الخميس 18 إبريل 2024
مجتمع

امحمد الفتال: فاجعة الشياظمة تطرح ضرورة مأسسة عمليات الإحسان

امحمد الفتال: فاجعة الشياظمة تطرح ضرورة مأسسة عمليات الإحسان

على هامش المأساة التي هزت المغرب بسبب وفاة 15 امراة بالشياظمة بإقليم الصويرة نتيجة التدافع للحصول على فتات من المساعدات توزعها جمعية أصولية تحت إشراف المقرئ عبد الكبير الحديدي، اتصلت "أنفاس بريس" بالفاعل المدني امحمد الفتال، مدون بإقليم الصويرة لينر القراء بشأن خلفيات الفاجعة:

ماهو سياق فاجعة مركز سيدي بولعلام بإقليم الصويرة والذي راح ضحيتها 15 جلهم نساء؟

لقد اعتادت ساكنة جماعة سيدي بولعلام بإقليم الصويرة، الاستفادة من عمل إحساني ينظمه أحد أبناء الجماعة بشكل سنوي، وبدأت تتسع رقعة الاستفادة سنة بعد أخرى، ونظرا لانتشار الدعم الإحساني أصبحت إعانات هذا الشخص ذائعة الصيت مما شكل مكان التوزيع قبلة للعديد من الراغبين في الاستفادة، إذ أضحوا يقصدون معونته من كل صوب وحدب وحتى من خارج الجماعة مما شكل عدد المتوافدين سيولا جارفة من البشر، وهو ما حول صباح هذا اليوم الأحد 19 نونبر 2017، إلى كارثة إنسانية راح ضحيتها أرواح بشرية أغلبها في صفوف النساء والأطفال، أزهقت نتيجة التدافع والازدحام كان أصحابها قيد حياتهم يطمعون في الحصول على إعانة فيها الكثير من القيل والقال.

هي جمعية أغيسي لحفظ القرآن الكريم والخدمات الاجتماعية، التي يترأسها المقرئ الحديدي، التي قامت بتوزيع المساعدات، هل باستطاعة هذه الجمعية تلبية طلب المئات من المحتاجين؟

حسب بعض الشهود، فإن هذا الشخص المتبرع، كان قبل الإقدام على التوزيع، يقوم بالتقاط صور للحشود الغفيرة والمتجمهرة وكأن ما يهمه هو الكم فقط؛ مع ما يطرحه ذلك من تساؤل عن مدى اهتمامه وخلفية ذلك وما وراء السطور بالنسبة إليه سيما وأن ضمانات النجاح غير متوفرة...

أكيد فامام الكم الهائل من البشر وبما أن الحاضر يبلغ الغائب في مثل هذه الحالات، لا يمكن إلا تصور توالي الإقبال سنة بعد الأخرى والنتيجة اننا أمام جحافل من الجماهير المحتاجة وغير المحتاجة.. مهما قيل فإننا أمام مبادرة إحسانية من أحد أبناء دواوير جماعة سيدي بولعلام والذي اعتاد مساعدة ساكنة الجماعة ومعها آخرون وافدون عليها لحاجة في دعم المتبرع الذي اختار هذه الطريقة، وإذا كانت المبادرة تفتقر للعناية اللازمة من تنظيم محكم وكذا تخطيط مسبق للتحكم في عدد المستفيدين وفق قائمة بأسماء الفئة المحتاجة فعلا وتنسيق مع السلطات المحلية والانضواء تحت مؤسسة معينة، وهو ما جعل الطامة كبيرة بالنظر لعدد الضحايا والمصابين.

يعني أن الأمر كان يفتقد للتنظيم؟

فعلا، وهو ما يطرح السؤال، ما الذي منع ويمنع هذا الشخص، الذي يريد من عمله الخيري دعم المحتاجين أن يقيم عمله نهاية كل عملية خصوصا وأن الازدحام أبان عن بوادره في مراحل سابقة، والتفكير في صيغ أخرى للدعم أكثر وقعا على ساكنة جماعته وأكثر أمنا وأمانا دون ممارسة والاستمرار في سياسة الإحسان المبنية على سد الرمق فقط؟ لماذا لا يعمل على تشجيع الممارسة المؤسساتية؟ كأن يبحث على جمعيات تعنى بالغرض نفسه؟ لماذا لا يفكر في تأسيس مؤسسة باسمه على غرار مؤسسة محمد الخامس للتضامن النشيطة على مستوى الوطن ككل ومؤسسة الشعبي النشيطة على مستوى إقليم الصويرة، قد تكون مؤسسة متوسطة أو صغيرة على مستوى الجماعة،لا يهم ذلك، إنما ما يهمنا هو المأسسة والوضوح والعمل تحت إطار مضبوط واضح المعالم والرؤية وبعيدا عن الارتجالية والعشوائبة؟ نقول لهذا الشخص لك في المؤسستين المذكورتين أعلاه ما يجعلك أكثر رسمية وواقعية،بل عليك بالاستلهام من نموذجيهما المحكمين إذا أنت فعلا تنوي وترغب في العمل الخيري والإحساني وتريد أن تنفع بلدك وبلدتك. لكن أن تتحول النعمة إلى نقمة فلا وغير مقبول منك بتاتا ما أنت تفعله من الآن، لأن أي تجمهر يحتاج إلى ترخيص مسبق ولا أظن أنك تتوفر على ذلك بشكل رسمي، لأن الحصول على ذلك، يخول لك توفير ظروف الأمن والأمان الضروريين. وفي غياب هذه الأبجديات ومع دعمكم الذائع الصيت على مستوى الجماعة وجاراتها فمن غير المنطقي أن تتحكموا في جعل القضية تحت السيطرة بعدد قليل من المنظمين.

 في ظل فاجعة الشياظمة، يطرح السؤال من جديد حول عمليات الإحسان غير المرخص لها، هل تندرج مبادرة اليوم في هذا السياق؟

لا أعرف إن كان هناك ترخيص للعملية أم لا، لكن ما أنا متأكد منه، أننا أمام وضع يعج بالمستفيدين والمستفيدات وفي غياب قائمة بأسمائهم وفتح الباب أمام مصراعيه للعموم فقراء من جميع الفئات وأحيانا ميسورون أيضا يقتحمون هذا العالم وهذه معضلة أخرى، فالتخطيط والدراسة وحدهما الكفيلة بتحديد المستهدفين بدقة، وأمام هذا المشهد دون قيود ودون أسماء كذلك، كل شخص يحاول جاهدا البحث عن الظفر بكيس من الدقيق وبعض المواد البسيطة لا تخرجه من الفقر حقيقة سرعان ما تستهلك بسرعة، أي لا تغير من واقع حاله شيئا، هذا إن تسلل إلى المقدمة التي تخول له ذلك، ومع وجود أعداد غفيرة ورغبة الكل في الوجود في مقدمة الصف يجعل الكل في كومة من البشر تضايق بعضها في وضعية ازدحام لا تطاق، يفقد معها المرضى صحتهم والأصحاء صوابهم والنساء يضعن مواليدهن قبل الأوان والحصيلة ضحايا لقمة عيش ذاهبة إلى زوال ونعمة بعدها نقمة.

هل يمكن الحديث عن خلفية هذه المبادرة؟

إن كان الدافع هو الاهتمام بالبلدة وساكنتها وحال الجميع فلماذا لا يتم التفكير في مشاريع مدرة للدخل وخالقة لفرص الشغل على صعيد الجماعة وغيرها، عوض تدريب الناس على الاتكالية ومد يد المساعدة، لا أظن أن جميع هذه الحشود محتاجة، فالأمر مبالغ فيه أكثر من اللازم، ولكن عندما ينتشر المال السايب يفتح الشهية لدى الجميع بل قد تجد العائلة نفسها بأفراد متعددين تمد أيديها لأجل تكثير الحظوظ ووفرة العائدات ما دامت دون حسيب ولا رقيب.

الشياظمة في حاجة إلى بنيات تحتية متنوعة ولوازم وأدوية للمستوصفات وطرق ومسالك وإنارة عمومية ومنشآت فنية وفضاءات رياضية للشباب ومرافق عمومية وآبار وكهرباء أمام شح مهول في المياه...كان من الأفيد جدا البحث عن مؤسسات لها صلاحية تدبير الشأن العام وجمعيات مدنية وتنسيق مع السلطات المحلية لأجل الدخول في شراكات واسعة عبر مخططات طويلة الأمد ومتوسطة وقصيرة وتصريف هذه الإعانات نقدا قصد تحقيق حلم من أحلام الساكنة في إحدى هذه المجالات. أو تأسيس مشروع ضخم بالجماعة يلبي حاجيات المنطقة وفق سياسة مندمجة وبشراكة مع الدولة ولا أظن أن الجهات المعنية إن هي اكتشفت الجدوى وأهمية ذلك ستقصر في مد يد العون والدعم اللازمين، هكذا سنوفر فرصا للشغل وسنجعل الناس يشترون مثل هذه المواد البسيطة بأنفسهم عوض انتظار ما يريدونه في وضعية دون معرفة العواقب وما قد تسفر عنه مثل هذه المبادرات خصوصا إن كانت غير مؤطرة قانونا.

وإذا كان من يريد فعل العمل الإحساني غير راغب في الانضواء تحت العمل المؤسساتي وكذلك غير قادر على إحداث مشاريع مهمة، فمن الأفضل بالنسبة إليه أن يضخ ما لديه من أموال في حسابات مؤسسات موكل لها رعاية ذلك، وعلى الدولة عدم التساهل مع من يساهم في تجمهر الناس دون ضمانات قانونية ومؤسساتية. ومن يصطاد في الماء العكر ويعمل دون إطار قانوني كذلك بإمكانه أن يفتح أبوابا لا يمكنه غلقها أبدا وقد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه وهذا ما وقع اليوم ونحن نسمع ونرى مشاهد غير مقبولة إطلاقا بل تساهم في نشر أشياء وكأننا أمام مجاعة حقيقية، في حين أن سوء التنظيم واللاقانون وغياب التأطير.... تؤدي إلى الفوضى الذي بدوره يولد الازدحام والتدافع والنتيجة مأساة حقيقة ذهاب أرواح بشرية عزيزة.

أعتقد من يعمل هكذا من الأعمال غالبا ما يجعل نفسه في وضع لا يحسد عليه ويؤدي بحياة الآخرين إلى الهلاك وقد يكون سببا غير مباشر في إلحاق ضرر بآخرين لا لشئ سوى لأنهم تساهلوا مع ظاهرته التي صعد دخانها منذ مدة ولم يتم إخماد نارها.