الأربعاء 8 مايو 2024
كتاب الرأي

حسن برما: جيل الضياع

حسن برما: جيل الضياع

مع سهر الفرحة الكبرى ديال الوداد.. استيقظت متأخرا.. بمجرد فتح الفايس، وجدت رسائل خاصة كثيرة عن فيديو أستاذ يُعَنَّف من طرف تلميذ مشرمل وبطريقة أقل ما يقال عنها أنها كارثية متوحشة.. دون تردد.. في مثل هذه الحالة وكيفما كانت الظروف.. هذا التلميذ/ البرهوش يستحق الطرد، بل والمحاكمة الجنائية.. وأستاذ ورزازات يستحق مهنة غير التعليم.

بداية، أعلن تضامني المطلق الممزوج بالكثير من المرارة والاستنكار والغضب، علما أن أطرافا عديدة تتحمل مسؤولية هذا المآل المخزي لمنظومة تربوية تناوب على تدميرها وقتلها بخبث مأجورون أغبياء أفقدوا المدرسة المغربية دورها وريادتها وقداستها.. وبغض النظر عما قيل عن الأستاذ وكونه "ضعيف الشخصية" يعاني من اضطرابات نفسية، تبقى الإدانة واجبة، لأن تفاصيل المشهد تسائلنا جميعا وتحاكم من سخروا دهاءهم المدمر للنيل من رجالات ونساء التعليم والسخرية منهم والتنكيت عليهم في أفق خلق وعي مغلوط وأهداف متخلفة تروم إفراغ المؤسسة التربوية من محتواها التربوي النبيل.

خافوا على مصالحهم الجشعة، خططوا لقتل منارة العلم والمعرفة، واصلوا انتهازيتهم المقيتة، لم يهتموا بمخاطر التجهيل والتيئيس، استمروا في تهميش الطاقات الكفيلة بإنقاذ المدرسة، وجلبوا لساحتها كل من لديه حقد عارم على مؤسسة عاشت مخاضها وولدت مواطنة تحلم بمحاربة الجهل والتخلف.

نجحوا في وأد الفكرة المواطنة، سجنوا الحلم النبيل، خلقوا جيلا من الضباع والثعالب والذئاب، ميعوا المبادئ ومسخوا القيم، حرضوا أبواقهم الكريهة على غسل الأدمغة وشحنها بزبالات الغباء والاستغباء، والنتيجة.. لا أحد الآن بمأمن من غباء الوحش.

بكل تجرد وموضوعية، ما حدث في جوهرة الصحراء الوديعة مؤلم جدا لدرجة البكاء، وأصل الداء، تخطيط غبي يركب مفهوم إصلاح هو في حقيقته إفساد فاضح عن إصرار وترصد، تناسل فراغات الوهم والانتهازية في مجتمع يكفر بكل ما له علاقة بالكرامة، غياب فادح للإحساس بالأمن المفتقد، تفكك أسري طاغ أفقد الآباء والأمهات قدرتهم على التربية والتوجيه، كيانات سياسية ونقابية لقيطة لا تفكر سوى في افتراس النصيب من وزيعة المال العام، زعامات كرطونية دون تاريخ تتواطأ على الجميع من أجل البقاء المرَضي الحقير فوق كرسي مثقوب.. وعليه، لا غرابة من رداءة منتوج يحتل مرات متدنية بشهادة الجميع.

نظريا/ شفويا، في صحافة التعليمات وأبواق قنوات الصرف الصحي، التعليم قضية وطن، وفي الواقع، لا أحد يبدي اهتمامه الجاد بتحصين الوطن بمدرسة منتجة فعالة تحمي الاجيال القادمة من الضياع والموت البطيء.

استحضارا للقول المأثور "الأم مدرسة"، نتساءل: لماذا لم نخطط لإعداد مشتل سليم كفيل باحتضان مواهب فنية وطاقات مبدعة تتحدى الجهل والظلام؟ لماذا تعادي النيات الخبيثة وكرا هو منبع المناعة اللازمة ضد أمراض الأمية والتخلف؟ لماذا تحارب المدرسة وتعطى كل الإمكانيات لفقه الاستغباء النكوصي؟ لماذا لا يملك الجميع الغيرة اللازمة لتحصين المؤسسة وتوفير كل الإمكانات لإنجاح دورها المفترض؟!!!