الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الإله حسنين: هل من الممكن الحديث عن الوقت الحر

عبد الإله حسنين: هل من الممكن الحديث عن الوقت الحر د/عبد الإله حسنين
يجب الاعتراف اليوم أننا في مرحلة أقل ما يمكن أن يقال عنها هو تغير شكل المجتمع الذي نعيش فيه في ضل الجائحة، وهذه دينامية لا بد منها لان رفضها ورفض ما يحصل بوعي أو بدون وعي هو في نفس الوقت الاستمرارية في النظر إلى العالم اليوم بأعين الأمس وهو في نفس الوقت الاستمرار في معالجة قضايا المجتمع اليوم بمناهج تقليدية أو اقتراح تطبيق بدائل وحلول غير ملائمة تماما لحاجيات ومتطلبات اليوم.
والموضوع الذي نحن بصدد إثارته أي الوقت الحر يجب أن يكون في قلب هذه الدينامية لاسيما في شقها الاجتماعي، فتربية الأطفال اليوم على قيم الحداثة والاختلاف والحرية والمبادرة هو في نفس الوقت تربيتهم على الوقت الحر غدا الشئ الذي يعطي بعدا تربويا ومضمونا بيداغوجيا حقيقيا لهذا الوقت.
فحسب بعض الدراسات يمكننا تحديد خصوصيات مجتمع ما انطلاقا من خمس مؤشرات هي كالتالي:
1/ طول الوقت المهيمن داخل المجتمع، وهنا لا يختلف اثنان في أن الوقت الحر هو المهيمن بالنسبة لمختلف الفئات العمرية التي يتركب منها الهرم المجتمعي.
2/ القيم السائدة، فنلاحظ سيادة القيم الفردانية التي تدافع عن الذات وتنمية الشخصية الفردية عوض القيم الاجتماعية التي كان العمل بها أحد رموزها. ومن هنا وعي المستثمرين بأهمية الوقت الحر وبرغبتهم في الاستثمار في مركبات الترفيه والتنشيط والاستجمام والرياضة وفي قطاعات العطلة والسياحة. إلا أننا لا زلنا في حاجة ماسة إلى مؤسسة للترفيه والتنشيط الجماعي للأطفال واليافعين تنظم وتهتم بهم وبأوقاتهم.
3/ الفاعلون الاجتماعيون، فأكثر من نصف المجتمع اليوم غير نشيط ولا فاعل بالمعنى الاقتصادي والإنتاجي للكلمة، الشئ الذي يفرض علينا أكثر من أي وقت مضى إبداع وخلق آليات للعمل الاجتماعي وتكوين أطر في هذا المجال يمكنها تحريك المجتمع وإشراكه في الآلة الإنتاجية.
4/ نمط الإنتاج: إن قيم الخلق والبحث التنموي تأخذ اليوم مكانا أكبر على حساب العمل التنفيذي في خلق الثروات، ونلاحظ هنا أن الجزء الأكبر من الثروات الاجتماعية يتم إنتاجها خارج إطار العمل المأجور.
5/ نمط التمثل الاجتماعي: إن مجتمعنا في تأخر ملحوظ تشهد عليه مؤشرات الأزمة التي نعيشها اليوم. إن هناك فرقا كبيرا بين المجتمع الذي نعيشه والذي يعتبر موضوعيا مجتمعا للوقت الحر، والفكرة التي لنا عن المجتمع الذي نريده مستقبلا. إننا متأخرون فيما يتعلق بالمشروع المجتمعي الذي يعتبر الأداة الرئيسية للمجتمعات الديمغرافية.
ونلاحظ من خلال هذه المؤشرات أن العمل الذي يجب بدله هو إشراك المواطنين ومساعدتهم على الاندماج داخل هذه الدينامية الاجتماعية التي نريد تفعيلها اليوم. يجب أن نعمل بمنطق وبمنهجية تتنبآن لما سيقع غدا. ويجب خلق فضاءات جديدة للحوار واللقاء بين المواطنين كيفما كانت فئاتهم العمرية، فعلى من لهم مسؤوليات اجتماعية اقتراح الأفكار والمشاريع ومن لهم مسؤوليات سياسية العمل على إنجازها وتنزيلها على أرض الواقع لما فيه خير المجتمع.
إننا نعتقد أن التربية هي تلك العملية التي تهدف إلى انخراط الأفراد في مشروع مجتمعي مستقبلي وليس داخل مشروع مجتمعي ماضوي، لذلك لا يمكن اعتبار المدرسة العنصر الوحيد القادر على ذلك لأننا لم نعد نعيش داخل نمط وظيفي، فوقت الأطفال ليس فقط وقت تعلم، والمدرسة لم تعد هي المؤسسة الوصية بامتياز على توزيع المعارف والتعلمات. لذلك لا بد من بلورة مقاربة جديدة للتربية بشكل شمولي ومستمر، لا بد أيضا من تطوير ميكانيزمات التكوين على طول الحياة، وفي هذا التطور لا يمكن إلغاء المدرسة بل من واجبنا إعادة توصيف وظائفها، ونعتقد أن المدرسة يجب أن تكون بامتياز المكان الأكثر صلاحية لتوزيع الأدوات المعرفية الضرورية للأطفال بهدف الانطلاق واكتشاف محيطهم إن لم نقل اكتشاف العالم من حولهم.