الجمعة 26 إبريل 2024
فن وثقافة

فردوس: ملف سنابك الخيل والبارود على طاولة رئيس الحكومة عزيز أخنوش

فردوس: ملف سنابك الخيل والبارود على طاولة رئيس الحكومة عزيز أخنوش أحمد فردوس (يمينا) وعزيز أخنوش (يسارا)

على طول خارطة الوطن بمغربنا العميق الذي يتكلم لغة تامغربيت، انتفضت مكونات موروثنا الثقافي على مستوى فن ورياضة الفروسية التقليدية وفتحت صفحة الترافع بمواقع التواصل الاجتماعي من أجل التعجيل بفتح محارك الخيل وانطلاق مواسم ومهرجانات التبوريدة بعد سنتين متتاليتين من المنع.

في هذا المقال التركيبي اعتمادا على مقالاتنا بخصوص فن التبوريدة المغربية بجريدتي "الوطن الآن" و "أنفاس بريس" نجدد تضامننا اللامشروط مع فئة الفرسان ومحيطهم الاقتصادي والإجتماعي والتراثي الذي عرف بوارا وكسادا منقطع النظير في زمن الوباء.

 

"اَلْخَيْلْ اَلْخَيْلْ أَرَا اَلْخَيْلَ عَادَةْ اَلْخَيْلَ/ مَزِّينْ عَوْدِي فِي اَلتْبَوْرِيدَةْ أَرَا اَلْخَيْلَ"، من أجمل المقاطع الغنائية التراثية الخالدة لمجموعة مسناوة الرائعة، جاء على شكل نداء موجه لمن يعنيه أمر الحرص و الإهتمام بموروثنا الثقافي الشعبي على مستوى فن "اَلتْبَوْرِيدَةْ" الفروسية التقليدية في محارك سنابك الخيل والبارود.

إن سبب خوضنا في الموضوع يرتبط بالقلق النفسي والذهني الذي يعصف بعشاق الخيل والبارود، ارتباطا بسلسلة الإنتاج المرتبط بالاقتصاد التضامني والاجتماعي الذي ينعش الحركة التواصلية خلال مواسم ومهرجانات الفروسية ، لكن للأسف لا حياة لمن تنادي؟

لقد أكدنا سابقا على صفحات الجريدة أن "غناء ورقص وموسيقى زمن كورونا نشاز، و مَصْرَانْ اَلْمَاعُونْ/ الكمان متوتر، وقوس الرَّباب حزين، روح لَوْتَارْ قلقة، جِلْدْ اَلْبَنْدِيرْ واَلطَّعْرِيجَةْ بارد ومْكَمَّشْ، صمت الطبل بدون حكمة، وصوت المزمار مخنوق...".

 ولم نخطئ القول حين أكدنا على أن "جْعَبْ وأزندة بنادق البارود تسلل لها الصدأ. سنابك الخيل مكبلة، (اَلْخَيْلْ مَرْبُوطَةْ وُلَحْمِيرْ تْزَعْرَطْ) وألبسة الفرسان وسروج الأحصنة أكلتها الأرضية. عيون الفنون تبكي بحرقة، إنه الكساد والبوار يا سادة يا كرام في مأدبة اللئام".

منذ نهاية الأسبوع المنصرم ومواقع التواصل الاجتماعي تعج بملتمسات فتح محارك الخيل، تسونامي النداءات التي وجهها الفرسان من مختلف مناطق الوطن لم تجد الصدى المطلوب ولو من باب الإطمئنان ورد التحية بمثلها مع العلم أننا قمنا بوخز الجالسين على كراسي تدبير شأننا الوطني بإبر التذكير المنعشة للذاكرة منذ أن طال النسيان هذا الموروث الثقافي والتراثي في زمن كورونا.

لاسترجاع نداءات الجريدة نذكر بما كتبناه في هذا الصدد: "عجبا، ولا مؤسسة واحدة ترافعت ودافعت عن فرسان الخيل والبارود (اَلْبَارْدِيَةْ مْوَالِينْ اَلْخَيْلْ). واجهوني إن شئتم بموقف، أو سؤال كتابي أو شفوي، أو بيان أو بلاغ أو مراسلة للحكومة و وزاراتها ذات الصلة، أو تدخل يشفي غليل (دَاكْ اَلدَايْزْ فِي لَمْرَاحْ مُولْ اَلْبَرْﯕِي وَالسْنَاحْ)، الذي أقفل صندوق عدة الأجداد على لوازم ومستلزمات اَلتْبَوْرِيدَةْ وصناعة الفرح منذ شهر مارس 2020 ، بسبب حالة الطوارئ والحجر الصحي لمواجهة الجائحة".


لقد أكدنا في هذا السياق بأن أغلب المؤسسات والقطاعات في مختلف المجالات و الميادين شمرت على سواعدها وكشرت عن أنيابها للدفاع عن بقائها واستمرارها في زمن كورونا اللعين، باستثناء حكومتنا التي تركت " فرسان (اَلْخَيْلْ وَالْبَارُودْ) الذين أغلقت في وجوههم كل أبواب الترافع، وتنكر لهم الجميع في زمن الجائحة التي عمقت جراحهم وآلامهم وحرمتهم من (لَمَةْ لَحْبَابْ) ومن إحياء مواسمهم ومهرجاناتهم في ميادين اللعب بـ (المكاحل والبارود) على إيقاع زغاريد الفرح" .


عشاق مواسم ومهرجانات "عْيُوطْ وَمْكَاحَلْ" لا خيار لهم اليوم سوى فتح أبواب محارك الفرسان في أنحاء المملكة السعيدة، وإعطاء انطلاقة "صُنَاعْ اَلْفُرْجَةْ" لمعانقة ملايين الناس الذين تفرقت بهم السبل بعد تسونامي الحجر الصحي في زمن الجائحة. هم وحدهم قادرون على إبطال سحر ومفعول سلاح كورونا بـ "اَلتْفَوْسِيخَةْ" (فَاسُوخْ وَتْبَاطِيلْ).

لقد ردد الفرسان مع صيحة لمقدم بصوت واحد ورجع صدى نداء الشجعان في الجبال والمداشر والقرى وضواحي المدن العتيقة "بَالُو اَلصَلَاةْ عْلَى اَلنْبِي...لَمْكَاااااحَلْ...شَدُو اَلْجَمَاتْ أَلَوْلَادْ...اَلْخَيْيْييْييْلْ". لكن للأسف لم يأبه بندائهم التاريخي من يقرر في ديباجة بلاغ حكومي يعطي الإنطلاقة لسنابك الخيل لتدك مواقع الخوف من المجهول.


نعم، فرسان "اَلتْبَوْرِيدَةْ" وحدهم قادرون على طرد طائر النحس من فوق رؤوسنا جميعا، هم الأصدق تعبيرا عن الإنتماء للوطن، لأنهم فعلا هم حراس تراثنا المادي واللامادي الذي نحصن به أبواب التاريخ والجغرافيا. فرساننا هم تراثنا وموروثنا الثقافي الشعبي ومعمارنا الإجتماعي وعشقنا الأبدي الذي يجمع كل مظاهر الفرح والفرجة تحت سقف خيم "لَمَةْ اَلْخَيْرْ وَاَلْخَيْلْ"..


حينما تغنت العيطة بـ "تْكَبَتْ اَلْخَيْلْ" فقد بصمت عمق مغربنا بشجاعة الأبطال في زمن "لَمْحَلَةْ اَلسُلَطَانِيَةْ" لإخماد انتفاضات المتمردين، وطرد الغزاة، والمتربصين بالأرض والعرض، ولم يكن للبكاء حضور في أعيننا الجاحظة: "بَكَانِي رْكُوبْ اَلْخَيْلْ اَلْحَبَةْ مَغْشُوشَةْ وَالْبَارُودْ قْلِيلْ".

إذا، لماذا خنقتم البنادق بكاتم الصوت (مْكَاحَلْ اَلْبَارُودْ)، واعتقلتم الخيول في إسطبلاتها ومرابطها، وكبلتم الفرسان في ربيع و صيف مواسمنا ومهرجاناتنا الموسومة بعبق التاريخ والحضارة؟

خيول عبدة تصهل ثائرة مثل أمواج البحر، و أعراس المهرجانات تترقب انخراط فرسان دكالة والرحامنة وأحمر ورفاقهم "اَلْخِيَالَةْ" هنا وهناك من مختلف القبائل، الذين يذرفون دموع الشوق والحنين لاسترجاع الأمجاد بمحارك البارود، شجعان الشاوية إشتاقوا للحيك والسيف ونقع غبار الأرض الطيبة، سنابك الجنوب تحرس رمال صحرائنا في انتظار ساعة الصفر، وخيول الشرق تغني سنفونية حراسة بوابتها بحرا وبرا وجوا.

إن شعب "اَلْخَيْلْ وَالْبَارُودْ" على أهبت الإستعداد لمواجهة العدو كوفيد التاسع عشر بما يليق من إجراءات احترازية ووقائية بفضاءات أعراس "اَلْعَيْطَةْ وَسَنَابِكْ اَلْخَيْلْ" في الهواء الطلق. فماذا تنتظرون؟ يا من تقررون في مصير الوطن؟

فرسان "اَلتْبَوْرِيدَةْ" ومن على شاكلتهم من (صناع تقليديون، عمارة، مرافقين، شيوخ، حلايقية، تجار صغار....)، في ربيعنا و صيفنا المشبع بمنتوج حصاد وافر، قادرون على ضخ أوكسيجين الحياة وإعادة الروح في جسد صناعتنا التقليدية، وتحريك عجلة اقتصادنا التضامني والاجتماعي، بل أنهم قادرون على إدخال الفرحة في جيوب الصانع والحرفي ومربي الخيول والأحصنة.

ماذا تنتظرون يا من وضعت في أياديهم أختام بلاغات الليل والنهار؟ لقد أزفت ساعة رائحة البارود، وصناعة الفرح والفرجة ورسم الإبتسامة على وجوه الناس، بعد أن حكمت عليهم الجائحة دون محاكمة تليق بعدالة قضية "مَالِينْ اَلْخَيْلْ وَاَلْبَارُودْ" (حكمت عليهم) بسنتين نافذة دون حركة، دون تنقل، دون تواصل، دون لَعْلَعَةْ اَلْبَارُودْ عْلَى ﯕْـصَاصْ اَلْخَيْلْ؟

تجردوا من أنانيتكم ونرجسيتكم، وعبروا عن انتمائكم للوطن، صوغوا بلاغا وطنيا يفتح أبواب خزائن التراث المغربي الأصيل، امنحوا الفرصة لـ "شعب الخيل والبارود" و "لَمَةْ اَلْخَيْرْ و لَحْبَابْ" ليتحقق ما عجزت عنه عقولكم وقراراتكم.

أضيفوا جرعة الحب والعشق لتلقيح مواسم ومهرجانات "سَنَابِكْ اَلْخَيْلْ وَاَلْبَارُودْ"، إنها ترياق الفرح أمام القلق النفسي و الغضب، لأن الحزن عميق الذي اكتسح ميادين الجمال والنخوة.

فلعمري إن المواسم والمهرجانات ذات الطعم التراثي المغربي الأصيل قادرة على فك العزلة في زمن الجائحة، وباستطاعتها تنشيط دورة الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وإعادة الحيوية في مفاصل أسواق باديتنا وحاضرتنا حتى أبعد نقطة من مغربنا العميق...فهل من مجيب ؟.