الخميس 28 مارس 2024
سياسة

ملحمة «بيغاسوس».. زوبعة  في فنجان أعداء المغرب!

ملحمة «بيغاسوس».. زوبعة  في فنجان أعداء المغرب!
ليس صدفة أن يحتد هذا التكالب الشرس على المغرب اليوم، من المنظمات الدائرة في فلك الغرب، ومن دول الاتحاد الأوروبي ومن الجار الجزائري. إذ تكفي قراءة معمقة لتطورات ما يحدث في المغرب، وعبر علاقاته بمحيطه الإقليمي والدولي، لندرك  مسالك الفهم الأولى، والأبعاد المتقاطعة التي تفسر ما يحدث:
 
هناك أولا المسلك السياسي ممثلا في فضيلة الاستقرار التي صار يتمتع بها بلدنا، ونظامه منذ تأسس كيانه كدولة وأمة استطاعت أن تصمد أمام عواصف التاريخ منذ قرون.
وإذا حاولنا اختزال الأمر زمنيا في العشرية الأخيرة، وبالضبط منذ انفجار ما سمي الربيع العربي، فسنجد أن بلادنا قد تمكنت من الخروج من ذلك بسلاسة، مسلحة بدستور جديد يمنح صلاحيات موسعة لرئيس الحكومة، ويعزز الحقوق الاجتماعية والثقافية للمواطنين...

 
هناك ثانيا المسلك الاقتصادي ممثلا في المكانة التي صار يتمتع بها المغرب بعد أن تحققت له قفزة اقتصادية تجسدت في أوراش كبرى ومشاريع نوعية ضخمة من قبيل ميناء طنجة المتوسط، والمخططات القطاعية وتصنيع السيارات وقطاع الطيران ومحطة نور للطاقة الشمسية بورزازات، 17 إطلاق القمر الصناعي «محمد السادس أ»، وفي 2018 القمر الصناعي الثاني «محمد السادس ب» بهدف الاستعانة بهما في المجالين الأمني والاقتصادي، وكذا في مجال رصد التغيرات المناخية وتأثيراتها في المجال الفلاحي والاقتصادي، إضافة إلى اتفاقية إنجاز خط أنبوب الغاز الرابط بين نيجيريا والمغرب  سنة 2016  وغيرها من الاستثمارات ذات البعد الوطني والدولي، وأهمها إنجاح مضامين النموذج التنموي للصحراء.
في نفس الاتجاه سعى المغرب إلى تنويع شراكاته لتشمل أغلب دول مجلس الأمن، وضمنها روسيا التي كان الملك قد زارها سنة 2002، والصين التي زارها سنة 2016، وقد نتج عن الزيارتين توقيع عدد من الاتفاقيات التي تهم المستويات الاقتصادية والتجارية، وضمنها تنوع مصادر التسليح، وآخرها اتفاقية مع شركة “سينوفارم” لتصنيع وتعبئة اللقاح المضاد لكوفيد 19 ولقاحات اخرى.

 
وهناك ثالثا المسلك الاجتماعي ممثلا في الحيوية التي تطبع ديناميتنا المجتمعية، بما تعنيه من مشاريع تطويق آثار الهشاشة الاجتماعية، ومن فضائل التوسيع النسبي لمجال الحريات الفردية والجماعية، رغم ما يشوب هذا المستوى من توترات يكون سببها تقصير في الأداء الحكومي، أو العجز عن التجاوب مع الانتظارات الكبرى للمواطنين. ويكفي أن نذكر من الإنجازات الهامة في هذا المضمار مشاريع التغطية الاجتماعية التي تأسست عبر التدرج انطلاقا من العمل بنظام “راميد”، في سنة 2008، وكان موجها أساسا إلى المغاربة في وضعية الهشاشة والفقر، وضمنهم نزلاء المؤسسات السجنية والمؤسسات الخيرية ودور الأيتام والملاجئ، والذين لا يتوفرون على سكن قار. إلى أن توج، في السنة الماضية، بإطلاق الملك مشروع تعميم التأمين الصحي الإجباري على جميع المواطنين، إضافة إلى التعويضات العائلية في أفق أن يشمل التقاعد والتعويض عن فقدان العمل.
بموازاة مع هذه المسالك، التي صارت بمثابة الثابت في رهانات المغرب الكبرى لمواجهة تحديات التنمية، هناك المتغير المرتبط بالظرفية الراهنة، وأول مظاهره نجاح المغرب في اختبار الكوفيد 19، بعد إدارته المهنية الناجحة، وذلك بشهادة المنتظم الدولي ذي الاختصاص. ثم هناك النقطة التي أفاضت  كأس الخصوم والأعداء: الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه الذي مدنا منذ إقراره، في دجنبر 2020، بجرعات  حركت الماء الراكد بهذا الخصوص، وخلخلت التوازنات الاستراتيجية في المنطقة.
وكان هذان هما المظهران اللذان أقضّا، على الخصوص، مضاجع الجزائر وبلدان الاتحاد الأوروبي. ومن صلب هذا المخاض برزت قضية التجسس التي هي اليوم مجرد حلقة من حلقات التحرش بالمغرب لكبح جماحه التنموي، ولمحاصرة تطلعاته في التقدم.
في هذا الإطار نستحضر افتعال الأزمات مع الاتحاد الأوروبي، مع السويد بعد اقترافها، في شتنبر من سنة 2015 ، إثم التهديد بالاعتراف بالبوليساريو، ثم مع هولندا، في شتنبر من سنة  2018 بعد أن رفع وزير خارجيتها تقريرا إلى البرلمان  خاصا بأحداث الريف. ومع ألمانيا إثر المواقف العدائية إزاء قضيتنا الوطنية، وكذلك إثر استبعاد المغرب من مواصلة دوره الإقليمي الوازن في ملف النزاع الليبي. ثم هناك الأزمة مع إسبانيا التي كانت استقبلت زعيم ميليشيات البوليساريو المتابع بارتكاب جرائم حرب، والمتورط في انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان.
في نفس سياق افتعال الازمات سعى البوليساريو، في أكتوبر 2020، وبدعم سياسي ولوجيستيكي من الجزائر، لعرقلة سبيل  التنقل المدني والتجاري بين المغرب وموريتانيا، وباقي بلدان إفريقيا. الأمر الذي قاد المغرب إلى شن عملية أمنية، في الشهر الموالي لطرد المعرقلين، ولاستعادة وضمان التنقل السلس بين بلادنا وعمقه الإفريقي. وحين احتد سعار الجنرالات الجزائريين خرجوا لها مباشرة عبر تحريض عناصر من جيشهم، في مارس 2021، لطرد مغاربة من أرضهم بمنطقة العرجة، قريبا من فكيك.
أما قضية ادعاء بأن المغرب قد مارس التجسس على فرنسا وغيرها فقد توضح منذ اختلاقها مباشرة أنها قضية مفتعلة بتوقيع مخرج رديء في التركيب والإخراج، وفي اختيار التوقيت، وفي اختيار “الممثلين” والكومبارس. إذ كيف يعقل أن يتفرغ المغرب كليا  ليتجسس على 10000 هاتف في فرنسا، من بينها 7000 في الجزائر و4000 في فرنسا. تماما كما لو أن لا شغل للمغرب سوى التنصت على هذا العدد من الدول ومن الأفراد أغلبهم نكرات، في حين تبلغ كلفة التنصت على  هاتف واحد 350٫000 دولار للسنة!، والحال أن المغرب لو توفرت له كل تلك الأموال لاستثمرها في خير البلاد والعباد كما هو دأبه منذ سنوات.

 
لنترك الهزل والرداءة لنقرأ دلالة هذا السعار حيث تبرز لنا ثلاث ملاحظات أساسية تجسد المشترك في كل تفاصيل العلاقات مع المحيط الإقليمي:
 
l الملاحظة الأولى تفيد أن الحملة موجهة أساسا نحو الملك شخصيا، ونحو ما يتشكل منه محيطه المباشر، سواء ما يتعلق بالأشخاص، أو بالمؤسسات الاستراتيجية الكبرى التي تمثل عضد الدولة، والمقصود تحديدا من ذلك التوجه الخاص بالملك إضعاف الدولة وبنيانها الأساسي، والإساءة إلى ما يمثله ذلك من رمزية إجماع المغاربة على مؤسساتهم.
 
l الملاحظة الثانية تؤكد بعد تفحص وضع المغرب الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وبعد استعادة دوره الوازن في المعادلة الإفريقية، أن بلادنا بدأت تظهر كدولة صاعدة تلعب على مستوى الطموح وكفاءة الإنجاز ضمن نادي الكبار، وهو ما يخلق إزعاجا مؤلما للجار الذي ابتلينا به، والذي لا يزال لم يحل مشاكل الماء والسكن والتموين والاوكسجين لمواطنيه.
 
l الملاحظة الثالثة تهم مفاعيل الاعتراف الامريكي بسيادتنا على الصحراء، واعتماد تنويع الشراكات ومصادر الاستثمار. وهو ما صار يقرِؤه الاتحاد الأوروبي كنوع من التعبير من جهتنا عن إرادة فك الطوق، والخروج عن المعطف الأوروبي...
 مجمل القول إن ما يتعرض له المغرب اليوم من اتهامات وادعاءات، ومن صلافة وقلة أدب ومروءة، هو تحدي جديد. لكنه كذلك اختبار لمدة قدرتنا على الصمود والمواجهة، ومحك نختبر من خلاله مدى دناءة خصومنا في الخارج، ومدى وقاحة مندوبيهم «الطوابرية» في الداخل.
ما هو سقف الدناءة وحدودها؟ وما هي مساحات تحرك «طوابرية» الداخل الذين يستمرئون التنكيل بسمعة المغرب، وبمؤسساته؟
ذلك ما ستجيب عنه الأيام القادمة.
المؤكد أننا نحن المغاربة، دولة وشعبا، قد جابهنا امتحانات أكثر دناءة وخسة، وتجاوزناها بقوة وعينا بأهمية نسيجنا الوطني، وتلاحم مكونات وحدتنا، وما امتحان اليوم سوى حلقة بئيسة من الحرب النفسية التي تريد ثني بلدنا عن مشاريعه التنموية، وعن مواصلة أدواره الوطنية والعربية والقارية،  وعن إسهامه الكبير من أجل الرقي والتقدم لفائدة أبنائه، ومحيطه والعالم.