الجمعة 3 مايو 2024
كتاب الرأي

المرزوقي:من الزلازل الطبيعية.. للزلازل السياسية، قراءة في بلاغ الديوان الملكي

المرزوقي:من الزلازل الطبيعية.. للزلازل السياسية، قراءة في بلاغ الديوان الملكي

من خطاب عيد العرش:
"إننا في مرحلة جديدة لا فرق فيها بين المسؤول والمواطن في حقوق وواجبات المواطنة، ولا مجال فيها للتهرب من المسؤولية أو الإفلات من العقاب."

إن قراءة في البلاغ الصادر عن الديوان الملكي بتاريخ 24 أكتوبر 2017، وإعادة تركيبه، تٌبين إلى حد بعيد أن الأمر لا يتعلق بتدابير ظرفية فقط أملتها أحداث الحسيمة لوحدها، وإن كان لها الفضل في تسريع اعتمادها، بل الأمر يتعلق بسياسة جديدة قوامها تفعيل مختلف المقتضيات الدستورية التي عجزت الأجهزة الأخرى عن تفعيلها. فالمجلس الأعلى للحسابات على سبيل المثال يُصدر سنويا تقارير تضع اليد على مئات المخالفات في تدبير الشأن العام، كما يُقدم تقريرا سنويا بهذا الخصوص أمام البرلمان، لكن لا الحكومة ولا البرلمان قاما بما يلزم من استخلاص النتائج التي ينبغي أن تترتب عن هذه التقارير.

لذلك، فإن ما وقع يوم 24 أكتوبر، يُبرز أن عدم تفاعل الجهازين التنفيذي والتشريعي مع التوجيهات الملكية الواردة خاصة في الخطب الأخيرة، سرع من عملية تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة من قبل صاحب الجلالة بنفسه.

لقد سبق للملك، خلال المجلس الوزاري المنعقد 25 يونيو 2017 أن وجه الانتباه إلى مسألة ربط المسؤولية بالمحاسبة، وأعطى إشارات واضحة ومباشرة في خطاب عيد العرش الأخير يوم 29 يوليوز 2017، حيث أشار إلى أن "برامج التنمية البشرية والترابية، التي لها تأثير مباشر على تحسين ظروف عيش المواطنين، لا تشرفنا، وتبقى دون طموحنا"، وأرجع ذلك إلى "ضعف العمل المشترك، وغياب البعد الوطني والاستراتيجي، والتنافر بدل التناسق والالتقائية، والتبخيس والتماطل، بدل المبادرة والعمل الملموس"، وهو ما دفع جلالته إلى التشديد على " ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية، من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة". ولأن "هذا الوضع لا يمكن أن يستمر"، فقد بدا واضحا منذذلك الخطاب أن تدابير كبيرة سيتم اتخاذها قريبا.

ويُمكن القول إن هذا الخطاب الملكي، كان يحمل بشكل واضح عزيمة أكيدة على تطبيق هذا المبدأ، وفق منهجية تدرجية، بدأت في خطاب عيد العرش بتنبيه المسؤولين بقوله: "لكل هؤلاء أقول: كفى، واتقوا الله في وطنكم... إما أن تقوموا بمهامكم كاملة، وإما أن تنسحبوا"، مع التنبيه إلى أنه "قد حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدأ...أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة"، بل أن هذا الخطاب أشار إلى تطبيق مبدأ تم استعماله لأول مرة، ويتمثل في مبدأ عدم "الإفلات من العقاب".

وأمام عدم تفاعل أي مسؤول مع هذه المقتضيات، جاء الخطاب الافتتاحي للدورة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة واضحا وصريحا في هذا الاتجاه.

وسنقوم هنا بقراءة في مضمون البلاغ الصادر عن الديوان الملكي، من زاويتين:

الزاوية الأولى: على مستوى التقرير الذي تم على أساسه اتخاذ التدابير

- احترام المقتضيات الدستورية من خلال استقبال الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، بحضور رئيس الحكومة، الذي استمع بدوره لتقرير الرئيس الأول للمجلس المتضمن لنتائج وخلاصات المجلس حول برنامج الحسيمة منارة المتوسط؛

- اعتماد التقرير على إثبات وجود مجموعة من الاختلالات تم تسجيلها في عهد الحكومة السابقة بناء على التحريات والتحقيقات، وعلى كون عدة قطاعات وزارية ومؤسسات عمومية لم تف بالتزاماتها في إنجاز المشاريع؛

- تسجيل التقرير لكون المسؤولين المعنيين قدموا الشروحات اللازمة، لكنها لا تبرر التأخر الذي عرفه تنفيذ هذا البرنامج التنموي، مما يعني أنهم مارسوا حقهم في الدفاع عن أنفسهم؛

- تأكيد التقرير عدم وجود حالات غش أو اختلاسات مالية؛

- اعتماد التقرير على منهجية متسلسلة في إثبات الاختلالات، وذلك وفق التسلسل التالي:

أولا: انتقاد غياب الحكامة     

احتلت مكانة هامة ضمن تقرير المجلس الأعلى للحسابات، وعلى سبيل المثال:

- اللجنة المركزية للتتبع، المكونة من المسؤولين الوزاريين المعنيين، لم تجتمع إلا في فبراير 2017، أي حوالي 16 شهرا بعد توقيع الاتفاقية؛

- عدم قدرة اللجنة المحلية للمراقبة والتتبع، التي يرأسها عامل الإقليم آنذاك، على تعبئة وتحفيز مختلف الشركاء، وعلى إضفاء الدينامية اللازمة لإطلاق المشاريع على أسس متينة؛

- تجديد الدعوة الملكية لاتخاذ كافة الإجراءات التنظيمية والقانونية، لتحسين الحكامة الإدارية والترابية، والتفاعل الإيجابي مع المطالب المشروعة للمواطنين.

ثانيا: فضح وسائل التهرب من المسؤولية

- لجوء بعض القطاعات المعنية، إلى تحويل رصيد من مساهماتها المالية لوكالة تنمية أقاليم الشمال، كوسيلة للتهرب من المسؤولية؛

- فضح التهاون في تنفيذ المشاريع المبرمجة؛

- تأخر كبير في إطلاق المشاريع، مع عدم إطلاق الغالبية العظمى منها أصلا؛

- غياب مبادرات ملموسة من قبل بعض المتدخلين المعنيين بإطلاقها الفعلي.

ثالثا: تحديد الجهة المسؤولة

وتتمثل في الحكومة التي كان من الواجب أن تتحمل مع اللجنة الوزارية للتبع، مهمة الإشراف المباشر على المشروع، بمبادرة من وزير الداخلية، لاسيما أثناء فترة انطلاقته.

الزاوية الثانية: على مستوى التدابير التي تم اتخاذها بناء على التقرير

أولا: احترام الدستور

- الاستناد على الصلاحيات الدستورية للملك لاتخاذ التدابير، باعتباره الساهر على حقوق المواطنين وصيانة مصالحهم (الفصل 42 من الدستور)؛

- تفعيل أحكام الفصل الأول من الدستور، وخاصة الفقرة الثانية منه، المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة؛

استشارة رئيس الحكومة

- الاستناد على أحكام الفصل 47 من الدستور، ولاسيما الفقرة الثالثة منه، وذلك من خلال إعفاء عدد من المسؤولين الوزاريين بعد استشارة رئيس الحكومة؛

- تكليف رئيس الحكومة برفع اقتراحات لتعيين مسؤولين جدد في المناصب الشاغرة (الفقرة الثانية من الفصل 47 من الدستور).

- احترام صلاحيات رئيس الحكومة، فيما يخص اتخاذ التدابير اللازمة في حق باقي المسؤولين الإداريين الذين أثبتت التقارير في حقهم تقصيرا واختلالات في القيام بمهامهم، باعتبار أن الفصل 89 من الدستور يضع ضمن صلاحيات الحكومة "ضمان تنفيذ القوانين"، ويضع الإدارة تحت تصرف الحكومة؛

ثانيا: احترام القانون

- إحاطة التدابير المتخذة بكل الحجج والبراهين التي تُثبت وجود تقصير في القيام بالمسؤولية من خلال مختلف التقارير المرفوعة من طرف المفتشية العامة للإدارة الترابية، والمفتشية العامة للمالية، والمجلس الأعلى للحسابات؛

- تحديد المسؤوليات، بشكل واضح ودقيق.

ثالثا: اتخاذ التدابير اللازمة

1- الإعفاءات من المسؤولية بالنسبة للمسؤولين المزاولين لمسؤولية ما:

  • إعفاء المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.

2- معاقبة المسؤولين في الحكومة السابقة والمعنيين بالاختلالات، والذين لا يتحملون حاليا مسؤولية ما، وذلك بتطبيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب:

  • تبليغهم عدم رضا صاحب الجلالة عنهم، لإخلالهم بالثقة التي وضعها فيهم؛
  • حرمانهم من أية مهمة رسمية مستقبلا.

ويتعلق الأمر بكل من:

وهكذا يتضح أن الأمر يتعلق حسب الوضع في الحكومة السابقة والحالية بـ:

03 من حزب التقدم والاشتراكية؛

06 من حزب الحركة الشعبية؛

02 من التكنوقراط.

رابعا: نتائج التعليمات الملكية السابقة وفق تقرير المجلس الأعلى للحسابات

- تسجيل دينامية جديدة على مستوى تعبئة مختلف المتدخلين، وتحقيق تقدم ملموس على صعيد إنجاز المشاريع؛

- الإشادة الملكية بالجهود التي تبذلها الحكومة الحالية، للإسراع بتنزيل المشاريع المبرمجة؛

- التوجيهات الملكية لأخذ العبرة من المشاكل التي عرفها البرنامج التنموي منارة المتوسط، لتفادي الاختلالات والعوائق التي قد تعرقل إنجاز الأوراش التنموية بمختلف جهات المملكة.

خامسا: التنبيه للمستقبل

- التذكير بحرص الملك شخصيا على متابعة كل المشاريع التي يعطي انطلاقتها، واعتماده منهجية خاصة، تقوم على النجاعة والفعالية والإسراع في التنفيذ، وعلى ضرورة احترام الالتزامات؛

- إثارة الانتباه إلى السياسة الملكية الجديدة، التي لا تقتصر على منطقة الحسيمة فقط، وإنما تشمل جميع مناطق المغرب، وتهم كل المسؤولين على اختلاف مستوياتهم، في نطاق إعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتحفيز المبادرات البناءة، وإشاعة قيم الوطنية الحقة والمواطنة الملتزمة بخدمة الصالح العام؛

- إصدار تعليمات لوزير الداخلية، قصد القيام بالتحريات اللازمة على الصعيد الوطني، بشأن المسؤولين التابعين لوزارة الداخلية بالإدارة الترابية على مختلف درجاتهم؛

- توجيه الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، للانكباب على دراسة وتقييم عمل المجالس الجهوية للاستثمار.