السبت 20 إبريل 2024
سياسة

عبد الإله حسنين: حركة الطفولة الشعبية.. المربي الجماعي

عبد الإله حسنين: حركة الطفولة الشعبية.. المربي الجماعي من أنشطة "حركة الطفولة الشعبية" وفي الإطار عبد عبد الإله حسنين

إن التفكير في أن تكون حركة الطفولة الشعبية مجالا لتأسيس مستمر ومتجدد ليس شعارا أملته التحولات الاجتماعية والثقافية التي يعيشها مجتمعنا اليوم على غرار محيطه الجهوي وفي تفاعل معه فحسب؛ وإنما هو بالإضافة لذلك تكريسا لممارسة دأبت عليها حركتنا منذ ولادتها ومع الرواد الأوائل وكل الأطر التي استمرت على نفس النهج، حتى أضحت مدرسة للتجديد والمبادرة نادت بالتحديث والواقعية المغربية، ودافعت عن حقوق الطفولة والشباب ومكانتهما منذ زمن بعيد، وقد سبق تأكيد ذلك في إحدى كلمات الأخ الرئيس المرحوم السي الطيبي بنعمر حين قال أن اختيار المؤسسين لاسم حركة بدل جمعية أو فرقة أو ناد لم يكن اختيارا اعتباطيا وإنما كان للدلالة على أننا جسم حي دائم الحركة والتجدد يرنو دوما نحو أفق أرحب وعطاء أوفر، وأننا إطار داخل المجتمع ولسنا على هامشه نؤثر فيه ونتأثر به.

فلابد لنا أن نفتخر نحن الذين تربينا وناضلنا في أحضان حركة الطفولة الشعبية بانتمائنا لهذه المدرسة التربوية العريقة والحداثية، مدرسة الوفاء والتطوع وشرف الانتماء، مدرسة العطاء والعمل والاستمرارية على نفس المبادئ، مدرسة الشفافية والديمقراطية والقيم النبيلة. ولابد لنا أن نعتز كذلك بكوننا نشكل استمرارية الأجيال داخل حركة الطفولة الشعبية باختلاف تكوينها وتنوع مرجعيتها ودرجة وعيها وانتمائها وعمق إيمانها وتطوعها ومستوى انخراطها في القضايا الأساسية للمجتمع المغربي الذي يعرف الكثير من التحولات اليوم بفضل البذور التي زرعها الرواد الأوائل والتي سيحصد نتائجها أبناؤنا والأجيال المقبلة على الحياة مستقبلا.

لذلك يمكن اعتبار المدة الفاصلة بين تأسيس حركة الطفولة الشعبية  وحاضرها اليوم مرحلة مستمرة لتجديد ذاتنا من خلال المبادرات الفكرية والممارسات التربوية والمشاريع الكبرى التي قدمناها للمجتمع كشرط لاستمراريتنا طرفا أساسيا وفاعلا في النسيج الجمعوي والمجتمعي، لاسيما وأن الميدان التربوي والتنشيطي عرف مخاضات عسيرة وتحولات متسارعة نتيجة التطور الهائل في مؤسسات التنشئة الاجتماعية من شبكات إعلامية وتطور للفضاء السمعي البصري، وإصلاح في المنظومة التعليمية، ومدونة الأسرة، ونتيجة كذلك للإصلاحات التشريعية التي همت قوانين الشغل وحقوق الإنسان والسكن وغيرها، ونتيجة أيضا للتحولات السياسية والاجتماعية التي عرفتها بلادنا منذ نهاية التسعينات والمشاريع الكبرى التي وضعت على السكة منذ دستور 2011، وبصفة خاصة ظهور حاجات جديدة ومتزايدة وميولات مستحدثة في مجالات الترفيه والتنشيط والتثقيف والمعرفة لدى الأطفال والشباب.

ومع الوضعية العصيبة التي نعيشها اليوم نتيجة الوباء اللعين وكل الصعوبات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية لأطفالنا وعائلاتهم، والتي فرضت علينا التباعد الاجتماعي واحترام القواعد الصحية والاحترازية وقانون الطوارئ، ورغم إقفال جميع الفضاءات التي تهم استقبال الأطفال والشباب من مؤسسات دور الشباب وفضاءات الترفيه والمسابح العمومية والقاعات الرياضية والمخيمات الصيفية و....؛ لا زلنا على العهد متطوعون عن قناعة واختيار وليس عبر التعاقد، وباستمرار حاضرون قادرون على تنظيم الأنشطة الترفيهية عن بعد أو عن قرب، مستمرون في استقبال أطفالنا وشبابنا ومدعمون لكل ما تقترحه الوزارة الوصية والجامعة الوطنية للتخييم ما دام في مصلحة طفولتنا وبلدنا.

وقد كان هذا الأفق هو الذي حكم ولا زال تفكيرنا ووجداننا وتصوراتنا حول قضايا شتى تلتقي جميعها حول السؤال الهاجس : كيف يمكن للحركة اليوم أن تغير من ذاتها وترتقي بأدائها على كل المستويات التنظيمية والتكوينية والتنشيطية، وتتمكن بالتالي من توسيع دائرة عملها وإشعاعها على امتداد الوطن، وتفرض ذاتها مربيا جماعيا وازنا في الفضاء الجمعوي بالمغرب المعاصر، مع مراعاة عدم القطيعة مع التراث التربوي للحركة وأهدافها التأسيسية ومحاولة فتح آفاق جديدة للعمل انسجاما مع المبادئ الأساسية وتماشيا مع التحديات المعاصرة في مجال تربية الطفولة والشباب.

إن تشبثنا بالأهداف التأسيسية للحركة لا يتناقض مع التفكير المستمر والمتجدد في استراتيجية حديثة تراعي واقع المجتمع المغربي وواقع الطفولة المغربية وحقائق العمل الجمعوي ببلادنا، وتهدف لجعل الحركة أداة عصرية للإنتاج الثقافي والتربوي؛ فالحركة ارتبطت منذ تأسيسها بمعركة تحرير الوطن والإنسان واندرج ميلادها ضمن مشروع مجتمع جديد وواجهت عبر تاريخها وحتى اليوم إشكالات تنظيمية وقانونية في وقت كان همها الأول إثبات الذات وتحقيق حضور على امتداد الوطن وكان هم الآخرين تثبيت الواقع وترسيم المصالح وانتهاز الفرص والبحث عن المواقع، وتميزت الحركة رغم كل هذه العراقيل بمبادرات خلاقة كانت الصورة الحقيقية والمعبرة عن اختيار تربوي واضح ينفرد باستقلالية تنظيمية وفكرية ثابتة ومستمرة.

لكل ذلك عملنا ولا زلنا، على محاولة المعرفة الدقيقة للمحيط الذي نشتغل فيه، وللمتطلبات الجديدة التي يفرضها علينا واقع المجتمع من جهة وواقع حركتنا من جهة ثانية، لاسيما من حيث بنياتها وهيكلتها أفقيا وعموديا، ومن حيث التشبيك والعلاقة مع الآخرين وطنيا ودوليا، ومن حيث إبراز التوجهات العامة التي عملت على إدماج الحركة داخل محيطها وفي إطار سيرورة التغيير الشامل، فقلنا حينها أن إعادة التأسيس النظري لعملنا التربوي يجب أن يمر عبر التفتح على النظريات التربوية الحديثة وأن يستفيد من الأبحاث والدراسات حتى تنتقل بالحركة من هيئة هاوية إلى مؤسسة تربوية حقيقية مع الحفاظ على مفهوم التطوع الذي نعتبره اختيارا أخلاقيا وفكريا ورأسمالا أساسيا لعملنا الجماعي والجمعوي، وهذا يتطلب وباستمرار عصرنة أساليب العمل ووسائله والتحرر من كل تقليدية والانفتاح على المحيط الثقافي والاجتماعي ومؤسساته المختلفة والتي تتقاطع اهتماماتها مع انشغالاتنا، والقيام بمختلف العمليات المرتبطة بهذا المشروع له علاقة بتأهيل العنصر البشري وتنظيم بنيات استقباله وصياغة اللوائح القانونية المؤطرة لكل ذلك.

إننا نفكر كما نحن منظمون أو بمعنى آخر إن مستوى التنظيم الذي نتفاعل داخله هو الذي يحدد قيمة الأفكار التي نبلورها والمشاريع التي نقترحها والممارسات التي نقوم بها، يعني أن نمط التفكير هو الذي يعكس نمط التسيير والتنظيم، فالمفاهيم التنظيمية المجردة سواء منها المرتبطة بالتنظيم الأفقي لحركتنا أو بالهيكلة العمودية لا يجب أن تضل بعيدة عن الثقافة العامة بل مندمجة في الثقافة الجمعوية لأن الأشخاص لم يعد لهم وزن بمعزل عن المفاهيم التنظيمية، وحين نؤكد على الاستقلالية التنظيمية والفكرية فلأنها رصيدنا التاريخي الثابت وضمانتنا للتحول نحو الأفضل والتغير نحو الأحسن والتجدد باستمرار، وهذا المعطى التنظيمي هو أحد مكونات الوعي الجمعي لمناضلي حركتنا.