الاثنين 25 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

عزيز رزنارة: من ينفض الغبار عن مدينة الوليدية؟

عزيز رزنارة: من ينفض الغبار عن مدينة الوليدية؟ عزيز رزنارة
الوليدية، بلدة على الساحل الأطلسي بين مدينتي الجديدة وآسفي. حباها الله بموقع جغرافي متميز ومؤهلات طبيعية، من المفروض أن تجعل منها قطبا سياحيا وفلاحيا وبحريا رائدا في اقتصاد المنطقة. لكن الزائر لها، خصوصا في غير فصل الصيف، سيصدم بواقعها الحالي.
ما هي الأسباب والمعوقات التي تحول دون ازدهار وحيوية المدينة طيلة السنة وليس فقط خلال شهري العطلة الصيفية؟
الوليدية، تعني لأول وهلة لدى أغلب المغاربة زراعة وصيد المحار والأسماك والشواطئ الجميلة التي تستقبل كل صيف آلاف المصطافين من عدة مدن مغربية تزدحم بهم شوارع وشطئان البلدة. ولكن الغالبية العظمى لا يعرفون شيئا عن تاريخها القديم، وبأنها أعرق من بعض المدن والحواضر المغربية المعروفة. فهي تستمد أصلا إسمها من السلطان السعدي "الوليد بن زيدان" الذي ينسب إليه تأسيس المدينة وخصوصا إعادة بناء "قصبة الوليدية" سنة 1634 ميلادية بعد طرد المحتلين البرتغال الذين هدموها قبل مغادرتهم هذا الثغر البحري. وقد تم تصنيف "قصبة الوليدية" ضمن المباني التاريخية كتراث وطني سنة 1957. كما أنها استهوت الملك الراحل محمد الخامس رحمه الله الذي بنى بالقرب من بحيرتها قصرا ملكيا كان يأتي إليه صحبة الأمراء والأميرات من العائلة الملكية. وبعد سنوات طويلة من الإهمال الذي طال هذا القصر، يبدو أن يد الترميم والإصلاح قد عادت إليه برعاية من الملك محمد السادس. وقد تم تصنيف بحيرة الوليدية منذ سنة 2005 ضمن المواقع الطبيعية المحمية.
إداريا، تتبع الوليدية حاليا لدائرة الزمامرة، بإقليم سيدي بنور التابع لجهة الدارالبيضاء-سطات بعد أن كانت من قبل تتبع لإقليم الجديدة قبل إنشاء إقليم سيدي بنور.
يعتمد اقتصاد البلدة على تربية وصيد المحار والأسماك والسياحة. ويعتبر محار الوليدية من أجود أنواع المحار في العالم وله شهرة كبيرة في الأسواق العالمية التي يصدر إليها على امتداد السنة. وتضم البلدة على ساحلها عدة مزارع للمحار بعضها تديره شركات أوروبية تصدر أغلب إنتاجها لأوروبا.
إلا أن البلدة التي تعج خلال شهري العطلة الصيفية بالزوار الذين تضيق بهم جنباها، تعرف شللا مهولا خلال الشهور الأخرى خصوصا فيما يتعلق بالنشاط التجاري والاجتماعي والثقافي. خلال كل هذه الشهور تظل أزقة البلدة وخصوصا المتاخمة للشاطئ مقفرة وخالية، بينما تعرف المحلات التجارية بها ركودا كبيرا لتدني حركة البيع والشراء جراء عدم تواجد أي زوار أو أنشطة سياحية أو ثقافية يمكنها أن تغري الكثيرين بزيارتها.
"أصيلة" ومهرجانها الثقافي الذي أخرج المدينة من حالة العدم تقريبا إلى ريادة ثقافية خلقت رواجا وسمعة دولية للمدينة، يمكن أن تكون نموذجا رائدا لما يمكن أن تكون عليه "الوليدية". يمكن للصناعة الثقافية أن تخلق حياة أخرى للبلدة خلال فصول الشتاء والخريف والربيع إذا توفرت النيات الحسنة لدى أبناء البلدة وخصوصا من أوكل إليهم أمر تسييرها.
هل سيوجد في "الوليدية" مثل "بنعيسى" ليخلق طفرة ثقافية في البلدة تكون رافدا مهما للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة كلها. موقع البلدة بين قطبين حضريين يضمان منشآت صناعية استراتيجية يمكن أن يؤهلها إلى خلق صناعة ثقافية موازية لنوعية النشاط الصناعي والاقتصادي بالمنطقة. ولكن الأمر يحتاج إلى مختصين في "الهندسة الثقافية" لكي تكون المشاريع المقترحة ملائمة لطبيعة البلدة ومؤهلاتها. يمكن للقطاع البحري قصب السبق في هذه المشاريع الثقافية وذلك بتنظيم مهرجانات ومؤتمرات عالمية حول مواضيع تتعلق تربية وزرع الأحياء البحرية، بل يمكن إنشاء معهد للتعليم والتكوين في هذا المجال، أو مركز للبحث العلمي بالتعاون مع جامعات ومعاهد بحث دولية في هذا المجال.
هناك عدة أمثلة في المغرب عن الدور الإيجابي الذي لعبته بعض المعاهد الجامعية العليا في تطوير وتنشيط الحياة الاجتماعية في بعض المدن، وذلك بانتقاء نوعي لهذه المعاهد مثل المعهد العالي للتجارة وإدارة المؤسسات (ENCG) أو غيرها من المعاهد المختصة. ولعل هذا من شأنه أن يخلق رواجا ونشاطا اجتماعيا واقتصاديا داخل البلدة.
أتمنى أن تنتج الاستحقاقات الانتخابية القادمة فريقا من المسئولين المحليين الواعين بالوضعية الحالية للبلدة، وبمدى إمكانياتها للتطور والازدهار خذمة لساكنة البلدة التي لا يظهر على غالبيتها أي أثر لهذه الثروة الطبيعية التي حبا الله بها هذه البلدة الجميلة.
 
عزيز رزنارة، فاعل مدني