الاثنين 25 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

مروان بنفارس: تأملات شخصية في أعطاب اليسار "الاشتراكي الموحد"

مروان بنفارس: تأملات شخصية في أعطاب اليسار "الاشتراكي الموحد" مروان بنفارس

سحبت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد ،في 21 يونيو 2021،  مشاركة الحزب من التصريح الذي وضعه تحالف فيدرالية اليسار لخوض الاستحقاقات الانتخابية المقبلة؛ وهو الحدث الذي تسبب في مشكل تنظيمي كبير، أدى لانشطار حزب الشمعة.

حين حدثت الفتنة الكبرى بين الرفاق واصطف الجمعان في فريقين متناحرين، يورد "العقاد" في كتابه أبو الشهداء، أن أحدهم شوهد أثناء المعركة يرتعد ويرتجف. وقد كان معروفا قبل ذلك بالشجاعة وشدة البأس. فسئل عن ذلك فأجاب ما معناه: "إنه يرتعد من الحيرة لا من الخوف" وقد التحق أخيرا بمعسكر الحسين وقتل معه.

لما التحقت بالحزب الاشتراكي الموحد في أواخر 2011، كنت حينها ناشطاّ فاعلاّ في حركة 20 فبراير بتطوان، وكنت معجباّ بأطروحة الحزب الاشتراكي الموحد ورفاقه المناضلين المشاركين في الاحتجاجات حينئذ، بل إن موقف الحزب من الحكم ومقترح الملكية البرلمانية وكذا تقديره التاريخي من مقاطعة الانتخابات المبني على مفهوم "الزمن السياسي" النسبي الذي يقدر اللحظة بواقعية، والذي رأوا فيه حينئذ أن المد الجماهيري في ساحات الاحتجاج لا يجب أن نتجاوزه ونطعنه بمشاركة سياسية تساهم في إضفاء المشروعية على انتخابات النظام، هذه بعض الأسباب التي جعلتني ألتحق بالحزب.

حضرت النقاشات القبلية للمؤتمر، ثم المؤتمر الثالث للحزب، وفهمت أنني دخلت و جئت لليسار في زمن الجزر بل في عز التعب (بتعبير درويش)، لكن أيضا كانت هناك تلك الدينامية التي تساير المتغيرات السياسية وترفع شعارات مرحلية حينئذ -الملكية البرلمانية هنا والآن- وتلك المحاولات للأفراد والجماعات من أجل الارتقاء بخطاب اليسار ليكون ابن القرن الواحد والعشرين يستوعب سقوط جدار برلين، وتجربة التناوب، وهبات الربيع المغاربي.

 

ملامح الجزر:

إن الدرس الذي استفدته وباقي الشباب المشارك في حركات الربيع المغاربي، أننا في زمن ما بعد الايديولوجيات التي أفرزتها حقبة ما بعد الاستعمار من ايديولوجية أصولية دينية، وقومية وماركسية في نسختها العربية. وبالتالي كان الاحباط كبيرا حين وجدت نفسي في حزب مازال منتسبوه يحملون هذه الأيدولوجيات ويدافعون عنها. بل إن دفاعهم عنها كانت أشبه بمسألة وجودية تبرر استمرار مشروع الحزب لمزيد من الاندماج والتخلي عنها، أو الانشطار والابقاء عليها. وهكذا كنت أسمع هذا الرفيق من المستقلين، وتلك من المنظمة و الأخر من الوفاء.

في مرحلة من انتمائي، كنت أظن أن ذكر ماضي الرفاق مجرد استراتيجية خطابية، لكن مع الوقت فهمت أنها تؤثر في الاختيارات والاصطفافات داخل التنظيم.

هنا أتذكر موقفنا بتطوان من المؤتمر السادس لشبيبة الحزب حشدت 2013، بالمقاطعة بعد أن رأينا الشباب يوظفون في صراع أجنحة وانتماءات كبار، أسبق من وجودهم داخل التنظيم، فنأينا بأنفسنا من أي توظيف.

كان التنظيم مليئاّ بالإمعات، بالتمجيد والتطبيل للأفراد، بالشيوخ ومريديهم، بالتبعية والاصطفافات والاقصاءات. ولكن على المستوى الخطابي الجميع ينكر وجود هذا الوضع ويدينه، ويتهم به الآخر في نفس الآن. كنت دائما أحس بنوع من الاغتراب الإيديولوجي والتنظيمي داخل الحزب، لكني استمررت فيه من باب أنه يعد أفضل عرض سياسي حزبي بالنسبة لي، وقد كتبت يوما على جداري بـ "الفيسبوك" ما يعزز هذا الاغتراب الأيديولوجي: "دخلت لليسار بروح نقدية بالدارجة (بالنقمة)، وأنا أتبنى في العمق جل الما بعديات.. ما بعد الماركسية، وما بعد المادية، وما بعد الإنسانية، وما بعد الاستعمار.."

أعتقد أننا في حاجة ليسار ما بعدي عوض الشغب الأيديولوجي والفكري والتنظيمي في يسار كلاسيكي مازال يتغنى بـ "لينين" و"ماو"، ولا يزال جدار برلين قائماً في خياله.. يسار تكون خلفيته النظرية نابعة من نتائج آخر النظريات الاقتصادية والاجتماعية، عكس ما نجد اليوم في أوراقه المستمدة من كراسات رديئة علمياً سمينة إيديولوجياً، أنتجت في الجامعة ذات زمن.. أما في الاغتراب التنظيمي فأورد رأيا فيه في ملامح المد.

 

ملامح المد:

رغم ما ذكرته من ملامح جزر في الذات التنظيمية للحزب، كنت أجد رفاقا ورفيقات، كهولا وشباباّ بين الفينة والأخرى من أفضل ما تجد، أخلاقاّ ونضالاً ووعياً، وكنا كثيراّ ما نتقاسم نفس الملاحظات والتفاعلات مع ما يحصل في ذاتنا التنظيمية. وكان من المفروض أن يكون هؤلاء في مواقع المسؤولية والتمثيل التنظيمي والانتخابي، في اللحظة التي يشهد فيه العالم عودة لليسار من خلال إعادة الاعتبار لدعم الدولة لأدوار العلم والمعرفة والمدرسة كمنتج لهما في زمن الخرافة وتأثير نظريات المؤامرة على حياة الأفراد، وكذا دعم قطاعات الصحة لما لها من انعكاس على التنمية واستقرار المجتمع وأفراده ونخبه في زمن الجوائح والأمراض الفتاكة. لكن الرياح تأتي بما لا نشتهي، فقد قام "الإمعات" بإلغاء الكثير من هذه الطاقات في حرب تيارات ومشايخ يحتكرون لأنفسهم الحقيقة والتقدير السياسي، وأي مخالف إذا لم يتراجع وينسحب من تلقاء ذاته من التنظيم، تكال في حقه التهم سراّ على شكل نميمة جبانة، أو علنا بإلحاقه وانتسابه إلى جهة ما في الصراع الفصامي داخل الذات التنظيمية.

 

رغم كل هذا، نسجل نقطتين:

أن لليسار أهمية ودور متعاظم عالميا ومحليا، الالتفاف حوله محليا من شأنه على الأقل إحداث توازن على المستوى السياسي أو في أفضل سيناريو التأثير على موازين القوى لإحداث تغيير ديمقراطي.

ونقول أيضا عكس ما قال الشاعر عبد المعطي حجازي: "هذا الزحام لا أحد"، أن في ذاك الزحام الكثير من الذوات المناضلة -التي تأبى أن تتأدب بالتكنولوجيا الانضباطية التي تفرضها بنية الماكينة التنظيمية التي تطحن الجميع وتخرج قوالب متشابهة موحدة، وتنتج حقائقها، وهكذا تكون الوجه الآخر للمخزن باعتباره بنية ثقافية- فهم في طلب الحق والخير متوسلين العلم والمعرفة النقدية وكذا الفطنة ومحصنون عن التلاعب بعقولهم (Manipulation).

بسبب هاتين النقطتين كنا نعتقد أن الثراء الفكري والمشاريع التغييرية وكذا الخلافات داخل التنظيم يجب أن تدبر من خلال آلية العمل بالتيارات داخل الحزب، هذا الحزب الذي يعد حزباً خاصة فهو حزب يؤمن بالصيرورة والتحول، له القدرة على جمع الأحزاب اليسارية وتبني الحركات الاجتماعية والجمعيات السياسية المناضلة وصهرها في صيرورته التاريخية، فهو "اليسار الاشتراكي الموحد" في الماضي، و"الاشتراكي الموحد" حاضرا، وحزب "اليسار الديمقراطي" مستقبلا. هكذا تم التعاقد في المؤتمر الرابع للحزب والعقد شرعة المتعاقدين.

 

رأي فيما يحصل وطنياّ:

بناءً على ما سبق ومن خلال التمييز بين الحزب كما هو كائن والحامل لأمراض متعددة قد تكون سبب تداعيه وانفراطه وتشظيه، أو البقاء فيه على أمل تحقيق الحزب الذي نطمح أن يكون. لاحظت ما يلي :

1- أننا منذ المؤتمر الرابع للحزب ونحن نعيش على وقع عمل بين "إخوة أعداء"، في اصطفافات تمت قبيل المؤتمر وبعده، أدت إلى الامتناع عن التصويت لمجموعة أعضاء لائحة الورقة المعتمدة بالأغلبية في المؤتمر وتنمرهم على الباقي. ثم دعم تيار فتي للأمينة العامة بشيك على بياض ومساهمته في إذكاء نار الفتنة بين الرفاق محليا ووطنيا وخاصة بعدما تم تمثيله في المكتب السياسي. وامتناع الأمينة العامة للترشح لعضوية المجلس الوطني إذا ترشحت فلانة. كلها أحداث جرت هنا وهناك لكن كان لها أثرها في رؤية كل طرف للأخر والاصطفاف ضده والتحول من "إخوة أعداء" مضمرة إلى "إخوة أعداء" صريحة.

2- بعد المؤتمر سعت المجموعة (المستقلين) آنفة الذكر، في إطار صراعها حسم بعض الجهات الترابية وكذا القطاعات إلى أعضائها بالأغلبية، ولا مثال يحضرني والذي كنت شاهدا عليه أكبر من الكولسة التي تمت في مؤتمر الشبيبة الأخير، حشدت؛ الذي بلغت فيه دناءة الممارسة والإقصاء مستويات عجائبية لا ترقى للأخلاق اليسارية والاختلاف وكنا حينها نرغب أن ننسحب منه لولا رجاء منيب ورفاقها وتقديرنا الذي كنا نرى هذه الفئة صادقة أمام ذاك الذي تمت ممارسته في المؤتمر. واستمرت معركة تكسير العظام وحسم كل فرقة لقطاع أو لجنة أو جهة أو مؤسسة موازية، واتسع رأب الخلاف، ونمت خطابات عنف وسباب وطرد واقصاء.

3- كان للأمينة العامة دور في إشعاع الحزب وطنيا بالإضافة لدور الفروع في تعريفه في الميدان من خلال الحركات الاجتماعية والنقابية والجمعيات الحقوقية، بالإضافة إلى عمل وترافعات البرلمانيين "بلافريج" و"الشناوي" في قبة البرلمان، و"نجيب أقصبي" في حديثه عن الاقتصاد، و"الساسي" بكتاباته في المجال السياسي. لكن دور الأمينة العامة تعاظم بشكل كبير من خلال حيويتها ونشاطها في تغطية أنشطة ندوات ومحاضرات في المراكز والهوامش القصيّة في كامل التراب المغربي. واتسع هامش تحركها من أدوارها التحكيمية كأمينة عامة إلى تحركات خلخلت هذا الدور التحكيمي المتوازن، فالمفروض فيها أن تكون الصوت الممثل للجميع داخل الذات التنظيمية. فأصبحنا أمام تحركات تمركزت حول "الذات" الشخصية، والسعي لتكسير المخالفين، قد لا نتفهم أنها ردات فعل نفسية وتنظيمية عمّا كان يُفعل، لأن دور الأمينة العامة كما أسلفت الذكر ليس الانحياز لطرف ضد آخر. وبدا هذا الدور التحكمي في صراعها مع الرفيق "بلافريج" في بداية جائحة كورونا ليأخذ الصراع منحى الحجر التنظيمي ضد البرلماني، فتوارى في الظل. ليستمر في عدة محطات اتسعت حركاتها وحركة المكتب السياسي التنفيذي الموالي لها على حساب المجلس الوطني التقريري تحت ظرف كورونا، كانت أخرها تلك الندوة التي شاركت فيها بـ "دمنات" في إطار جلب ولاءات جدد. وزاد البون بين الأمينة وباقي التيارات المعلنة و القابلة للإعلان والظهور. ثم أصبح إشعاعها منذ الجائحة إشعاعا سلبياّ، في المصحف نجد الآية الكريمة: "ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا"، هكذا أصبح حال أمينتنا العامة بتبنيها لنظريات المؤامرة تجاه فيروس كورونا واللقاحات، وازدواجية المواقف تجاه هذه المواضيع، وتوقيعها مع اليمين الأوروبي المتطرف الذي يؤمن هو الآخر بتلك الأطروحات. ومن خلال متابعتي، فإن المسألة ليست نشازا عندها بل نمطا في التفكير بدءاً بندوة التعليم في تطوان التي صرحت فيها بنظرية تآمرية، مكررة ما قاله "المقرئ أبو زيد الادريسي" عن "دراسة سرية جدا جدا من أن بعض المختبرات البريطانية تكتب العلوم من أجل المستقبل باللغة العربية". وصولا إلى خلط الأوراق تجاه "كورونا" عوض الاهتمام وحصر النقاش بالسياسات الصحية للبلد، وصولا إلى بارانويا تنظيمية يختلط فيها الحابل بالنابل فتسحب تصريح الانتخابات، وتتهم من وقع تياراّ شرعياّ بقوة القانون من داخل الحزب ورام التوحيد ورأب صدع الخلافات، بأنه خارج التنظيم والموقعون عليه يعتبرون خارجه. إذن بخطواتها هذه، وبتبرير مريديها وحلافائها، اكتملت ملامح تيار استحواذي يسعى إلى القضاء على كل التراكمات المنجزة، والتراكم أساساً ابن النمو والنهضة والحداثة ..

4- لعب "تيار اليسار المواطن" التي انتميت له في بدايته، والذي يتمثل أعضاؤه في المكتب السياسي دور عود ثقاب أساسي في خلق الفتنة الداخلية من خلال تقويض أطروحة الاندماج من خلال مراوغته بمصطلحات "إنضاج الشروط"، ناهيك عن توسعه في أفراد المنظمة سابقاّ واللعب على أوتار النوستالجيا التنظيمية، والنفخ في نار أي نقاش من شأنه شيطنة المستقلين، والساسي ورفاقه وبلافريج لاحقا، وهذا الدور برز على المستويات المحلية كما هو الحال في فرع تطوان على سبيل المثال. وسيجل التاريخ دوره السيء في اللعب على التناقضات وعوض الجمع سعى للتشتيت والبعثرة.

5- التيار الوحدوي أو المنشقين بتعبير التيار الاستحواذي من داخل الاشتراكي الموحد، أخطأ التقدير في اعتقادي بانسحابه من الحزب في هذه الظرفية الدقيقة، فالاندماج حسب المماطلين كما المتحمسين يجب ألا يتأخر عن ست أشهر بعد الانتخابات. كان من الأجدى الانتظار، ثم خوض الاندماج، ونحن في سيرورة الاندماج كان يجب التساؤل: هل سنندمج من حزب ذو أربع مكونات متصارعة في حزب جديد؟ ونحن نعلم الأزمة العميقة التي تعيشها الأحزاب في العالم بل اللعبة الديمقراطية برمتها.. هل سنهرّب مشاكلنا وطبيعتنا الانشطارية إلى الاندماج الجديد؟

أليس الأجدى أن نتحول إلى حركة سياسية بتيارات متعددة ؟ فيها اليسار الليبرالية واليسار اللا سلطوي واليسار الماركسي وغيره من الأطروحات التي تجمعنا في خانة التغيير دون أن ننمحي في عقيدة توحيدية..

هل يمكن أن أجد نفسي في هذا المشروع؟ وأنا الذي أرغب في أن أرى مشروعاً يسارياً جديد، يسار ينهل من الأدبيات المعاصرة المبني على نقد السياسات النيوليبرالية من نظريات كنزية جديدة/وما بعدها، وما بعد النسوية وما بعد الانسان، لا يسار ينهل من الأدبيات السوڤياتية العتيقة الذي كان معروفا بنزعته ضد الانسانية في ظل الحرب الباردة. يسار يتبنى القيم الكونية لكن ينطلق في تشخيصه وحلوله من طبيعة المجتمع المغربي المركب، وواقعية نظامه التبعي. يؤسس لنفسه كاستمرارية مقاومة من تاريخه الموري.. يسار مركب، فهو ليبرالي في سياقات المحافظة المجتمعية، يسعى لتكريس الحريات حين يكون أمام قضايا تكميم الأفواه، ويدافع عن الملكية والخوصصة في سياقات اقتصاد الريع والضيعات الكبرى. وهو اشتراكي واجتماعي في دفاعه عن المؤسسات الدولة، وتدخل الدولة في الاقتصاد في القطاعات الأساسية كالتعليم والصحة، ومدافع عن مؤسسات الحماية الاجتماعية، يقف بجانب المهمشين والمقصيين ويحض على الانتاج لا على الكسل. وهو أناركي حين تصبح الدولة تقارب الاحتجاجات والقضايا بيد من حديد وبمقاربة أمنية صارمة.. حركة يسارية قد يجد فيها الكثير من المواطنين والشباب مكاناّ لهم. هل يمكن أن أجد نفسي في هذا المشروع؟

 

رأي فيما يحصل محليا :

ما حصل وطنياّ حصل محليا من قبل، وقد تم استيعابه بشكل ذكي، كانت كل المحاولات ومعاول الهدم تساهم في نسف وحدة الحزب. اعتبر فرع تطوان من بين الفروع النموذجية في الحزب، كان يمكن العودة إليه لعله ينظر للأمر بطريقة تمنع انفراط عقد الحزب. قبيل المؤتمر بدأت معاول الهدم مع التيار الفتان الذي ذكرته سابقاّ، وأتذكر وجودي في تلك التجربة اقتراحا لمَا تم في أرضيته ومراجعةّ ومساهمةّ في التنظيم بأسف. فقد بدأت مع هذه التجربة الكولسة، والتعبئة للاجتماعات ومجالس الفروع، واتهام باقي الرفاق وتجربتهم بتسمية الحشرات.. كرة الثلج كبرت وتحالفت مع ذوات منتفخة بالفراغ، تدعي أخلاقاً يسوعيةً كاذبة تدعي الصلب فداءً لمعصية متخيلةٍ للفرع فيما تبث سمومها في المجالس الخاصة والعامة. انبثق عن وعي أن هذه الذوات في تواطئ مع التيار، إنشاء جمعية تابعة لبلافريج بالمدينة بشكل خفي ينقصه الوضوح والشجاعة دون استشارة واخبار فرع الحزب في خطوة تروم المزيد من الضرب تحت الحزام وإفشال التجربة، ناهيك عن تجيش البعض من أجل الاستقالات لحصار الفرع و شبيبته ومكتبه..

ورغم كل هذا، اعتبر الفرع فرعاً نموذجياً، باشتغاله واقتراحاته ومشاركاته في المحطات النضالية سواءً في الحركات الاحتجاجية والحقوقية وفتح مقراته لها، أو في المشاركة في الانتخابات ومراكمة الأصوات من أجل تجربة الذروة ..

لتأتي هذه الأزمة التنظيمية الوطنية وتنزل علينا كلعنة من مجموعة من الرفاق الذين كان أغلبهم بعيدا عن الحزب والمساهمة فيه ليدعو وصالاً بليلى ويتهموا الرفاق الذين يرغبون في التريث مما يحصل وطنيا بالانسحاب واتهامهم بالتقية وكل التهم، ففي تفكيرهم لا وجود إلا للأبيض و الأسود، ولا عجب أن نجد خلفهم التيار مجدداّ وأصحاب الذوات المنتفخة بالفراغ.

لكن من قرأ لـ "ع. العروي" سيفهم سبب هذه الهجمة في توقيت الانتخابات، يقول في "ديوان السياسة": "يُروى عن أحد قادة الحزب الاشتراكي الفرنسي أنه لمّا كان طالبا في معهد الدراسات السياسية يستعد لولوج المدرسة الوطنية للإدارة العامة، حيث يتم تكوين النخب السياسية، قرر المشاركة في النشاط الحزبي، فتساءل: تحت أي يافطة، اليمين أو اليسار؟ فاختار اليسار لأنه لاحظ أنه يفتقر آنذاك إلى شخصيات قيادية."

إن البعض في هذه المحنة فهم أنه إن تم تكسير عظام رفاق الفرع والتضيق عليهم فلن يجد من يعترض عليه، أو يسائله عن اسهاماته ومبادراته، ومستحقات المشاهرات والعضوية و الحضور والفاعلية، وسيسهل ترشحه في غياب أسماء حقيقية.. إنها الغنيمة التي تحرك مجموعة من الرفاق اليوم، وفي مسعاهم لذلك أنشئوا لأنفسهم قبيلة وعشيرة، وزيفوا الوقائع ونشروا العقيدة.. عقيدة لا تقبل الاختلاف والتعدد والاحترام والحب.

 

طالب باحث وعضو بالاشتراكي الموحد