الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

كريم مولاي:الجزائر في ذكرى ثورتها.. بلاد طاردة لأبنائها

كريم مولاي:الجزائر في ذكرى ثورتها.. بلاد طاردة لأبنائها

مرت ذكرى ثورة الفاتح من نوفمبر هذا العام في الجزائر، ذكرى انطلاقة معركة التحرير الوطني على غير العادة، ولم تفلح الحملة الإعلامية المكثفة التي قادتها وسائل إعلام النظام والناطقين باسمه في دفع الجزائريين الى استحضار معاني الثورة الحقيقية وضخامة الإنجاز الذي حققه الأبطال الجزائريون في هزيمة الاستعمار الفرنسي.

وبدا واضحا للعيان أن اهتمام الجزائريين كان منصبا أكثر على مشاغل الحياة اليومية، التي تزداد تعقيدا، في ظل استمرار التدهور الاقتصادي وفشل السياسات التنموية الحكومية في إحداث أي تحول حقيقي في معيشة الناس وفِي البنية التحتية للبلاد.
وبدل أن تنصب اهتمامات وزراء النظام في إقناع الجزائريين بمشاريع اقتصادية وسياسية وثقافية من شأنها أن تسهم في صناعة الأمل، ومقاومة مظاهر اليأس والإحباط التي استبدت بالشباب الجزائري، ودفعته الى المغامرة بحياته في قوارب موت، بدلا من ذلك انصرف وزراء النظام إلى تصدير فشلهم إلى الخارج.
لذلك رأينا وزير خارجية النظام وهو يهاجم المغرب ويتهمها بتبييض أموال الحشيش في إفريقيا، في محاولة لتبرير فشل نظامه ليس في ولوج إفريقيا وإنما في إحداث تنمية داخلية شبيهة بتلك التي يشهدها المغرب الجار.
ولم يقف الأمر عند الهجوم اللفظي بل تجاوز ذلك إلى البدء ببناء حاجز مكهرب على الحدود مع المغرب في محاولة لايهام الناس بأن مشكلة الجزائر مع المغرب هي مشكلة مخدرات وتهريب، والحقيقة أن الامر أعقد من ذلك بكثير، لأن مشاكل الجزائر داخلية بامتياز.
وعوض أن يبادر النظام إلى إعادة النظر في سياساته التي اغتالت كل نفس له علاقة بثورة نوفمبر، باعتبارها فعلا حضاريا ليس فقط لطرد أطول وأشرس استعمار شهدته المنطقة، وإنما لبناء دولة حديثة قوامها المؤسسات وسبيلها التداول السلمي على السلطة، بدل ذلك مارس سياسة الهروب إلى الأمام، سواء في التمسك برئيس ميت لم يسمع الجزائريون صوته، ولم يروه واقفا على قدميه منذ عدة سنوات، أو في رفض القبول بشراكة حقيقية مع القوى السياسية الفاعلة.
ولقد كان لافتا للانتباه أن الشباب الجزائري احتفل بذكرى اندلاع الثورة التحريرية، ليس باستذكار جرائم الاستعمار الفرنسي، وإنما بالتقاطر على المركز الثقافي الفرنسي في الجزائر العاصمة بحثا عن تأشيرة عبور إلى الشمال، بعد أن تحولت بلاد الثورة إلى طاردة لابنائها.
وهي رسالة مضمونة الوصول الى حكام الجزائر أولا، ثم إلى الفرنسيين ثانيا مفادها، أن الشعب الجزائري يشهد بفشل حكوماته المتعاقبة في بناء الدولة العادلة، الضامنة لحياة مواطنيها، ويرنو إلى النموذج الغربي باعتباره المثال الواقعي لاحترام حقوق الانسان.
لكن الرسالة الأهم التي يقرأها كل سياسي عاقل، في الجزائر كما في الضفة الشمالية للمتوسط، أن هذه الأنظمة الطاردة لأبنائها، من قبيل النظام العسكري في الجزائر، تمثل تهديدا ليس لشعوب تلك الدول، وإنما خطرا على الأمن الإقليمي، في ظل عالم يتحول شيئا فشيئا إلى قرية صغيرة.