السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

أبو أيمن الفارح: دور جيوستراتيجي جديد وريادة أمنية (2/2)

أبو أيمن الفارح: دور جيوستراتيجي جديد وريادة أمنية (2/2) أبو أيمن الفارح
ألمانيا تفشل في خلق الأزمة المغربية الثالثة
مايعيشه المغرب من صراع قوي بين أجهزة أمنية واستخباراتية من أجل إيجاد موطئ قدم، بالنسبة للبعض، أو الحفاظ على التواجد وترسيخه بالنسبة للبعض الآخر، في بلد يعزز مكانته ودوره الاستراتيجي الكبير، حتى إن القوى الدولية الكبرى الفاعلة في السياسة الدولية والمقررة في الوضع الأمني الدولي لاتعترف للمغرب بالقوة فقط بل إنها تعترف له بالريادة وبالزعامة وتفرش له البساط الأحمر لدخول نادي الكبار في مجال الأمن ومحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة:
- مكتب للأمم المتحدة في الرباط من أجل التنسيق لمحاربة الإرهاب
-حظور المسؤولين والخبراء الأمنيين المغاربة في معظم اللقاءات الأمنية العالية المستوى وترؤسهم للجان وخلايا دولية
- اعتماد الأجهزة الأمنية الدولية وعلى مختلف المستويات على ما يوفره المغرب من من معلومات ومن استنتاجات لوأد عمليات إرهابية في المهد أو تحييدها وكشفها ومطاردة الذئاب المنفردة وتفكيك خلايا إرهابية ناشطة ونائمة.
- تجفيف منابع ومصادر تمويل ودعم الإرهاب البشرية والمادية
- مراقبة عمليات استقطاب الشباب من قبل الجماعات الدينية المتطرفة ومحاربة فكر التطرف في المغرب وإفريقيا وأوروبا على وجه الخصوص ، من خلال التكوين الديني للأئمة والمرشدين الدينيين .
ميزات أصبحت لصيقة ومرادفا لأجهزة الأمن والاستخبارات المغربية ، جعلت منها قدوة في الجدية والمهنية وعنوانا لجهازالأمن الحديث الذي عرف كيف يحافظ على المسافة اللازمة بينه وبين كل الأطراف والمتدخلين المحليين والدوليين ، بشكل يجعله قادرا على اتخاذ المبادرة والإجراء الأمني السليم ، الصحيح والعادل وتختار الزمن والمكان المناسبين للضرب وبقوة مبهرة . هذه المعطيات والنتائج جعلت بعض الأجهزة، التي تمت زحزحتها من عروش الاستخبار والجاسوسية التي تربعت عليها ردحا من الزمن، تعتبر الأمر تهديدا حقيقيا لمصالحها ولوجود بعضها على مستوى الاستراتيجية الأمنية الدولية، في ظل الوضع الجديد والتغيرات المتسارعة التي يعرفها العالم.
الاهتمام بالمغرب كمنصة استخباراتية، ليس وليد اليوم، حيث إن جعل مدينة طنجة المغربية منطقة دولية إبان الحقبة الاستعمارية في بداية القرن 19 يظهر الأهمية الكبيرة للمنطقة وللمغرب جيواستراتيجيا.
من طنجة تنطلق شرقا نحو بلاد شمال إفريقيا والشرق وجنوبا إلى الصحراء الكبرى وأعماق إفريقيا . حتى الكاتب الكبير كويلو جعل بطل روايته الكيميائي ينطلق من طنجة في سفره الرائع على طريق البحث عن الكنز . الطريق إلى الكنز يمر حتما من المغرب .إنه الجسر الذي يربط العالم بعضه ببعض، بامتداده التاريخي ، جغرافيا، ثقافيا ، إثنيا ، دينيا وسياسيا . جذور المغرب وأصوله في إفريقيا وتمتد إلى الشرق، وفروعه وأغصانه في أوروبا.
البحر الأبيض المتوسط يعتبره المغرب بحيرة صغيرة، يعبرها المغامرون المغاربة سباحة ولا يجدون أنفسهم غرباء بين سكان لا يختلفون عنهم، في سحنات الوجوه كما في حميتهم المتوسطية الساخنة . خاصية المغاربة أنهم يتأقلمون بسرعة وبسلاسة مع كل التجمعات البشرية وفي كل البيئات .المغرب ممر إجباري ويجب أن يكون آمنا.
ما يعرف اليوم بقضية نظام بيغاسوس التجسسي الذي حاولت بعض الجهات، تجنيا، اتهام المغرب بالتجسس بواسطته، فضح وكشف عورة أوروبا بالخصوص، على مستويين :
1- الهشاشة الأمنية لأوروبا
2- نوايا دول أوروبية وأهدافها
يتجسد المستوى الأول في محدودية قدرات أوروبا في ضمان أمنها أولا ، قبل التفكير في ضمان الأمن الإقليمي والدولي . لقد بات واضحا بأنه قد تم تجاوزها من قبل الآخر . المغرب لا يشكل سوى طرفا ، وهي تفتقر إلى العمق الاستراتيجي من أجل الوصول إلى المعلومة وإلى الهدف ، وغير قادرة على معالجتها واستثمارها ، من خلال فهم موضوعي لأهدافها وأبعادها وآثارها على المدى القريب والبعيد. هذا العمل لا يمكن أن يتم إلا بعقول تعرف واقع وجذور الإرهاب وهي لن تكون أوروبية أو حتى أمريكية أو غيرها.
العقل المغربي ونظامه الأمني هو المؤهل أكثر من غيره للقيام بهذه المهمة الصعبة، بالنظر لما سردناه سابقا بخصوص موقع وتاريخ المغرب وخصوصيته ومكونه البشري.
يتجسد المستوى الثاني المتعلق بنوايا أوروبا وأهدافها بدرجة رئيسية في رفضها الاعتراف بتراجعها على سلم التطور والنماء واصرارها على الصراع، حتى الرمق الأخير، من أجل الاستمرار في التسيد ونهب خيرات مستعمراتها السابقة ورفض، على الاقل، تقاسم هذه الخيرات مع أصحاب الأرض ومع الآخر، القوى الصاعدة .
الغاية تبرر الوسيلة . أوروبا تعود إلى الوراء، اقتصاديا وفكريا وأخلاقيا. إنها لا تتورع في اتهام المغرب بالتجسس، بهدف الضغط عليه ومساومة رموزه الأمنية ، حيث يحظر الترهيب والترغيب .
سنة 2011 فرنسا توشح السيد عبداللطيف الحموشي بوسام الشرف من درجة ضابط. هذا الوسام لم يؤت أكله فكانت المرحلة الثانية من المخطط باستدعاء السيد عبد اللطيف الحموشي مدير الديستي سنة 2014 من أجل المثول أمام القضاء الفرنسي بتهمة المشاركة في ممارسة التعذيب على شخص مزدوج الجنسية تم اختياره لهذا الغرض. فرنسا تتصرف وكأن الأمر يتعلق بموظف في إقليم فرنسي أو في سورينام وليس في المغرب.
كان الرد المغربي في مستوى الحدث ، بحيث تم تعليق التعاون القضائي المغربي مع فرنسا إلى حين تراجعها واعترافها بالخطأ وهو ما ترجمه منح السيد عبداللطيف الحموشي وسام جوقة الشرف الوطني لتبدأمرحلة جديدة من التعاون الأمني ، عادت على فرنسا بفوائد كثيرة جنبتها حمامات دم لعمليات إرهابية كان مخطط لها من قبل خلايا تم كشفها في الوقت المناسب كذلك تحييد إرهابيين ومد الأجهزة الأمنية الفرنسية بمعلومات حاسمة أدت إلى اعتقال آحرين مبحوث عنهم .
هل كان جهاز الأمن الفرنسي ليرضى ويقبل بالوضع الجديد على الساحة الأمنية والمخابراتية الإقليمية والدولية وبالتفوق المغربي ؟
في تبادل وتكامل للأدوار وبنفس الأسلوب سارت إسبانيا استكمالا للدور الفرنسي في العلاقة الأمنية مع المغرب من خلال محاولة التقرب من المسؤول الأمني الكبير عبد اللطيف الحموشي الذي يعتبر هدفا كبيرا يجب التقرب منه . تم منحه وساما رفيعا سنة 2014 وفي سنة 2019 تم توشيحه بوسام أكبر .لكن يبدو أن ما تبحث عنه إسبانيا والآخرون لا يمكن الحصول عليه من الرجل القوي أو الجاسوس الكبير كما باتوا ينعتونه ، وبدأ رفع إيقاع الضغط بتوظيف جبهة البوليساريو الانفصالية وجمعيات إسبانية تشتغل تحت غطاء حقوق الإنسان. وكان آخر ما تفتقت عنه عبقرية أجهزة الأمن الإسبانية وديبلوماسيتها هو استقبال زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية تحت إسم مستعار وهي العملية التي كان يراد بها قياس درجات رد الفعل المغربي والحدود القصوى التي قد يصلها ولم يكن الإسبان يعتقدون بأن رد الفعل المغربي سيكون بتلك الدرجة من القوة التي نسفت الخطة الثلاثية الإسبانية الفرنسية الألمانية. لقد عبرت عملية استقبال ابن بطوش الانفصالي عن درجة اليأس والبؤس في العمل الديبلوماسي والأمني والاستخباراتي وعصفت بالتعاون في المجال الأمني بين إسبانيا والمغرب وبالثقة التي تمت رعايتها لسنوات وعلى مراحل .
المانيا صانعة الأزمات
لم تتغير سياسة ألمانيا اتجاه المغرب منذ أن بدأت العلاقة السياسية بين البلدين منذ ما يزيد عن أربعة قرون ، وضعته دائما نصب عينيها ، وفي فترة ضعفه في بداية القرن 19عندما أصبح محط أطماع الدول الاستعمارية ، وظفت كل إمكانياتها من أجل الظفر به .ولتأكيد الاهتمام الألماني زار الامبراطور كيوم الثاني طنجة المغربية سنة 1905 في محاولة للحصول على اتفاق منفرد مع سلطان المغرب وهي المحاولة التي باءت بالفشل بفعل ضغوطات وتدخلات الدول الأوروبية وخصوصا فرنسا وإسبانيا وبريطانيا . لقد شكلت زيارة الامبراطور ما يسمى في التاريخ ب "الأزمة المغربية الأولى" . في سنة 1911 كانت " الأزمة المغربية الثانية" كذلك عندنا أرسلت ألمانيا بارجة حربية إلى الجنوب المغربي إلى مدينة أكادير وهددت بقصف المنطقة وبإنزال عسكري إذا لم تتراجع فرنسا وإسبانيا. ألمانيا تستعمل المغرب ورقة ضغط للحصول على مناطق نفوذ في إفريقيا . إنه التاريخ لا يعيد نفسه لكنها ألمانيا على نفس النهج تكاد تخلق " الأزمة المغربية الثالثة" لولا الظروف التي لم تعد تلك التي كانت عليه منذ أزيد من قرن من الزمن . مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس وإسبانيا وفرنسا اللتان تم توظيفهما بالأمس لم يعد لهما ما يعطيان اليوم ، لقد باتت أللماانيا القوة الاقتصادية الكبرى في أوروبا الغربية ولم يعد تراجع فرنسا وتأخرها محل اختلاف بين الخبراء والمهتمين وحتى في أوسساط الشعب الفرنسي نفسه ، الذي أصبح يعي أكثر من أي وقت مضى بأن قوة فرنسا رهينة بالخارج ، بمستعمراتها السابقة في إفريقيا التي قيدت مستقبل نمو بعضها بمعاهدات واتفاقيات وضعت في فترة الاستعمار لحماية مصالحها وهو الوضع الذي أصبح مرفوضا اليوم سواء من قبل الأفارقة أو من قبل دول أوروبية نفسها.فرنسا تفقد دورها المؤثر واللفاعل في السياسة الولية وفي القضايا الكبرى ولم تعد الولة التي تميزت بمواقفها خلال حكم الجنرال ديجول وخلفاءه المباشرين وكذلك في عهد حكم الاشتراكي الرئيس فرانسوا ميتران . فرنسا لم تعد تقرر من يتولى السلطة في مستععمراتها القديمة ومحمياتها . لم تعد قادرة على الإغذاق بسخاء في ميادين اللحماية الاجتماعية للفرنسيين، الأزمات الاجتماعية المتتتالية تبين هذا. هذا الفراغ الآخذ في التشكل تعمل ألمانيا على ملءه ولن يتم للها ذلك بغير احتواء القوى الإقليمية الصاعدة ، التي يشكل المغرب رأس حربتها في اعتقاد ألمانيا ومنافسها القوي الذي يجب حجب الدعم عنه والضغط عليه على كل المستويات لمنعه من التفوق والهيمنة على شمال القارة الإفريقية وكذلك على دول الساحل جنوب الصحراء ودول غرب إفريقيا التي أصبحت له فيها الامتدادات الاقتصادية المتعددة التي بإمكانها أن تشكل سدا منيعا في وجه طموحات ألمانيا الحالمة بعودة مجدها السياسي والعسكري ، بعد أن أرست قواعد اقتصادها المتين وأزاحت باقي دول أوروبا من المنافسة وتمكنت من دفع بريطانيا إلى البريكسيت لتفعل في أوروبا ما تشاء ومنها إلى إفريقيا الزاخرة بالمعادن وبالثروات الطبيعية الهائلة التي أصبح الاقتصاد الألماني في أمس الحاجة إليها ، كما هو الشأن بخصوص ما يتعلق باالمعادن الخاصة بصناعة البطاريات للسيارات الكهربائية والتي يعتقد الخبراء بأن المغرب سيتربع على عرشها في المستقبل. لهذا الغرض تسلك ألمانيا سبيل التحالفات ومحاولة زرع الفتنة بين دول المغرب العربي ، بدءا من محاولة فرض حلولها السياسية في الأزمة الليبية والتعبير عن ددعمها ومساندتها للجزائر في التشويش على المسار التنموي الواضح للمغرب وعلى قضية وحدته الترابية.كلها ضغوطات لن تجدي نفعا أمام التحالفات القوية التي نسجها المغرب مع عديد الدول الإفريقية ومع أمريكا بدرجة أولى والصين وابريطانيا ودول الخليج العربي وعلاقات متميزة كذلك مع روسيا.