بعد ردود الأفعال المتباينة والجدل الحاد الذي خلفه تشييع جنازة الأطفال المغاربة الأربعة: سيف 11سنة، صوفيا 7 سنوات، صوريا 5 سنوات ثم سفيريا 3 سنوات، داخل الكنيسة على الطريقة المسيحية، الأطفال الذين كانوا قد لقوا حتفهم اختناقا داخل البيت بعد أن أقدم الأب على إضرام النار عمدا، حسب ما أفادت التحقيقات الأولية، واضعا بذلك حدا لحياته وحياة أطفاله، بعد أن ضاقت به السبل جراء الأزمة المادية الحادة التي كان يمر منها، حيث كان قد وجه رسالة بهذا الخصوص إلى المصالح الاجتماعية لبلدية مدينة كومو يوم 16 شتنبر 2017، موضحا وضعه الاجتماعي والصعوبات التي تواجهه في إعالة اطفاله، الرسالة التي حمل فيها المسؤولية لموظفة المصالح الاجتماعية ورئيسها في عدم مساعدته وتلبية مطالبه.
ولأن الأم المغربية (لبنى) كانت موجودة في مستشفى الأمراض النفسية تخضع للعلاج منذ مدة، فهي الناجية الوحيدة من الحادث المأساوي، وحلقة الوصل بين الجثامين والسلطات الإيطالية، هذه الأخيرة التي احترمت اختيارها في أن تقام مراسيم جنازة أطفالها داخل الكنيسة على الطريقة المسيحية، وسبب ذلك يعود، كما ذكرت وسائل الإعلام، وبعض المقربين، إلى اعتناقها الديانة المسيحية منذ فترة. فيما تكفلت القنصلية المغربية بطلب من أم الضحية المنتحر، جدة الأطفال الموجودة بالمغرب، بنقل جثمان ابنها إلى وطنه الأصلي، بعد أن صلي عليه صلاة الجنازة على الطريقة الإسلامية بمسجد كومو ظهر يوم الجمعة 27 أكتوبر 2017.
هكذا انقسمت الأسرة ما بين المقبرة المسيحية والمقبرة الإسلامية والكنيسة والمسجد وعودة الأم إلى مصحة الأمراض النفسية، لتبقى حقيقة ما جرى في علم الله وحده، وتنتهي بذلك حكاية مأساوية عاشت أحداثها أسرة مغربية.
وبنهاية هذه الحكاية، تبدأ وتُسترسل حكايات أخرى لأسر مغربية تعاني ما تعانيه من وقع الأزمة الاقتصادية التي تعرفها بلدان الإقامة، وتبدأ معها كذلك طرح مجموعة من الإشكالات والتساؤلات المتعلقة بملف الهجرة من قبيل: سؤال الهوية الذي يعتبر أحد أهم الأسئلة، خصوصا مع انسلاخ بعض المغاربة وابتعادهم عن قيمهم الثقافية والدينية واللغوية الأصلية وعدم استيعابهم لمعنى الاندماج داخل المجتمع الأوروبية.
كما أن ضعف التأطير الديني أو انعدامه إلا من خطب الجمعة التي تكرر نفسها، أضف إلى ذلك الانعكاسات السلبية التي خلفتها الأزمة الاقتصادية التي تعرفها جل دول أوروبا، وتنامي الدعوات التبشيرية المسيحية، والتي لا يخلو منها شارع أو زقاق، خصوصا أيام السبت والأحد، كل هذه العوامل وغيرها كثير ساهمت في تعميق أزمة المهاجرين، مما يستدعي تظافر جهود كل الأطراف: الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج، مجلس الجالية، القنصليات ومؤسسات المجتمع المدني، لإيجاد حلول بديلة ووضع استراتيجية واضحة المعالم تعتمد التحليل الملموس لواقع الجالية مع مراعاة خصوصيات بلدان الإقامة، من أجل رد الاعتبار للمهاجر المغربي كطاقة فاعلة وكرقم أساسي في معادلة التطور الاقتصادي والاجتماعي الوطني.