الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد السلام انويكًة: الشأن الانتخابي بالمغرب بين سؤال نسبة المشاركة وقضية العزوف..

عبد السلام انويكًة: الشأن الانتخابي بالمغرب بين سؤال نسبة المشاركة وقضية العزوف.. عبد السلام انويكًة

بقدر علاقة العملية الانتخابية بمتغيراتِ المغرب الداخلية، وما هو ذو صِلة أيضاً ضمن علاقات بينية خارجية فضلاً عن ماض وإرث وتطلع وطبيعة مجتمعٍ، بقدر ما يحكمها من هاجس تدبير وسلوك وأدوار وعلائق وخيارات وقراءات وقانون ومؤسسات. وغير خاف ما يكتنف مكون السياسة وآلياتها من صعوبة فهمٍ ومن تمة طبيعة نسق لا شك أن الانتخابات من قضاياه الأكثر جدلاً، فما أثارته محطاتها من أسئلة قبل حوالي العقد من الزمن وما طبعها من نسبة مشاركة، أبان عن تراجع يعود لتسعينات القرن الماضي متى عرف المغرب مساحة حرية وتعبير كذا إجراء انتخابات وفق تعاقد وقيم اعتبرت يومئذ ورشاً بأهمية كبيرة من أجل وطن.

 

في علاقة بهذا وذاك وعشية محطة انتخابية جديدة ومن نصوص خزانة المغرب العلمية القانونية، ارتأينا بعض الضوء حول مؤلَّف رصين بات بحاجة لنسخة ثانية لندرته، مؤلف موسوم بـ "العزوف الانتخابي والأحزاب السياسية بالمغرب"، صدر عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر بالرباط ضمن طبعة أولى بأزيد من أربعمائة صفحة، في الأصل هو أطروحة جامعية باللغة الفرنسية تقدم بها الباحث غسان الأمراني أستاذ العلوم السياسية حاليا بجامعة محمد الخامس بالرباط، لنيل شهادة دكتوراه في القانون تحت اشراف الأستاذ عبد الله ساعف الباحث والمثقف كذا الفكر والنهج والاسم الغني عن التعريف في وسط الأكاديميين والمثقفين والفاعلين الاجتماعيين والسياسيين بالمغرب.

 

"إن ما سُجل من خيار عدم تدخل السلطة بالمغرب في أول محطة انتخابية خلال الألفية الثالثة، خلافاً لِما طبع سبعينات وثمانينات وتسعينات القرن الماضي، لم يمنع من وقع عزوف أبان عن عدم رضى حول شأن البلاد الانتخابي. وإذا كانت الظاهرة تتحدد بعدم التسجيل في لوائح انتخابية ترى مساحة هامة من المواطنين أنها دون أهمية ولا فائدة كعملية، فهي ترتبط أيضاً بمن هم مسجلين لكن لا يحضرون لمكاتب التصويت. إن ما هي عليه العملية الانتخابية من ضعف مشاركة وما هو مسجل حولها من نسب وأرقام، يدعو للسؤال حول كون ما هو كائن أمر غير عادٍ ولا عابرٍ بل ظاهرة قائمة تزداد خطورة من محطة لأخرى".

 

بهذه الاشارات استهل الدكتور غسان الأمراني تقديما لمؤلفه "العزوف الانتخابي والأحزاب السياسية في المغرب"، مشيراً لضعف المشاركة فيها كإشكالية يرى إمكانية تحديدها من خلال جملة مؤشرات. أولاً: ما يتعلق بتطور نسبة مشاركة منذ بداية ستينات القرن الماضي حتى نهاية العقد الأول من القرن الحالي، مع أهمية الاشارة الى أن ما سُجل من نسب تخص محطاتها الأخيرة تعد الأضعف في تاريخ الانتخابات المغربية، ثانياً: ما يهم نسب المشاركة المسجلة خلال نفس الفترة بدول أخرى كما الحال مثلاً بالنسبة لتونس عربياً وفرنسا أوروبيا، وضع -يقول المؤلف- تتبين معه فروقات على مستوى ما هو مسجل من أرقام وبالتالي ضعف اقبال في هذه المحطات من الاستحقاقات. ثالثاً: ما يتصل بطبيعة أرقام معلن عنها حول مشاركة المواطنين في المحطات الانتخابية الأخيرة والتي لم تتجاوز الخمسين بالمائة، وهنا يطرح سؤال المعدل الانتخابي ثم إشكال ضعف المشاركة في العملية، كذا سبب غياب المنتخبين على نطاق معبر خلال الاستحقاقات السياسية الانتخابية الأخيرة سواء التشريعية أو الجماعية.

 

بقراءة نتائج بحث ميداني يخص هذا الشأن في علاقة بأحزاب سياسية يضيف الباحث، يتبين أن هناك شعور بعدم رضى من قِبل المواطنين تجاه العملية الانتخابية والأحزاب السياسية، وبالتالي اتساع خطاب يقول بأنانية مكونات وأعضاء هذه الأحزاب فضلاً عما هناك من محسوبية، ناهيك عما بات متداولاً حول كون هؤلاء مجرد (لصوص) مدافعين عن مصالح خاصة لا غير، ومن ثمة قناعة وقول بعدم الفائدة من الانتخابات والتصويت لا على هذا ولا ذاك ما دام أنهم متشابهين.

 

وحول واقع نسبة عزوف المغاربة الانتخابي ما بات جلياً تزايده مع كل محطة استحقاقية، يتساءل الباحث حول هل المسألة في حد ذاتها ترجمة لمعارضة سلبية من قِبل مساحة واسعة من المنتخبين للعمل السياسي بكل تكويناته دولة وأحزاب وانتخابات، وهل الواقع أمراً عادياً لا يحتوي سخطاً ولا يعكس عدم مبالاة تجاه ما هو سياسي. إن ما حصل في انتخابات البلاد الأخيرة من خلال نتائجها ونسب مشاركة المواطنين فيها كذا ما طبعها من أصوات ملغاة وبطائق فارغة، يسمح بالقول -يضيف- أن هناك أزمة تهم درجة الاقبال والدولة والأحزاب السياسية معاً.

 

واقعُ سلبية تناوله الباحث مستحضراً جملة معطيات سياسية واعتبارات تنظيمية ومؤسساتية، معرجاً عما عرف بـ "الربيع العربي" الذي كان نتاج غياب دمقرطة حقيقية وحرية وتنافسية مؤسسَّة على انتخابات كآلية تنظيم للمجتمع. وعليه، فالبحث في مسألة العزوف الانتخابي قضية على قدر كبير من الأهمية الاجتماعية والسياسية لطرح تساؤلات، فضلاً عن مزيد تفكير ورأي ومقترح وتحليل وتنوير من أجل مستقبل البلاد، علماً أن ما بات يتقوى من شك لدى شريحة واسعة من المواطنين يعكس أزمة ثقة ومسؤولية ومشروعية، لا يمكن أن يترتب عنها سوى أزمات اجتماعية وسياسية على مدى بعيد. وبناء على فرضية كون تراجع نسبة المشاركة في انتخابات البلاد هي تعبير عن استياء وشك على قدر من الاتساع، فإن هناك موقفاً سلبياً تجاه السياسة والدولة والأحزاب السياسية ومعها العملية الانتخابية. وهنا أهمية السؤال حول الأسباب الواقعية لهذا الموقف، ولماذا فقَد المواطن كل جذب وثقة في السياسة والعملية الانتخابية، ولماذا رفض الأحزاب السياسية وما سر فقدانها لوقعها ومصداقيتها ومنخرطيها وجماهيرها- يضيف الباحث- بخلاف ما كان عليه الأمر في الماضي.

 

لقد توجه مؤلِّف "العزوف الانتخابي والأحزاب السياسية في المغرب" بعنايته لدراسة الظاهرة في أبعادها السياسية، باعتبارها موقفاً سلبياً صوب واقع سياسي في أفق ايجاد أجوبة شافية حول الإشكال. وعليه، ارتكز بحثه على نتائج دقيقة خصت مختلف محطات البلاد الانتخابية منذ الاستقلال قبل حوالي ستة عقود من الزمن حتى الآن رغم ما يسجل من نقص معبر في مراجع ووثائق وأسناد، علما أن نتائج عدد من المحطات الانتخابية لم يتم نشرها فضلاً عما هناك من بياضات فيما نشر منها.

 

وبقدر ما تأسس هذا العمل العلمي على ما توفر من ببليوغرافيا منذ ظهور أول حزب سياسي بالمغرب بداية ثلاثينات القرن الماضي، بقدر ما تعزز برؤية أحزاب مغربية عدة تجاه فعل البلاد الانتخابي، وما هناك من أحداث هامة طبعت تاريخها السياسي الحديث سواء تعلق الأمر بما هو يسار أو يمين. لرصد ما شهده المجال السياسي الانتخابي من تطورات وتنافس بين مختلف التيارات، فضلاً عما يحكم العملية من اتجاهات تصويت ودرجة أصالة وواقع قوى سياسية وأساليب وغيرها. وعليه، فإن ما اعتمده الباحث من نهج مقابلات حول ظاهرة العزوف السياسي والاحزاب السياسية بالمغرب، كان بأثر معبر في اغناء هذا العمل بقراءات واشارات واستنتاجات وتحليلات على قدر عال من الأهمية. وهو ما شمل مساحة واسعة من سياسيين وفاعلين ومسؤولين حزبيين مغاربة، منهم محمد بوستة ومحمد المساري وسعيد السعدي ومحمد أوجار ومحمد الكًحص وعبد الهادي خيرات، وكذا عبد الكريم بن عتيق ومحمد الساسي ونبيلة منيب وعبد الله الحريف..، فضلاً عمن تم التفاعل معهم من مهتمين وباحثين وسياسيين ونشطاء جمعويين ومناضلين ومواطنين، ضمن بحث ميداني رغم ما يحيط به من صعاب على أكثر من جانب.

 

تقاسمت مؤلَّف "العزوف الانتخابي والأحزاب السياسية بالمغرب" فصول ثلاثة كبرى، خُصص الأول منها لمسألة المشاركة السياسية الانتخابية بالمغرب من خلال تناول عبر مبحثين، لِما حصل من تطور في وثيرتها منذ بداية ستينات القرن الماضي حتى نهاية العقد الأول من القرن الحالي، وما اتصل أيضاً بسسيولوجيتها في علاقتها بالمجال الحضري والمدن الكبرى والمتوسطة كذا المجال القروي والمراكز الصغرى. ليتمحور فصل ثان من المؤلف حول ما تراكم من معطيات وحقائق تخص المسألة، بحيث تمت مقاربة ما حصل من عبث بإرادة شعب تماشياً مع حركة وطنية من جهة ومعارضة من جهة ثانية فضلاً عما تم إحداثه من أحزاب سياسية إدارية، الى جانب مناقشة ما طبع خط الحركة الوطنية من فشل وتداعيات وغياب أفق، دون قفز عما عرفه الخط السياسي الاشتراكي من افلاس ونهاية تعبئة إيديولوجية، وعما حصل من تمدن وترييف لمدن البلاد وثقافة هوامش وسكن هش وشباب لا مبال وتطرف.

 

أما في فصل ثالث وأخير من المؤلف وفي علاقة بالأحزاب السياسية وقضية العزوف الانتخابي، فقد تم تناول الإشكال من خلال ما نعت بالتقليد السطحي وما هناك من تأثير أجنبي ونموذج استعماري وتشكيل وتكوين متناقض والتباس إيديولوجي. مع توجيه العناية لخاصية نشاط هذه الأحزاب من خلال ما هو تنظيمي ومقرات ومنخرطين وانشقاقات وقرب من السلطة، كذا لِما نعته الباحث بـ "تجذير التشارك" عبر ما حصل من تعاطف ظرفي (المقاومة من أجل الاستقلال) وما هناك من مؤشرات هشاشة، ومن تمة انتهاء الباحث إلى أن أحزاب المغرب السياسية مجرد آلات انتخابية لا غير، فضلاً عن أزمة ثقافةِ نضالٍ وظاهرة أعيان مستثنيا في ذلك حزبا واحداً في خلاصته.

 

يبقى السؤال حول، أي تحول صوب دمقرطة وشفافية ومصداقية وحكامة جيدة وانسان مناسب في مكان مناسب وربط مسؤولية بمحاسبة.. دون اشراكٍ وتشارك ومشاركة سياسية؟ وهل يمكن بلوغ هذا وذاك دون فهم طبيعة علاقة بين أفراد ومؤسسات وأحزاب سياسية وبين هؤلاء والدولة في إطار الدستور دون قاعدةٍ ووقعِ انتخابي ونسبة لفرز ما ينبغي من وعي؟ وأي حديث عن شأن انتخابي وما هو عليه من تدبير وظواهر دون بحث علمي شافٍ، كذا موضوعية خلاصات من شأنها تحقيق فهم أهم لِما هو واقع ومؤمل لفائدة بلادٍ وعباد؟