الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عزيز حميد:بصدد المعرض المغاربي للكتاب..الشاعر وخريف الثقافة

عزيز حميد:بصدد المعرض المغاربي للكتاب..الشاعر وخريف الثقافة

من مفارقات المشهد الثقافي في الجهة الشرقية..أن تنبري أم العروس للتغني بمفاتن ابنتها..بعد أن أغلقت عليها في غرفة مظلمة.. حتى لا يراها أحد..وعلى المتلقي أن يسبح بخياله بعيدا ،حتى يتمكن من رسم صورة جميلة عن العروس الغائبة عن العين....مناسبة القول، حوار أجرته السيدة شهرزاد عجرودي، مع الشاعر الكبير سامح درويش، منشور بالملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي (الجمعة27اكتوبر 2017).. الحوار كان في مجمله عن تجربته الشعرية. وهي تجربة غنية ورائدة، بصمت المشهد الثقافي وطنيا وعربيا. وأوجدت لنفسها مكانا ومكانة لا يمكن أن تكون محل نقاش، إلا من طرف المتخصصين من الدارسين والنقاد. ولو وقف الحوار عند هذا الحد، لقرأنا واستمتعنا وشكرنا. لكنه، لسبب أو لآخر، عرج فيه الحديث على حدث أثار الكثير من الجدل، والكثير من التساؤلات والمؤاخذات. إنه المعرض المغاربي للكتاب بالجهة الشرقية. وقد وضع الأستاذ المحاور نفسه في هذا الحديث موضع أم العروس. حديث إنشائي غنائي عام، يخلو من أية معطيات واقعية تسند موقفه الداعم دون تحفظ. فالمعرض في نظره "مبادرة ثقافية وتنموية رائدة"، ستعود حتما بالخير على الثقافة والمثقفين. لذلك لم يفوت الفرصة ليشكر "ناقلي" "خبرة"!!! مثل هذه التظاهرات إلينا في شرق المغرب. في أفق تملك وتحصيل هذه الخبرة في التخطيط والتنظيم".
لنعد إلى البدايات، والبداية الأصل لكل حديث في الموضوع، بيان أصدرته مجموعة من الفعاليات والمهتمين بالشأن الثقافي، تضمن بوضوح وتركيز شديدين، أهم المؤاخذات على إدارة "الخبرة"، وأسلوب تدبيرها. وتساءل عن الخلفيات التي تحكمت في إخراجها بالطريقة البئيسة التي ظهرت بها، وكان على الأستاذ درويش أن يقف على البيان كأرضية للرد والمحاججة. وأن يجيب، باعتباره مشاركا في التنظيم، عن هذه المؤاخذات لتفنيدها، وبيان ما في البيان من قصور في الرؤية، ومن"مزايدات وبهاتين" يزعم أنها هي التي حركت المعترضين. لكنه لم يفعل، واكتفي بالإشادة والتنويه بالمعرض و"خبرائه" من جهة، والهجوم بشراسة غير مبررة على منتقديه. مما يحسب للأستاذ درويش في هذا الحوار، أنه أكد على ضرورة أن يكون افتتاح الموسم الثقافي القادم، فرصة لوضع المسألة الثقافية موضع تساؤل ومعالجة. وما يحسب عليه أنه يرفض أن يكون موقف المثقفين في الجهة التي ينتمي إليها، جزءا من هذه المهمة. ساخرا ومستندا إلى تجربته الهايكية مع فصل الخريف، حيث" يتيح له ربط السماء بالأرض"وحيث" تتجمهر أوراق الخريف بدون ترخيص". و"تسقط أوراق التوت بحسن نية". ليختم بالقول، والعهدة على القائل "أنا الآن بخير..هذا الهزيم هو ما كان ينقصني".إنها إشارات ذكية منه، لما قد يحدثه خريف الثقافة من تحولات، لولا أن الذي أراده سندا له ولموقفه، هو مرحلة ضرورية لتجديد الأوراق، لا لقتل الأشجار. وبعيدا عن الخريف وتداعياته، وبما أن الأستاذ درويش هو على حد علمنا، الجهة الوحيدة التي تحدثت مدافعة عن الباطل، وناطقة باسم جهات لاذت كلها بالصمت..فإننا ننتظر منه الإجابة عما يلي، ونرجو أن يكون في صدره متسع للقبول بمبدأ "المساءلة والمعالجة" الذي أراده مدخلا لافتتاح خريف الثقافة..
- إقصاء مثقفي الجهة وإبعادهم عن المشاركة في التخطيط والتنظيم لفعاليات المعرض، وتقزيم حضورهم في أنشطته المتضخمة، حيث لم تتعد نسبة حضورهم العشرة في المائة من مجموع الضيوف والمشاركين.
- إقحام أسماء لمبدعين وكتاب دون علمهم وموافقة مسبقة منهم. وقد أصدر بعضهم بيانات للتنديد بذلك.
- التخطيط والإعداد للمعرض في سرية تامة. حتى أن الجميع فوجئ بالخبر في أخر لحظة.
- إغراق الملتقى بأنشطة تجاوزت 35 نشاطا، موزعة على ثلاثة أيام بليلها ونهارها. حيث تم تكديسها في فترات زمنية متقاربة جدا.
- إغراقه أيضا بمحاور لا يربطها أي رابط موضوعاتي بالشعار المؤطر للمعرض(المغاربي).من قبيل: الطبخ اليهودي...معنى أن تكون إفريقيا...الكتابة والإبداع في السينغال...الجائزة العالمية للرواية العربية..محاضرة حكواتية...الخ
وأخيرا وليس آخرا، فليعلم الأستاذ درويش، أن الاحتجاج الذي قلل من شأنه وهاجمه، لم يتعرض لنشاط يخصه (الموكب الأدبي مثلا)، وإنما كان موقفا من سلوك مؤسسات عمومية تتصرف في شأن عام بأموال عامة، وهو ما يعطي الحق لأي مواطن أن يطرح بشأنه تساؤلاته، وحتى اعتراضاته على ما قد يراه سوء تدبير وتبذير. فكيف سمح له ضميره أن يضرب الجميع ضربا موجعا تحت الحزام؟ دون حتى أن يعطي لنفسه مهلة للتأمل في تداعيات الحدث. وهو يعلم جيدا أن الغضب لم يقتصر على بيان الفعاليات، بل طال جهات أخرى عديدة، منها فرع اتحاد كتاب المغرب، واتحاد الناشرين المغاربة، وجمعية الكتبيين بوجدة...ومثقفين كثيرين، إما أصدروا بيانات فردية في الموضوع، أو قاطعوا فعاليات المعرض، أو نددوا بإقحام أسمائهم دون علمهم كما سبقت الإشارة إلى ذلك..فكيف يجتمع كل هؤلاء على باطل، ويقف الأستاذ درويش منهم موقف التبخيس والاحتقار. رغم ألا أحد منهم أشار إليه بالاسم أو الصفة؟
ختاما، لا يسعنا إلا أن نحزن لهذا الموقف العدائي، من شاعر كبير، كان أولى أن يكرس جهده ووقته لإبداع الصيغ القادرة على إعادة ترتيب المشهد الثقافي، ومده بالخبرة الحقيقية في التأطير والتشارك، بدل أجواء الصراع المفتعلة لأغراض أبعد ما تكون عن الموضوعية والنزاهة الفكرية.