الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الالاه حبيبي: استحقاقات2021.. الدروس والعبر

عبد الالاه حبيبي: استحقاقات2021.. الدروس  والعبر عبد الالاه حبيبي
المغرب يتجاوز التقاطب الإيديولوجي القاتل بصفر خسارة... درس لكل من كان يراهن على هذا التقاطب لكسر شوكة المغرب الصاعد....
أول درس ينبغي استخلاصه من هذه الاستحقاقات التشريعية والجهوية والجماعية هو نجاح المغرب دولة ومؤسسات وأحزاب وشعب في كسب رهان تجاوز احتمال تقاطب سياسي خطير وتخندق إيديولوجي مقيت كان من الصعب حله بأدوات التوافق المألوفة والمفاوضات المعمول بها في كل الديموقراطيات العالمية...
لقد فهم الشعب المغربي الرسالة، ولبى نداء الواجب حينما اتجه يوم أمس 8 شتنبر 2021 إلى صناديق الاقتراع بكثافة لمكاتب التصويت  لوضع حد لهذا المسار السياسي الذي لو استمر في التغول لكانت نتيجته الحتمية إحدى الحلول أو السيناريوهات التي عرفتها دول شمال إفريقية و أخرى شرقية ... إنها ظاهرة الإسلام السياسي الذي حينما يمسك بالسلطة يرفض التنازل عنها، لأنه ليسحركة ديموقراطية عقيدة ومنهجا وتعاملا مع الخصوم السياسيين الذين ينتظر لحظة سقوطهم للانقضاض عليهم والانفراد بالحكم بشكل مطلق ...
ولعل هذا ما يمكن استشفافه من خطابات قادة هذه الحركات، الذين لم يتمالكوا براكين مشاعرهم الملتهبة التي فضحت عمق سرائرهم وهم يسبون ويلعنون خصومهم الصاعدين، حيث لم يتورعوا عن تهديد الدولة بفزاعات لم يعد لها من سياق يبررها، وكأن سقوطهم المحتمل هو إيذان بعودة عقارب السياسة  إلى الشارع، أي تحريض الأنصار على زعزعة الاستقرار والتمرد على الخيار الديموقراطي والإرادة الشعبية...أما السبب الذي يسوقونه هو أن المنتصر المحتمل  لا يقبلون به، أي لا يروق هواهم العقدي الخاص، وبلغة واضحة لا يقبلون بالشرعية الديمقراطية  حينما تحمل خصومهم إلى سدة الحكم ، حيث نسوا أو تناسوا أنها هي التي أوصلتهم إلى مواقع القرار خلال ولايتين متتاليتين دون أن يخرج تيار سياسي من خصوهم ليدعو الناس إلى الثورة على الصناديق ولعن اختيارات الشعب...
اليوم، يتوج المغرب كأول دولة مسلمة استطاعت أن تنظم انتخابات تشريعية وجهوية وجماعية محلية في ظروف صحية استثنائية، ومنحت الأحزاب المتنافسة فرص التواصل مع الناخبين، وصرفت لهم الاعتمادات المالية لتمويل حملاتهم الانتخابية، وساوت بينهم في حصص الإشهار التلفزي العمومي، وسهرت على تنظيم و توفيرر كل اللوجستيك الضروري لإجراء الاستحقاقات في هكذا ظروف، مع حضور ملاحظين دوليين ووطنيين، وتركت حرية الاختيار للناس، أي مكنت الناخبين من كل فرص التعبير الحر عن اختياراتهم دون تدخل أو إكراه إلا في حالات محدودة طبعا كما جاء في تصريحات بعض المسؤولين... إنها دولة تستحق الاحترام والتقدير من لدن المواطنين أولا، حيث أنها نجحت في استحقاق التصدي للوباء وتلقيح أغلب المغاربة، كما استطاعت أن تحافظ على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي رغم كل الظروف العالمية التي ترتبت عن الجائحة، وهاهي تفوز اليوم بتتويج ثان، أي تنظيم انتخابات عامة في يوم واحد بثلاثة اقتراعات، وذلك دون تسجيل أي اختلالات بنيوية في التنظيم و الإنجاز و الفرز والتواصل مع الناخبين والمرشحين والأحزاب المشاركة.. . ثم الإعلان عن النتائج بشكل مسترسل وبدقة إحصائية مضبوطة... لهذا كان المغرب سباقا اليوم في حسم التقاطب بترك المغاربة يصوتون بحرية، وكانت النتيجة هي رفضهم للخيار الاسلاماوي الذي كانت حصيلته في التسيير غير موفقة، وسياساته العمومية محبطة لفئات كثيرة من الشعب المغربي... لهذا عاقبه الناخبون بقوة وبصرامة كما عاقبوا سابقيه الذين بدؤوا يسترجعون شيئا من بريقهم السياسي الذي فقدوه في الاستحقاقات السابقة... 
المتوج في هذه العملية هي مصداقية الدولة المغربية وقوتها، وجديتها السياسية في رفع كل التحديات في أزمنة  استثنائية، وربح الرهانات دون خسائر جانبية... لهذا قلنا أن بلدنا تجنب الصدام بين عناصر التقاطب السياسي والإيديولوجي بطرق ديمقراطية ذكية، وبسلك منهاج التفاوض حول القوانين والمساطر  المؤطرة للعملية الانتخابية ، حيث كانت النتيجة سقوط مقنع  ومقبول للإسلام السياسي بالإرادة الشعبية، دون تدخل من الدولة أو من أجهزتها، بل هناك إرادة عامة عبرت عنها مختلف فئات المجتمع المغربي، نخب سياسية، مثقفون، أطر عالية، وفئات شعبية واضحة أصرت على معاقبة الحزب الإسلامي  الحاكم على فشله في تحقيق وعوده وإغراق البلاد في الديون والمشاكل الاجتماعية التي تركها مكدسة على مكاتب الحكومة القادمة....
أمام هذا الإنجاز الكبير الذي حققه بلدنا دولة وشعبا وأحزابا، فوجئنا بصمت مريب لدى الكثير من القنوات الإعلامية العربية والأوروبية وكأن الحدث المغربي لا يستحق التغطية والمتابعة الدقيقة، وذلك منذ الأمس إلى صبيحة هذا اليوم ولا إشارة واحدة في هذه القنوات التي ألفت الغوص في برك البلاد الهامشية  قصد البحث عما به تسوق لمغرب "متعثر" و"مأزوم" ...لهذا فالناجح هو الانجاز الديمقراطي الذي انهزم فيه حزب إسلامي بشكل درامي وذلك من خلال صناديق الاقتراع... إنه جواب ديمقراطي لكل من كان يراهن على هذه المحطة لتحقيق مآربه ومخططاته.... فهنيئا للفائزين كانوا ليبراليين أو أصحاب شركات، أو أحزابا أخرى وطنية ديمقراطية، تعافت وأصبحت تسترجع تدريجيا بريقها السياسي، أما الذين سقطوا فعليهم أن يستجمعوا قواهم، ويتفرغوا لمحاسبة أنفسهم، ومراجعة أفكارهم و أخطائهم، وإعادة تنظيم أنفسهم للمستقبل... لان الديمقراطية لا تقتل المنهزمين كما تفعل الفاشيات، بل تمنحهم فرصة مراجعة الذات واستخلاص الدروس....