Thursday 7 August 2025
كتاب الرأي

عادل راشدي: سنة بعد العفو الملكي عن مزارعي القنب الهندي.. تقييم الواقع وتحديات المستقبل

 
عادل راشدي: سنة بعد العفو الملكي عن مزارعي القنب الهندي.. تقييم الواقع وتحديات المستقبل عادل راشدي
في إطار البرنامج الحواري "فسحة سياسية"، الذي يقدمه الدكتور جمال التاودي عبر منصات التواصل الاجتماعي، شاركت يوم أمس كضيف إلى جانب المهندس خالد البقالي لمناقشة موضوع ذي أهمية بالغة: واقع مزارعي القنب الهندي بعد مرور عام على العفو الملكي. ركز النقاش على "مسيرة الكرامة" التي نظمها مزارعو منطقة غفساي باتجاه عمالة إقليم تاونات يوم الثلاثاء 5 غشت 2025، والتي كشفت عن تحديات عميقة في مسار تقنين زراعة القنب الهندي، مع محاولة تقييم ما تحقق وما ينقص لتحقيق تنمية مجالية مندمجة.
 
العفو الملكي: خطوة نحو السلم الاجتماعي
كان العفو الملكي عن مزارعي القنب الهندي وأسرهم بمثابة خطوة تاريخية أنهت عقوداً من الخوف والمتابعات القضائية، وأسهمت في تعزيز أجواء السلم الاجتماعي في مناطق زراعة القنب الهندي. لكن، على الرغم من هذا الإنجاز، فإن آليات التنسيق بين الدولة، الجماعات الترابية، والمجتمع المدني لم ترقَ إلى المستوى المطلوب، مما يعيق بناء مستقبل تنموي مستدام لهذه المناطق. فما الذي تحقق على أرض الواقع؟ وما هي التحديات التي كشفت عنها مسيرة الكرامة؟

 
مسيرة الكرامة: جرس إنذار وتساؤلات جوهرية
شكلت مسيرة مزارعي غفساي نقطة نظام وجرس إنذار حول المقاربة التي تتبعها الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي. هذه المسيرة أثارت أسئلة حاسمة تستحق التأمل:
●    طبيعة المقاربة المعتمدة: هل تعتمد الوكالة مقاربة أمنية تركز على المراقبة والضبط، أم مقاربة تنموية مندمجة؟ التجارب تُظهر أن التركيز على المراقبة وحدها يؤدي إلى انتكاسات على المدى المتوسط والبعيد، مما يستدعي إعادة تقييم هذا النهج.
●    إدماج المنتجين الصغار: هل تم إشراك المنتجين الصغار في جميع مكونات سلسلة القيمة؟ الواقع يؤكد أن دور التعاونيات يقتصر على الإنتاج، دون المشاركة في عمليات التثمين والتسويق، حيث تتحكم الشركات الكبرى في هذين المجالين. هذا الوضع يثير تساؤلات حول ظروف تأسيس التعاونيات، ويوحي بظهور اقتصاد ريعي جديد يستفيد منه فاعلون كبار على حساب المنتجين الصغار. في المقابل، كانت سلسلة القيمة في زمن "اللاقانونية" تعتمد على "البزناس"، الذي كان قريباً من المنتجين، يمول عمليات الإنتاج ويقدم تسبيقات وسلفيات في أوقات الأزمات، وهو ما يغيب عن النموذج الحالي.
●    غياب النقاش العمومي: هل فتحت الوكالة الوطنية نقاشاً حقيقياً وشاملاً حول تنزيل برامج تقنين القنب الهندي؟ الإجابة هي النفي، حيث افتقرت عملية التنزيل إلى الشفافية والمشاركة المجتمعية، مما أدى إلى هفوات ونقائص، وغياب مشروع مجالي تشاركي يعكس تطلعات الساكنة.
●    المسؤولية عن الوضع الحالي: مؤسساتياً، تقع المسؤولية على الوكالة الوطنية وفق قانون 13-21، بينما يبدو تحميل المسؤولية للجماعات الترابية أو الغرفة الجهوية للفلاحة محاولة للالتفاف على جوهر المشكلة. الجماعات الترابية تُعد حلقة ضعيفة في سلسلة التنسيق والمواكبة. والأكثر إثارة للقلق هو تأخر مستحقات المزارعين لأكثر من 10 أشهر، رغم تحديد العقود مهلة شهر واحد للدفع، مع إشراف الوكالة. فلماذا صمتت الأطراف المعنية طوال هذه المدة؟ وأين كانت أصوات الأحزاب السياسية، جمعيات حقوق الإنسان، والمجتمع المدني قبل وأثناء وبعد المسيرة؟ هذا الصمت يكشف عن ضعف الوسطاء التقليديين وغياب الديناميات المحلية القادرة على المرافعة.

 
تحديات سلسلة القيمة الحالية
مسيرة الكرامة سلطت الضوء على اختلالات سلسلة القيمة الحالية. فالمنتجون الصغار، الذين يشكلون العمود الفقري لزراعة القنب الهندي، محرومون من الاستفادة من مراحل التثمين والتسويق، حيث يتركز هامش الربح الأكبر. هذا الوضع يثير مخاوف من تكريس اقتصاد ريعي جديد، يُحرم المزارعين من حقوقهم ويعيد إنتاج الفوارق الاجتماعية. السؤال المطروح: كيف يمكن الخروج من هذا الوضع الرمادي؟

 
رؤية لتنمية مجالية مندمجة
لتحقيق تنمية مستدامة في مناطق زراعة القنب الهندي، يجب اعتماد رؤية شاملة تستند إلى المنطلقات والمبادئ التالية:
●    المنطلقات الملكية: أكد الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش 2025 على ضرورة القضاء على مظاهر الفقر والهشاشة، خاصة في العالم القروي، ورفض فكرة "مغرب بسرعتين". هذا التوجه يشكل أساساً لتصور تنموي عادل ومندمج.
●    المبادئ المؤسسة: التكامل والتضامن بين المجالات الترابية، من خلال مقاربة تشاركية تعتمد على:
●    بناء مشروع مجالي مشترك يوظف الذكاء الجماعي ويثمن الرأسمال اللامادي لهذه المناطق.
●    التدبير المستدام للموارد المائية، وهو أمر حيوي في سياق تغير المناخ.
●    المشاريع المقترحة:
●    برنامج استعجالي لفك العزلة عن مناطق زراعة القنب الهندي عبر تحسين البنية التحتية.
●    تأهيل الخدمات الاجتماعية (الصحة، التعليم، التكوين المهني) وشبكات الاتصال.
●    إحداث مراكز قروية مندمجة توفر فرص عمل ودخلاً من خلال برامج مثل الجيل الأخضر، السياحة القروية، والتمكين الاقتصادي للنساء.
●    دعم التشغيل وتهيئة مناخ ملائم للمبادرة والاستثمار المحلي.
●    التأطير والمواكبة:
●    تنظيم المنتجين الصغار في تعاونيات وإحداث اتحادات إقليمية لتسهيل المواكبة والتأهيل.
●    تأسيس فيدراليات إقليمية للمرافعة والمساءلة أمام الجهات المختصة.
●    إنشاء شركات تنمية جهوية وفق القانون التنظيمي 111-14، تضم اتحادات التعاونيات، الجهة، الوكالة الوطنية، الأبناك، والمستثمرين. هذه الشركات ستضمن هامش ربح أفضل للمنتجين الصغار، وستعزز جاذبية جهات طنجة-تطوان-الحسيمة وفاس-مكناس، مع تحقيق التكامل الترابي.

 
خاتمة
مسيرة الكرامة لم تكن مجرد احتجاج، بل دعوة لإعادة تقييم مسار تقنين القنب الهندي. إن تحقيق تنمية مجالية مندمجة يتطلب نقاشاً عمومياً موسعاً، وإشراكاً حقيقياً للمنتجين الصغار في سلسلة القيمة. مغرب اليوم، كما أكد الخطاب الملكي، بحاجة إلى تعبئة كل طاقاته وكفاءاته لبناء وطن يتسع للجميع، ويضمن العدالة المجالية وكرامة مواطنيه.
عادل راشدي، أستاذ باحث بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير، جامعة محمد الأول، وجدة