الجمعة 19 إبريل 2024
منبر أنفاس

مصطفى بودغية: لماذا الانتخابات؟

مصطفى بودغية: لماذا الانتخابات؟ مصطفى بودغية

لا حاجة للتذكير أن الغالبية تعزف عن الاهتمام بالشأن العام.. وعن ممارسة حقها في المشاركة  الانتخابية..لكن هذه الكتلة الضخمة من المواطنين المقاطعين للانتخابات ليس لها تفسير واحد لسبب المقاطعة.. ولا تخضع لأي تأطير حزبي يوحد رؤيتها ويوجهها نحو هدف محدد ملموس قابل للتحقق والتعين.. ولهذا نجد الرأي السائد هو اليأس من السياسة والسياسيين.. وأنهم كلهم مثل بعضهم البعض.. وأن "ليس في القتافذ أملس".. لذلك لا جدوى من المشاركة في انتخابات لا طائل من ورائها.. وقد يميل البعض إلى نهج سلوك انتهازي ويطلب مقابلا عن "صوته" أو "أصوات" المقربين إليه.. مبررا ذلك بالقول إن من حقه الاستفادة بالقليل أو الكثير ما دامت الانتخابات تجري في كل الأحوال وتفرز دائما نفس الوجوه.. لدرجة أن بعضهم أصبحوا "سماسرة انتخابات"..

قد لا يحتاج المواطن إلى ذكاء متوقد ليعرف أن هذا الوضع يخدم "النظام" بالدرجة الأساس.. ويخدم "حفنة" من المستفيدين بالدرجة الأولى.. لماذا ؟.. لأن "المقاطعة" لا تفيد أمام "نظام سياسي" يمتلك قاعدة انتخابية ثابتة.. هذه "القاعدة الشعبية" الثابتة المصوتة دائما ترتبط في جزء منها بالسلطة مباشرة وترتبط بأعيان البوادي والمدن في الجزء الثاني.. وترتبط أيضا بجمعيات خيرية تحركها أحزاب معينة في الجزء الثالث.. هذه "الأصوات" المرتبطة بكل هذه الأطراف هي التي يعول عليها النظام في بناء "العملية الديمقراطية" برمتها ويجعلها واجهة "براقة" أمام الداخل والخارج..بعد افساد جل الأحزاب المتمنعة تقريبا بـسخاء "الريع السياسي" المتمثل في الأجور المرتفعة والامتيازات والتقاعدات المريحة..وبعد أيضا عملية فصل "النخب" عن القاعدة الشعبية العامة بإنشاء "المجالس العليا" في كل المجالات تقريبا بأجور وتعويضات مهمة.. كل هذا يجعل عملية "مقاطعة" الانتخابات لا فائدة منها ما دامت ترهن المواطنين في "قاعة انتظار" لقطار تغيير مرغوب فيه.. لكنه لن يأتي أبدا..ما دام ليس هناك محطة..ولا سكة أصلا.. وما دام القطار نفسه معطلا اصلا..

تبقى المشاركة في الانتخابات هي السبيل الوحيد.. لكنه سبيل شاق وطويل..يتطلب جهدا وتركيزا واهتماما متواصلا.. ليس الانتخابات هي مجرد "رمي ورقة في الصندوق".. الانتخابات انخراط كلي في ممارسة الشأن العام..وانتماء فاعل وفعال لما تبقى من أحزاب غير "ملوثة" بالريع السياسي.. ومساندة للمخلصين لقضايا الشعب..وبداية لمقاطعة الانتهازيين والفاسدين والمرتزقة.. وإعادة بناء شبكة من الجمعيات المدنية لأجل مجتمع مدني قوي ومتابع وقادر على فضح الفساد والتشهير به وكشف المفسدين والانتهازيين والمرتزقة في السياسي والإعلامي.. ومعبئ للمواطنين ضد الفاسدين بمواجهتهم والتشهير بهم وإقصائهم بدفعهم للاختباء مجددا في "جحورهم".. الانتخابات مناسبة لفتح نقاش عام عن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المأزوم.. وبحث جماعي عن الحلول الممكنة.. وبناء تكتل شعبي منظم في أحزاب نظيفة وجمعيات فاعلة ونقابات فعالة وإعلام شعبي عبر منصات التواصل الاجتماعي لأجل التوعية والفضح وتعميم المعلومات.. لبناء وعي سياسي شعبي مسؤول..قادر على رسم سكة قطار التغيير بعد رفع العطب عنه..وتحديد المحطات.. وإنهاء حالة التهميش بالمشاركة المتواصلة والمتراكمة لاسترداد ما سرق منا.. استرداد "صناديق الاقتراع" نفسها.. واسترداد "الجماعات المحلية" لنعيد مدننا إلينا.. واسترداد "البرلمان" لنعيد وطننا إلينا.. واسترداد "الشارع العام" إلينا لنمارس حقنا في الاحتجاج ضد الفساد وضد "الريع السياسي" والامتيازات العبثية لحفنة من "المحظوظين" في مواجهة تفقير المواطنين..وحقنا في المطالبة بحقوقنا.. وحقنا في الاستفادة من "الثروة الوطنية" ومن "الضرائب" التي تقتطع من أرزاقنا وأجورنا.. واسترداد "الزمن الضائع" عبر كسر "الدائرة المفرغة" حتى لا يضيع مستقبل أبنائنا.. نحن نريد الديمقراطية.. ولا بديل لنا عنها.. لكنها ليست "منحة" من أحد..إنها وعي وممارسة وجهد وقلق وتعثرات.. ولا يمكن تعلم الديمقراطية إلا بممارستها.. الديمقراطية طريق شاق وصعب ومعقد ويتطلب النفس الطويل والصبر الكبير..لكنه طريق يوصل حتما إلى "مجتمع أفضل"...