الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد الحطاب: الآن، الكرة في ميدان (ملعب) حكام الجزائر

أحمد الحطاب: الآن، الكرة في ميدان (ملعب) حكام الجزائر الفاعل المدني أحمد الحطاب
تُستعملُ هذه العبارة (الكرة في ملعب فلان أو جهة معيَّنة) عندما يكون طرفان في مواجهة و يقوم الطرف الأول بخطوةٍ أو مبادرةٍ يُرسِلها إلى الطرف الثاني. هذا هو المقصود ب "الكرة في ملعب…". و هذا يعني أن الطرف الأول تحمَّل مسئوليتَه و قام بالمبادرة الأولى أو الخطوة الأولى. فما على الطرف الثاني، الذي علِمَ بالمبادرة أو الخطوة الأولى، إن يقومَ هو الآخر بمبادرة التي قد تكون توضيحا أو تفسيرا أو تصرُّفا أو عملا…
 
و هذا هو ما قام به الملك محمد السادس، بمناسبة حلول الذكرى 22 لتربُّعه على عرش أسلافه الميامين، حيث خصَّص جزأً مهما من خطاب العرش للعلاقات المغربية الجزائرية.
 
بحكمة و تبصُّر و بُعد نظر، مدَّ جلالة الملك، من جديد، يدَ المغرب لحكام الجزائر و على رأسهم رئيس الجمهورية الجزائرية للرجوع إلى الصواب، أولا، بفَتحِ الحدود بين البلدين، و ثانيا، بالجلوس، بدون شروط مسبقة، حول طاولة مفاوضات لطرح المشاكل التي تفرِّق بين البلدين و شعبَيهما.
إنها خطوة مباركة و جرِّيئة لا يقدر على القيام بها إلا السياسيون الشجعان و رجالُ الدولة الحكماء و المحنَّكون، العارفون بمصلحة بلدانهم و شعوبهم. إنه فعلا من العار و اللامعقول أن تفصلَ حدود مغلقة، منذ سنين، بين شعبين جارين كل شيء مشترك بينهما : الدين، التقاليد، العادات، الثقافة، اللغة، المناخ، الجغرافية… و إنه كذلك من العار و اللامعقول أن تفصلَ الحدودُ بين بلدين متكاملين اقتصاديا، بإمكانهما لوحدهما تشكيل قوة إقليمية يُقام لها و يُقعد.
 
و إنه أيضا من العار و اللامعقول أن يتعثَّرَ بناء الاتحاد المغاربي بسبب توتُّر العلاقات بين بلدين شقيقين و توأمين، كما جاء في خطاب جلالة الملك محمد السادس. هذا الاتحاد الذي، إن تبلورَ على أرض الواقع، كان شيشكِّل قوة اقتصادية بشمال أفريقيا تكون قاطرةً لاقتصادات الدول الإفريقية الأخرى. و سيشكِّل كذلك الاتحاد المغاربي قوةً سياسيةً لها القدرة على التفاوض، نداًّ لندٍّ، مع التَّجمُّعات المماثلة كالاتحاد الأوروبي.
و ما يثير الغرابة أن الدُّولَ الأفريقية نجحت في إنشاء هذه التَّكتُّلات الاقتصادية التي تلعب دورا هاما في تنمية و تطوُّر القارة الأفريقية، منها على سبيل المثال: السوق المشتركة لأفريقيا الشرقية و الجنوبية (COMESA)، المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (CEDEAO)...
إن غلقَ الحدود الناتج عن تشنُّج العلاقات بين البلدين أضاع عليهما فُرصا عديدةً كان بإمكانها الدفع بهما، من خلال التكامل، إلى مراتب عليا في التنمية بجميع تجلياتها و في العديد من الاكتفاءات الذاتية. وخصوصا أن البلدين يتوفران على شريحة عريضة من الشباب بإمكانها أن تُبدعَ في شتى المجالات العلمية و التِّكنولوجية و الصناعية.
 
إن نداءَ جلالة الملك محمد السادس الموجَّه لحكام الجزائر، نداء حكيم و متبصِّر و يعبِّر عن نظرة استشرافية كلها خير للبلدين بل لجميع دول المنطقة. فعلى حكام الجزائر، إن كانوا يحبون الخير لبلدهم و للمنطقة و يريدون فعلا أن يعُمَّ هذا الخيرُ على الشعبين الشقيقين، أن يكون ردُّ فعلهم على هذا النداء إيجابيا و عقلانيا و آخذا بعين الاعتبار  مصلحةَ و تطلُّعات الشعبين المغربي و الجزائري.
أتمنى أن تتغلَّبَ الحكمة و العقل و التَّبصُّر على التَّعنُّت و التَّعصُّب.