الأربعاء 24 إبريل 2024
فن وثقافة

بلقايد: استهلال لفهم إيقاع العيط الحوزي بشكل خاص والمغربي بشكل عام 

بلقايد: استهلال لفهم إيقاع العيط الحوزي بشكل خاص  والمغربي بشكل عام  رقصة لمجموعة مخاليف الحوز وفي الاطار الباحث عبد العالي بلقايد
إذا كانت غاية تدوين العيط موسيقيا هي صونه من المحو، فالعملية لا يقوم بها إلا الموسيقيون المتمكنون من علم الموسيقى.
 هذا ما تفطن إليه سي لعبادي، فاستقدم أساتذة لهم دراية بالمقامات والإيقاع، قصد قَوْنَنَتِهْ، لأن فكرة الأستاذ كانت ولازالت هو كتابة العيطة الحوزية بلغة الموسيقى لتصبح في متناول كل الموسيقيين وحتى وإن لم يكونوا قد تمرسوا عليها شأن من أخذها سماعيا عن الشيوخ.
 لكن  بتصريح الأستاذ بن عدي العملية غير ممكنة لربما لحظة قيامه هو ومرافقه بالإستماع لمجموعة شيوخ اَلْمْخَالِيفْ وحسب ما قال: "أن العملية يحول دون الوصول إليها  تركيب الإيقاعات وتعقيدها". لكن  حسب اعتقادنا المتواضع فعمل بهذه الغايات لا يمكن أن يتم في زمن وجيز، بل لا بد من مكابدة وصبر للوصول إلى المأمول.
فالسي محمد المدلاوي المنبهي عندما كلف من طرف المؤسسات ذات الصلة بموضوع الأهازيج الأمازيغية بالأطلس الكبير والصغير، وسوس  قصد قَوْنَنَةْ ايقاعاتها، فإن عمله تم ضمن فريق من المتخصصين، يضم لسانيين، وموسيقيين، وتخصصات أخرى، ومجهود  الفريق استغرق وقتا طويلا للوصول إلى فهم طبيعة إيقاعات تلك الفنون، القريبة من العيط اَلْحَوْزِي، واَلدَقَةْ اَلْمَرَاكْشِيَةْ، واَلرُودَانِيَةْ. وبموازاة مع هذا العمل انصب الاهتمام على البنيات العروضية لمعرفة إيقاعات تلك اللغات المشكلة لشعر تلك الأهازيج قبل أن تنتقل إلى موسيقى ونغم. هذا العمل يَسَرَ الإقتراب من فهم ايقاعاتها بشكل يسير. 
أما بالنسبة  لفهم العيط موسيقيا يبقى جمعه، في شكله المغنى، وفي صورته المنظومة قاعدة أي مشروع غايته صونه من المحو، قبل تمحيصه وتحقيقه. وهذا العمل في المتناول لوجود مهتمين، بمقدورهم القيام بهذا العمل بتعاون مع الشيوخ خبراء الميدان لاكتسابهم ثقافة عملية حازوها بالتجربة والممارسة.
و بالرجوع دوما إلى الثقافة العالمة، وكما سبق لنا أن أوضحنا في السابق، بأن العيطة الحوزية تقع ضمن الموازين المركبة 5\8، أو المضاعفة 10\8، بحيث أن الأستاذ محمد المدلاوي بجريدة العلم يوضح، بأن جل الإيقاعات المغربية الأصيلة ، سواء المغناة بالعربية، أو الأمازيغية ، مما فيها بعض سَرَابَاتْ الملحون تقع ضمن الميزان الخماسي (فقد لا حظت منذ مدة، وبينت في إعمال منشورة سابقا، مدى اختراق الميزان الخماسي الكثير من ألوان الموسيقى المغربية، مما يبدو لأول مرة متباعدا مثل أَحْوَاشْ وأَجْمَاكْ وموسيقى هَوَارَةْ اَلسُوسِيَةْ الناطقة بالعربية ، والمسماة بالضبط بالميزان ).
 أما عند الإستئناس بمقاربة شيوخ العيط الحوزي، وهم العارفون بأسرار فن عايشوه بالروح، والحضور الذاتي. نجدهم يطلقون الكثير من الأوصاف على إيقاعاته، تبعا لطبيعة كل عيطة وما تقتضيه من موازين . وقد سبق لنا أن أشرنا بأن عيطة "خَالِي يَا خْوِيلِي"، إيقاعها يسمونه بـ (لَمْسَرَحْ) ، وهو إيقاع يبدو رتيبا ، كأنه يسير على خط مستقيم ، إلا حين يكون انتقال من دائرة موسيقية إلى أخرى .
ساعة الإنصات لإيقاع هذه العيطة في بعض الدوائر الموسيقية ، تحس بالإيقاع يَنْخَفِظْ إلى أدنى مستوى، وتخال بأن أذنك تسمع نقرة تتبعها نقرة تليها نقرة في رتابة مطلقة. وفي اعتقادنا البسيط بأن المغني، أو المغنية تتحول إلى راوية، تروي مجموعة من القصص، والحكايات المرتبطة بالمجال المحلي، أو الوطني تقتضي وضوح الخطاب، وبروزه ، ووصوله إلى المتلقي، الذي يجب أن يلتقط، ويستوعبه، ويتفاعل معه.
لحظات تطغى الرواية المغناة، لا نسمع  إلا نغمة واحدة للكمان، تتوالى بشكل متتابع ، تكاد تتماثل مع نقرة اَلطَعْرِيجَةْ الوترية impaire كذلك. تبقى هذه المقاربة انطباعية تحتاج إلى النظر العلمي لتأكيدها أو نفيها، لكنها محاولة تسعى التعريف ، وإخراج تراثنا من دائرة اللامفكر فيه.
أما من حيث المقامات، فالشيوخ يصنفون فنهم ضمن مقامات البياتي (العروبي) ، لخضوعه لرموز، وعلامات البيئة التي أنتجته، والتي لا توجد بحضارات إنسانية أخرى ، هي كذلك صاغت فنها بالإعتماد على البياتي، مثل الأكراد الذين اعتمدوه في إنتاج جل ملاحمهم، شأن الحضارة المغربية وبالتحديد العيطة الحوزية، الموصوف بـ (العروبي)، وفي تقديرنا أن هذا الوصف ناتج عن كون غناء العيط يصاحبه صيحات، و(نَهِيمْ) و(نَدْهَاتْ)، من خصائص الغناء المغربي لا نجده في باقي الثقافات ، فضلا عن الرقص بالأيدي والأرجل، والمصاحب بطقوس احتفالية تعطي للفرجة جمالية خاصة، تطبع الغناء المغربي وليد الحضارة المغربية.