الجمعة 26 إبريل 2024
سياسة

الطيار: حملة التشهير ضد المغرب هي حصيلة تنسيق استخباراتي بين الجزائر وفرنسا

الطيار: حملة التشهير ضد المغرب هي حصيلة تنسيق استخباراتي بين الجزائر  وفرنسا محمد الطيار، باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية
كيف ترى حيثيات وأبعاد الحملة الإعلامية والحقوقية التي يتعرض لها المغرب على خلفية ملف «التجسس»؟
من خلال تفكيك مضمون الحملة الإعلامية الفرنسية وكذا الجزائرية، ومحتوى ما جاءت به مثلا منظمة العفو الدولية، يمكن أن  نقف على أهداف هذه الحملة بشكل واضح فهي لا تستهدف في الأساس اتهام المغرب بالتجسس على فرنسا والجزائر والعراق، فالتجسس بين الدول في حالة الحرب أو السلم عرف معمول به منذ القدم، بل إن التجسس معمول به حتى بين الحلفاء أنفسهم كما هو حاصل  مثلا بين إسرائيل والولايات المتحدة طيلة العقود السابقة أو بين الدول الأوربية نفسها.
كما أن اتهام المغرب باستعمال البرنامج الإسرائيلي «بيكاسوس» سبق وأن أعلنت عنه الجزائر بشكل رسمي، من خلال وزير الاتصال  الجزائري عمار بلحيمر، الذي  عرف عنه أنه يحظى بحماية المخابرات الفرنسية، حيث قدم بتاريخ 15 من شهر فبراير  2021، استجوابا نشر بصحيفة «الشروق» التابعة للمخابرات الجزائرية، تحت عنوان «حرب سيبرانية صهيونية مغربية على الجزائر!». استجواب يضم نفس المحتوى الذي تعتمده حاليا الحملة الإعلامية الفرنسية، وهو نفس المحتوى الذي اعتمدته المنظمات التي شاركت في حملة التشهير ضد المغرب. الاستجواب نشر حوالي 5 أشهر قبل موعد انطلاق حملة التشهير الحالية.
ومما قال الوزير الجزائري خلال حواره مع الصحيفة المذكورة، أن مجموعة «إن إس أو» الإسرائيلية قامت في تنفيذ اختراقاتها باستخدام برنامج التجسس المسمى «بيكاسوس» الذي استخدم  ضد المدافعين عن حقوق الإنسان..»، كما منح «إن إس أو» رخصة استخدام هذا البرنامج لعشرات الحكومات، لاسيما منها الأنظمة التي لا تتمتع بسمعة طيبة في مجال احترام حقوق الإنسان، مثل المغرب».
 
هناك عدد من الدول مستهدفة من هذه الحملة لكن يلاحظ تركيز الصحافة الفرنسية على المغرب، لماذا في نظرك؟
ليس الهدف هو اتهام  المغرب بالتجسس لأن التجسس بين الدول أمر معمول به (كما أوضحت لك)، ويعتبر من قواعد الصراع الدولي، الأمر يتعدى ذلك بشكل خطير، فهو يدخل في إطار الأشكال الجديدة التي أصبحت تعرفها الحروب أو ما أصبح يعرف بالجيل الخامس من الحروب،  الذي يقوم على تفجير الدول من الداخل، والتركيز على استهداف مركز الثقل في الدولة.
ومركز الثقل في حالة المغرب، هي علاقة الثقة التي تربط المؤسسة الملكية بالأجهزة الأمنية، لذلك ورد في هذه الحملة أن الملك محمد السادس والمحيط الملكي ضمن المستهدفين بالتنصت والتجسس. وهو أمر في الحقيقة يسعى إلى بث الشك والريبة والخوف والارتباك على أعلى مستوى، أي في عمق مركز القرار المغربي، فزعزعة مركز الثقل من شأنه إضعاف نظم القيادة بشكل شامل، بواسطة حرب نفسية سافرة  تؤدي في الأخير  إلى إشاعة الفوضى داخل المجتمع،  مما  سيجعل المغرب مجبرا في المرحلة الصعبة على الانصياع والتراجع، وإفشال كل برامجه الاقتصادية والصناعية والاجتماعية والسياسية، وبالتالي العودة به إلى مربع الخضوع.
 
ماذا عن توقيت هذه الحملة؟ وهل هي رد فعل على مواقف المغرب مؤخرا، وخروجه من المعطف الأوربي؟
جاء توقيت انطلاق حملة التشهير مباشرة بعد أن طرح المغرب قضية تقرير مصير شعب القبايل في رد على استفزازات وزير الخارجية الجزائري الجديد في اجتماع دول عدم الانحياز، وهو أمر أصاب النظام العسكري الجزائري بالفزع، مما جعل فرنسا تتدخل بهذا الشكل الفج،  لأن ملف القبايل هو شأن مشترك بين المخابرات الجزائرية والمخابرات الفرنسية، فلم يحصل طيلة السنوات السابقة أن احتجت الجزائر على فرنسا لاحتضانها فوق أراضيها أنشطة حكومة القبايل المؤقتة من مظاهرات أو غيرها، ولم يسبق للجزائر أن تقدمت بأي شكل من أشكال الاحتجاج ضد فرنسا عند المنظمات الدولية أو الإقليمية خاصة الاتحاد الأفريقي أو الجامعة العربية، مما يؤكد  أن هناك تنسيقا بين النظام العسكري الجزائري والمخابرات الفرنسية، من أجل مراقبة النشطاء القبايليين ووضع خطوط حمراء لا تسمح لهم فرنسا بتجاوزها، الأمر الذي يفسر أن قضية القبايل مازالت لم تراوح مكانها رغم الإعلان عن حكومة مؤقتة، فليست هناك أي دولة أو منظمة تعترف بها.
لذلك، فالمغرب لما أثار قضية شعب القبايل على مستوى دولي، أصاب هدفا مشتركا ومصلحة واحدة تجمع الجزائر وفرنسا. هذه الأخيرة التي  تعتبر ورقة شعب القبايل تخصها وحدها ولها الحق وحدها في استعمالها.
وهنا نستحضر قضية الباسك أو منظمة «إيتا» الباسكيىة التي روعت إسبانيا أكثر من نصف قرن، فهي ورقة استعملتها في البداية فرنسا للضغط على إسبانيا، حيث احتضنت على أراضيها المؤتمر التأسيسي  لمنظمة «إيتا». بل إن  فرنسا أقنعت النظام العسكرى الجزائري في مرحلة من مراحل الصراع بين منظمة «إيتا» وإسبانيا، أقنعته بالسماح لقيادة منظمة «إيتا» بالإقامة في الجزائر ومباشرة عملياتها منها ضد إسبانيا.
لذلك فحملة التشهير التي تستهدف المغرب هي في العمق حصيلة تنسيق استخباراتي بين النظام العسكري الجزائري والمخابرات الفرنسية.
 
ألهذه الدرجة، المخابرات الفرنسية يغيظها هذا التحرك الأمني للمغرب خارج حدوده؟
علينا ألا ننسى أنها ليست المحاولة الأولى التي تقوم بها المخابرات الفرنسية من أجل زعزعة استقرار المغرب وأمنه، وليست عمليتها الأولى التى تستهدف أجهزة الأمن المغربية التي تشكل بحق عنصرا أساسيا في حماية الأمن القومي المغربي وفي تماسك الشعب المغربي وترسيخ إيمانه بضرورة الدفاع عن الوطن وعن القضايا الوطنية في الداخل وفي الخارج، فقد سبق لها أن عملت على ضرب الأمن المغربي، بنشر عدة وثائق حساسة للديبلوماسية والمخابرات المغربية الخارجية، بواسطة حساب على «تويتر» يحمل اسم «كريس كولمان»، ابتداء من شهر أكتوبر 2014 وخلال السنة الموالية، وكان يدير المخابرات الخارجية الفرنسية آنذاك مدير له تأثير قوي في فرنسا ويعتبر من الذين يميلون للجزائر، وهو «بيرنار باجوليت».
فحملة الإعلام الفرنسي التي تتهم المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني DGST باختراق هواتف آلاف من الأشخاص، ضمنهم الرئيس الفرنسي وحكومته وشخصيات مغربية وآلاف الجزائريين، هي حملة مشابهة بشكل آخر مع الاختلاف في الزمان والوسيلة، لتسريبات «كريس كولمان» التي كانت تستهدف بالخصوص المديرية العامة للدراسات والمستندات DGED والديبلوماسية المغربية، ولم تستطع هذه التسريبات، التي استمرت عدة شهور، النيل من قوة وتماسك هذا الجهاز الأمني القوي ولا من الديبلوماسية المغربية، فقد توالت الانتصارات بعد ذلك وازدادت الأجهزة الامنية تحصينا وبراعة في الأداء، وازدادت النجاحات التي تحققت على المستوى العالمي والقاري، والتي من أهمها حشر النظام العسكري الجزائري في الزاوية صحبة صنيعته البوليساريو، وعزله دوليا و على مستوى القارة الأفريقية وتقليص عدد حلفاءه، ونفس الأمر يمكن رصده حاليا مع هذه الحملة العدوانية التي لا شك لن تستطيع  النيل من قوة المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، ولا المس بالثقة التي يضعها الملك محمد السادس في هذه الإدارة التي حققت إنجازات غير مسبوقة على المستوى الداخلي والدولي.
 
كيف يمكن إثبات أن هناك تنسيقا بين المخابرات الفرنسية والنظام العسكري في الجزائر لاستهداف المغرب، ولن تكون حملة «التجسس» آخر الحملات؟
الحملة الحالية تركز على المغرب دون غيره، وبدون تقديم أى دليل، وهي تعتمد في الأساس على مجموعة من التكهنات والفرضيات، تأتي كذلك بعد سلسلة من الانتصارات والنجاحات التي حققتها الديبلوماسية المغربية، وتأتي بعد عدة قرارات اقتصادية، أبرزت للجميع أن المغرب أصبح سيد قراره، وأن ذلك الاستغلال والاستنزاف الذي كانت تمارسه القوى الاستعمارية خاصة فرنسا وإسبانيا وألمانيا لم يعد ممكنا .
لذلك فالحملة الإعلامية الفرنسية والجزائرية، وتقارير منظمات برهنت أنها تفتقد للنزاهة والمصداقية، والتي عادة ما تعتمد تقاريرها على  معطيات ضعيفة المصدر أو غير حيادية. تستهدف بشكل ملحوظ ضرب أمن واستقرار المملكة وضرب العلاقة المتينة التي تربط المؤسسة الملكية بمختلف مؤسسات الدولة خاصة منها المنظومة الأمنية ككل، وخلق حالة من الارتباك والشك والريبة، وفي نفس الوقت تقدم هذه الحملة طوق نجاة للنظام العسكري الجزائري في وقت اشتد الخناق عليه، خاصة وأن جريدة «لوموند» الفرنسية الناطقة باسم العسكر في الجزائر هي التي تتزعم هذه الجوقة.
في عدة مناسبات تأكد أن المخابرات الفرنسية هي التي تقوم برعاية النظام العسكري في الجزائر، وهي التي تقوم بحماية رموزه من المتابعة القانونية الدولية، رغم فداحة وبشاعة الجرائم التي ارتكبوا ويرتكبون والتي شكلت العشرية السوداء أكبر تجلياتها، بل إن العسكر الجزائري نفذ العديد من عمليات الاغتيال، استهدفت معارضين جزائريبن  فوق التراب الفرنسي وبتنسيق مع المخابرات الفرنسية.
 
أي تأثير لهذه الحملة على الوضع الداخلي في البلاد؟
تماسك الشعب المغربي وتصديه لكل الحملات العدوانية، عن طريق نشر كل مظاهر الحرص على حماية الوطن ومؤسساته، والاعتزاز بتميّز العنصر المغربي عبر التاريخ والثقة في النفس، وإيمانه وثقته في مؤسساته وعلى رأسها المؤسسة الملكية، هو الكفيل للتصدي لكل المحاولات التي تستهدف عرقلة مساعي المغرب من اجل استكمال وحدته الترابية، وعرقلة استمراره في تعزيز قيم الديمقراطية والشفافية بين المؤسسات وداخلها، وتقوية دوره  في الساحة الدولية، فالثقة في مؤسسات الدولة تجعل الأمة المغربية أكثر قوة وفعالية في مواجهة المخاطر والتهديدات، وتجعل الدولة المغربية تعزز نفوذها في محيطها الجغرافي والدولي ،ويعزز قدرتها على التصدي للسياسات التي تستهدف عزلها وحرمانها من مجالها الطبيعي التاريخي.
علينا أن نستوعب بشكل راسخ، أن بلدنا معرضا لعدة مخاطر كما تعرض لها عبر التاريخ، وأن المغرب كلما عزز مكانته الاقتصادية والأمنية والديبلوماسية، كلما كان عرضة للهجوم ومحاولات التفجير من الداخل،  والاستهداف من المحيط ومن القوى الاستعمارية القديمة خاصة فرنسا واسبانيا التي لا تنظر بعين الرضى إلى خطوات المغرب.