة والتهميش والتسول الوظيفي والتسليم بالأمر الواقع. إن أزمة  التعليم في بلادنا وما آلت إليه، رغم كل الشعارات التي ترفعها الحكومات المتعاقبة حول إصلاح التعليم، لم تكن وليدة اليوم بل لها جذورها عبر تاريخ البلاد  قبل وبعد الاستقلال الشكلي.
فباغتيال حكومة عبد الله ابراهيم سنة 1960، تم اغتيال  المخطط التعليمي الذي أعدته هذه الحكومة تحت " إسم التربية والثقافة "  يرمي إلى إنقاذ المدرسة المغربية  من النفق المظلم الذي تعيش فيه وذلك ب:
ـ تأسيس مدرسة وطنية منسجمة على مستوى الأسلاك والثقافات والكتب المدرسية وعصرنة التعليم الأصيل والتوحيد والتعريب والتعميم والإهتمام بالمواد التقنية والعلمية وجعل اللغة العربية لغة البحث والعمل مع الاحتفاظ بالازدواجية اللغوية في التدريس وتكوين  الأطر التعليمية بجميع الأسلاك. 
ـ تأسيس مدرسة وطنية تستجيب لمتطلبات الحاضر والمستقبل تضمن تعليما موحدا  لأبناء الشعب المغربي يمكنهم من كل أنواع  العلوم وفروعها وفق برامج دراسية تراعى فيها القدرات الفكرية والعقلية عند المتعلم و الإستعداد النفسي وتولد لديه الطموح  العلمي  وفق منهجية تجعل من  التلميذ  باحثا و مبدعا و مساهما في الحياة العامة و قادرا على اكتساب  العلوم الحديثة وما تعرفه من تطور  بإلاعتماد على  اللغة المناسبة لكل فرع تعليمي كان علميا أو ادبيا أو قانونيا. 
فبعد إجهاض هذا المخطط  بدأ التعليم يعرف  مخططات مرتجلة  بعيدة  كل البعد عن حاجيات   الطفل المغربي المعرفية ولا تساعده على تنمية قدراته الفكرية ولا على الانخراط في الحياة العامة بشكل سليم. فتحول  قطاع التعليم في بلادنا إلى مجال للريع المالي و حقل  لإعادة التجارب التي فشلت في دول أخرى مما أدى إلى ارتكاب أخطاء كانت قاتلة في حق التلاميذ والطلبة من بينها  قرار وزير التعليم في 19 فبراير 1965، الذي يقضي بطرد التلاميذ البالغين سن 15 سنة من السنة الأولى والبالغين 16 سنة من السنة الثانية والبالغين  17 سنة من السنة الثالثة  مما أدى إلى خروج  التلاميذ والطلبة للاحتجاج في 22 و 23 مارس من نفس السنة  أي 1965، فكانت الدار البيضاء مسرحا لمجزرة في حق ابناء الشعب. هكذا و في كل مرة تعرف الساحة التعليمية قرارات مجحفة في حق التلاميذ والطلبة والشباب، وفي حق الأطر التعليمية تجبرهم على الخروج إلى الشارع للاحتجاج ضد هذه القرارات، ومنها  قرارات إغلاق عملي لمراكز تكوين المعلمين والمعلمات والمدرسة العليا للأساتذة والأستاذات والمراكز الجهوية لتكوين أساتذة التعليم الإعدادي، وبدل ذلك تم نهج سياسة التوظيف بالتعاقد. واستمرت الحكومة الحالية  في تعميق أزمة التعليم باتخاذ قرارات أخرى منها تحديد السن في 30 سنة لاجتياز مباراة التوظيف في التعليم. وهو قرار خرج ضده ألاف الطلبة والتلاميذ و المعطلين حاملي الشهادات، لأنه قرار يحمل في طياته تناقضا من حيث المنطلقات والأهداف وله طابع ارتجالي، لأنه لم يخضع لدراسة قبلية و مشاورات مع المؤسسات ذات الصلة و منها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بالمغرب وصناديق التقاعد والنقابات والأحزاب السياسية، مما يؤكد بأن  التعليم في بلادنا يظل يعيش أزمة بنيوية  في سياق أزمة اقتصادية واجتماعية نتيجة السياسة اللاشعبية واللاديمقراطية التي تتبعها الدولة والتي منها  ركوب مخاطر  اقتصاد الريع وتبديد المال العام في مشاريع غير منتجة  و تفشي الرشوة ومظاهر الفساد في كل ابعاده وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة، مما أدى إلى فشل أي برنامج  تربوي ونذكر هنا  البرنامج الإستعجالي  الذي ارتفعت ميزانيته ب 230% مقابل أداء ضعيف حيث بلغ حجم ميزانيته 43 مليار درهم  كلها ذهبت عبر أدراج  الرياح  وكان بطل هذه الكارثة لوبي محسوب على التربية والتكوين والتأطير. وقبل هذا المخطط صرفت أموال طائلة على إعداد الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي لم يتم تنزيله على  أرض الواقع حتى الآن. لقد ظلت الدولة تعمل على التخلص من خدمات القطاعات الإجتماعية وفي مقدمتها قطاع التربية والتكوين والمدرسة العمومية التي لم تعد قادرة على استقبال الأطفال في غياب بنية تحتية مناسبة وبرامج تعليمية تستجيب لحاجيات المجتمع وأطر تعليمية مكونة تكوينا قويا يجعلها قادرة على تحدي الإكراهات المادية والمعنوية والنفسية لأداء الرسالة التربوية. إنه في هذا السياق فشلت الحكومات السابقة والحكومة الحالية و أحزاب في تدبير ملف التعليم تدبيرا عقلانيا يكون مبنيا على المقاربة التشاركية وعلى المنهجية العلمية في التعاطي مع القطاع  قصد إخراجه من الضبابية والارتجالية والإرتباك. إذ لا يمكن فصل قطاع التعليم عن الوضع العام الإقتصادي والإجتماعي و السياسي، لأن الكل له ارتباط بنوع التعليم الذي تتبناه الدولة.
لأن المنطق والحكمة في تدبير قطاع التعليم كرافعة أساسية لكل تقدم و نمو يقتضي فصل تدبير هذا القطاع عن التدبير التكنوقراطي الذي يسعى إلى توظيف الأرقام بعيدا عن الواقع الإجتماعي والسياسي والثقافي، لأن التعليم ليس بشركة أومعمل أو ضيعة إنتاج مواد للإستهلاك أو للإستعمال حتى يكون فيه  التوظيف بالعقدة. لقد كان على الوزير أن يقوم بتشخيص علمي دقيق لمشكل التعليم انطلاقا من الأسباب التي كانت وراء النتائج الحالية التي آلت إليها المنظومة التربوية، تلك الأسباب في علاقة  بالسياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي والرأسمال البشري وفي علاقة مع البرامج والمناهج والبنية التحتية للمدارس وهذر المال العام والتكوين الهادف للأطر التعليمية وليس الوقوف عند ما جاء به مشروع البرنامج التنموي من وصف  لمستوى التعلمات  دون تحديد المسؤوليات ومستوياتها حتى يكون قطاع التعليم الرافعة الأساسية في أنجاح أي مشروع تنموي.