السبت 27 يوليو 2024
كتاب الرأي

نوفل البعمري: فاجعة الصويرة.. حرية كرامة عدالة اجتماعية

نوفل البعمري: فاجعة الصويرة.. حرية كرامة عدالة اجتماعية

في أسبوع واحد انتقلنا من الإحتفاء بإطلاق قمر اصطناعي... إلى فاجعة التدافع من أجل القفة.

في أيام قليلة انتقلنا من الحديث على مشروع tgv إلى الحديث عن المساعدات الإنسانية.

هو مغرب يسير بسرعتين؛ الفرق بينهما كالفرق بين السماء و الأرض، بين مغرب يعرف إطلاق المشاريع الكبرى و إصلاح البنية التحتية، و مغرب نساؤه و أمهاته و أرامله يتدافعن للحصول على حصتهن من معونة قد لا تفكفيهم ليوم أو يومين و يعدن مع أسرهن و أطفالهن للبحث عن معونة أخرى، و إذا ما قمنا بعملية حسابية فالأكيد أن ما حصلن عليه من معونة لا يزيد ثمن قيمة ما يوجد بداخلها 100 او 150 درهم، لقد ضحوا بأرواحهن و تدافعن "بقوة" من أجل هذه القفة، عندما تصل أرواح مواطنين لا يتعدى ثمنها هذا المغرب؛ فالأكيد أن كل خيارات الدولة في جانبها تحتاج ليس لمراجعة و لا لإعادة تقييم بل لزلزال اجتماعي و اقتصادي كبير، لزلزال يعيد الاعتبار للأرواح التي سقطت؛ لزلزال يحاسب من قام بصرف ملايين الدراهم إن لم تكن الملايير من الأموال التي صرفت على مبادرة التنمية البشرية، أن تحاسب الحكومات المتعاقبة على سياساتها الإجتماعية و اختياراتها الليبرالية المتوحشة، التي دفعت الفقير ليزداد فقرا، و الغني ليزداد غنى، و من كان ينتمي للطبقة المتوسطة يقاوم الإنحدار و الاندحار الطبقي و الإجتماعي عله يقيه بعضا من قوة صدمة الإنهيار.

منذ 2011 و نحن نعيش اختيارات للحكومة في الجانب الإجتماعي تدفع بالدولة لأن تقدم استقالتها من كل وظائفها الإجتماعية، فلا هي استطاعت أن تكون دولة الرفاه و لا هي حافظت على بعض تدخلها الإجتماعي، بل انتقلت بسرعة الضوء لحكومة تتفرج على شعبها و هو يطحن بالحسيمة، على شعبها و هو يغرق في المحيطات، شبابه يعنف دفاعا عن الحق في الشغل، و نساؤه يتسولن قفة حتى لو كان مقابلها أرواحهن.

إنها خلاصة اختيارات الحكومة للأسف، اختيارات دفعت لتحرير الاقتصاد بشكل كلي دون أن تصاحبه أية إجراءات اجتماعية بروبغندا إعلامية و شعارات دون أن مضمون استراتيجي، و رغبة قوية في تحوير النقاش السياسي و الاجتماعي، و الخلاصة ما عشناه و ما يمكن أن نعيشه مستقبلا لأنه للأسف لا يبدو أن الحكومة ستراجع اختياراتها بل على العكس هي ماضية في نفس الخط الاقتصادي، ضرب الطبقة المتوسطة، و طحن الفقراء و دفعهم للمزيد من الهامش، مع ما يصاحب ذلك من امتيازات كبرى للشركات و الرأسمال.

لست هنا في مجال التحريض على أغنياء البلد، و لا تحركني حقد طبقي، بل هكذا أحداث تجعل الخطر قريب جدا، لان من يضحي بحياته من أجل قفة بئيسة، قد يضحي بها  من  أجل أي شيء آخر، إننا أمام حالة من اليأس و الإهمال و الاحساس بالعجز الكامل و عدم الثقة في التغيير الإجتماعي، و إلا لما تدافعن بهذا الشكل الذي ادى بسقوط هذا العدد الهائل من الشهداء الضحايا.

الملك سبق له أن دق ناقوس الخطر، و طالب رسميا بمراجعة الاختيارات الإجتماعية للدولة/الحكومة و أعلن رسميا عن فشل النموذج الإجتماعي ببلادنا، لكن بالمقابل ما الذي قامت به الحكومة للتفاعل مع هذا الخطاب؟ ما الذي قامت به لإعطاء إشارات اطمئنان للشعب خاصة فقراءه و فئاته المتوسطة؟ لا شيء قانون المالية أكبر إجابة على ذلك و حديث متواتر على رفع الدعم هنا تبقى من المواد الأساسية؛ فبدل الاتجاه نحو الشركات و ضمان عدم استفادتها من دعم الدولة مثلا في السكر لأنها تنتج مشروبات غزية مثلا غير ذات أهمية للشعب، تختار بأن تعاقب الجميع حفاظا على الشركات الكبرى خاصة منها المتعددة الجنسية.

المغرب الذي نحن في حاجة إليه اليوم، و الذي نريده، هو مغرب متضامن بين جهاته الغنية و الفقيرة، مغرب يسير بسرعة متقاربة لا سرعتين متباعدتين، مغرب يضمن العيش الكريم و العدالة الاجتماعية و مغرب الصناعة و التقدم التكنلوجي لكل جهاته، مغرب يستفيد فقراءه من خيراته، مغرب تتقوى فيه الطبقة المتوسطة و تتوسع لتنتشل الفقراء من فقرهم؛ فاذا اختلت السرعة و ميزان العدالة الاجتماعية، سيختل معها المجتمع و "تنهار" معه "الدولة" لأنها لن تكون دولة الجميع، بل دولة فئة على حساب أخرى. و لحسم الصراع في ظل غياب الدولة و تخليها عن أدوارها قد تتطاحنا الفئتين و هو أخطر ما قد نعيشه لا قدر الله.

اليوم أغلبية المغاربة غاضبون؛ غاضبون مما جرى؛ و غاضبون من تخلي الحكومة عن دورها، و لن نجد بدا من القول كما قال شباب 20 فبراير سنة 2011، و كما قال الملك في خطابه:  حرية كرامة عدالة_إجتماعية.