الخميس 2 مايو 2024
سياسة

محمد المرابط: في انتظار الزلزال السياسي، أي إجراءات لاستيعاب ملف حراك الريف سياسيا؟

محمد المرابط: في انتظار الزلزال السياسي، أي إجراءات لاستيعاب ملف حراك الريف سياسيا؟

يصعب الجزم -في تقديري المتواضع- بكون الإعفاءات السياسية الأخيرة، تفي بالمراد من "الزلزال السياسي" الوارد في خطاب افتتاح الدورة التشريعية الحالية. فمثلا تقرير المجلس الاعلى للحسابات، استثنى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، من افتحاص أدائها ضمن محور "المجال الديني"، لمشروع "الحسيمة منارة المتوسط".. والحال أننا لا نعلم في المقابل توجيها للمجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف العامة، بتولي مثل هذا الافتحاص. وهكذا نلاحظ ان هذا التفصيل يفتح لوحده نافذة لنقاش مستفيض حول زلزال بعكس المعنى.

ما أعتقده أن  الزلزال السياسي ما زال في حكم الغيب، والبلاد لرسم منعطف آخر، في حاجة حقيقيه إليه، وأن ما قام به رئيس الدولة لحد الآن، هو نتيجة طبيعية لإجراءات طالب بها في السابق، وكانت النتيجة في الغالب متوقعة، على ضوء ذلك.

بالنسبة إلي تكتسي إعفاءات الملك "السياسية"، يوم 24 أكتوبر 2017، قيمتها من كون أن رئيس الدولة يراكم من منطلق المسؤولية، مواقف تمنحه فرادة التميز، عن تعامل المرحوم الحسن الثاني مع أحداث 1984، حيث تعامل مؤسساتيا، وأنصف الحراك في خلفيته الاجتماعية، ولم يغضب لشخصه. وهذا المسلك الحكيم في التدبير سيساعد رغم تعقيدات الملف، على إيجاد مخرج مشرف له. وهنا تكمن قوة أسلوب محمد السادس في الحكم، من خلال عمقه الإنساني في التودد إلى الشعب. وهذا يستوجب المزيد من التلاحم الوطني، قمة وقاعدة، للحد من تغول المخزن (المركب المصالحي الاستغلالي) في البلاد.

كما تكتسي هذه الإعفاءات قيمتها من خلال التجاوب الفوري لمعتقلي حراك الريف بعكاشة، وهم في مشهد العرض أمام المحكمة، حيث أعلنوا وقف الإضراب عن الطعام، وكذلك تفاعل عائلاتهم، من خلال رفع شعار: عاش الملك، ثم الرسالة المشتركة للمجاوي والزفزافي وهي تقرأ دلالة هذا الإعفاء. كل هذا يقتضي الحفاظ على هذا الزخم الواعد.

لذلك لن أقرأ مبادرة الملك، على أن الوزراء تم إخضاعهم للقانون، كما يخضع المعتقلون لذلك، على نحو ما ذهب إليه أحد الزملاء في إحدى القنوات الأجنبية، فهذا يعني أن المسار القضائي سيأخذ منتهاه، وهذا ما لا أتمناه، إذ نطمح إلى  تحصيل البعد الإصلاحي من "العقاب"، بدون المرور بمحطة هذا العقاب أصلا، بفضل العفو العام، كما نتطلع إليه. لذلك سأبقى في هذه القراءة، منسجما مع قراءتي لخطابي العرش وافتتاح السنة التشريعية الحالية، وهو أن الملك قد أضفى المشروعية على الحراك، على أن يتولى المسار القضائي تقويم أخطائه، ليتفاعل المعتقلون مع مسار هذا التقويم بالنقد الذاتي، ليتم تتويج كل هذا بإصدار العفو..

لذلك فالمطلوب للحفاظ على زخم هذا التجاوب، هو تعيين لجنة ملكية للتفاعل مع المبادرات المدنية، من منطلق السهر على بلورة التزامات متبادلة للطي السياسي للملف، وجبر الضرر سواء تعلق بالمعتقلين أو المواطنين  او القوات العمومية، وكذا التفاعل مع انتظارات أب الشهيد محسن فكري، حيث ما زال يعبر عن ثقته التامة "بالمصالح القضائية لإظهار الأسباب الحقيقية للوفاة"، وإن كنا لا نعرف هل هناك متسع في مراتب القضاء للوفاء بهذا الأمل. وأيضا إحداث عمالتين، إلى جانب عمالة الحسيمة لضمان الحكامة الجيدة للتنمية بالريف الأوسط، واحدة تهم صنهاجة السراير وبني عمارت بترجيست، وأخرى تهم أيت ورياغل بإمزورن.

وإن من شأن مثل هذه الخطوات أن تخفف من احتقان المسار القضائي. فشخصيا أعتقد أن ما يهمنا كمغاربة في هذا المسار، هو معرفة الحقيقة من خلال المرافعات، أما الاحكام القضائية، فلا أود باعتبار المقاصد، سماعها، لأنها ستذكرني بفلسفة الحملة المخزنية لبوشتى البغدادي على قبيلة إبقوية منذ أزيد من قرن. بمعنى آخر، أتطلع بامتنان إلى العفو العام، لوقف هذا المسار قبل النطق بالأحكام.

وبدون آلية اللجنة الملكية، فالمسار القضائي، سيعرف احتقانا كبيرا، خصوصا وأن هناك من هيأة الدفاع، من يراهن على ربح قضية المعتقلين إعلاميا وليس قضائيا. وأعتقد أن الحسم القضائي للملف، سيغذي العدمية في الريف بشكل لا نظير له. ولن يكون العفو الملكي بعد هذا الحسم بالنجاعة التي لو تم قبله.

إذن على الجميع، بما في ذلك هياة الدفاع والنيابة العامة، التفاعل مع خطاب العرش، وحدث إعفاء بعض مسؤولي مشروع منارة المتوسط. وكل أملي أن يلهم الله عقلنا الجمعي سبيل الرشاد، لخطوات نبقى نعتز معها كآليات مثلى للتوافق الوطني، نستطيع من خلالها كمغاربة، التمييز بين عهد يتشرب معنى الإنصاف والمصالحة وحقوق الانسان ومنطق المؤسسات، وبين عهد آخر يعود لزمن الجمر والرصاص، نعتقد أننا ودعناه إلى الأبد. وسنبقى ننتظر أي فلسفة سيعانقها، أو سيرهن لها، الوطن الآن؟