الخميس 28 مارس 2024
سياسة

محمد أحداف: بيان الخارجية الأمريكية بشأن ملفي الريسوني والراضي أقصى وجهة نظر الضحايا

محمد أحداف: بيان الخارجية الأمريكية بشأن ملفي الريسوني والراضي أقصى وجهة نظر الضحايا الخبير محمد أحداف
يرى د. محمد أحداف، الخبير في العلوم الجنائية بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس أن بلاغ كتابة الدولة في الخارجية الأمريكية في ما يتعلق بقضية الصحفي الريسوني أتى متسرعا على أكثر من مستوى، حيث لم تأخذ بعين الاعتبار أن الحكم يعتبر حكما ابتدائيا، وأن الملف لازال معروضا على درجة الاستئناف.
كما يتطرق إلى تقصير وزارة الخارجية المغربية وبعض الجهات الحكومية ذات الصلة بالموضوع في مد وزارة الخارجية الأمريكية بكافة المعطيات المحيطة بملفي الراضي والريسوني، مؤكدا بأن الأمر يتعلق بخصومات بين مواطنين لا شأن في ذلك للدولة يتعلق بالمساس بحرية التعبير والحق في التنظيم كما جاء في بيان كتابة الدولة في الخارجية الأمريكية.

كيف تلقيت بيان كتابة الدولة في الخارجية الأمريكية والذي وصف الحكم الإبتدائي الصادر ضد الصحفي سيلمان الريسوني بكونه يشكل " خيبة أمل " ؟
أعتقد أن بلاغ كتابة الدولة في الخارجية الأمريكية أتى متسرعا على أكثر من مستوى، حيث لم تأخذ بعين الاعتبار أن الحكم يعتبر حكما ابتدائيا، فالملف لازال معروضا على درجة الاستئناف، وكما نعلم فإن الأحكام التي يمكن أن تؤخذ بصددها مواقف مثل موقف كتابة الدول في الخارجية الأمريكية يجب أن يتعلق مبدئيا بالأحكام النهائية،  وحيث أن الحكم ليس نهائيا فالأمر يؤكد مسألة التسرع في التعليق.
المسألة الثانية ذات الصلة بالموضوع، أن بيان كتابة الدولة في الخارجية الأمريكية لم يأخذ بعين الاعتبار أن الأمر يتعلق بخصومة جنائية بين مواطنين داخل دولة وهي المملكة المغربية، ولا أعتقد أنه من الصواب سواء بالنسبة لدولة الولايات المتحدة الأمريكية أو بالنسبة لكل الدول التي تدافع عن حقوق الإنسان والقيم الكونية والمعايير الكونية للمحاكمة العادلة وما يتصل بها من حقوق ومعايير، أن تتدخل في الخصومات بين الأفراد وإلا سيتعين على كتابة الدولة في الخارجية الأمريكية وغيرها أن تتدخل في الخصومات بين الجيران أو في الخصومات بين المزارعين، أو الخصومات المتعلقة بحوادث السير..

في هذا الإطار، بيان كتابة الدولة في الخارجية الأمريكية يعبر عن قلها الولايات المتحدة الأمريكية بشأن المساس بحرية التعبير والحق في التنظيم، ما رأيك ؟
موضوع حرية التعبير هو شأن كل الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، ولا أعتقد – وهذا ليس دفاعا عن المملكة المغربية - أن هناك تضييقا على حرية التعبير في هذا البلد، فلو كان الأمر يتعلق بنزاع بين الدولة المغربية والصحفي المتهم في هذه القضية لقلنا افتراضا أن الأمر يتعلق بالتضييق على حرية التعبير، وأتحدث هنا من موقعي كأستاذ للعلوم الجنائية وكمتخصص في المحاكمات الجنائية، فالموضوع يتعلق بخصومة جنائية بين متهم مشتكى به من أجل أفعال ذات صبغة جنائية وطرف مشتكي ينصب نفسه ضحية لأفعال مزعومة ارتكبت في حقه، وفي كل الأنظمة الجنائية يعود للقضاء الفصل في هذه الخصومة الجنائية عن طريق عرض وسائل الإتباث التي تؤيد ووسائل الإثبات التي تنفي وعن طريق المواجهة والجلسات والمؤازرة والدفاع ومقارعة الحجة بالحجة، وللقضاء أن يكون قناعته من صميم ما عرض عليه من وسائل الإتباث طبقا لما يقع في المحاكم الأمريكية أو المحاكم الفرنسية، ويمكنه ان يصدر حكما بالبراءة أو الإدانة مع حفظ حقوق الأطراف في الطعن بالاستئناف أمام محاكم الدرجة الثانية .
 
وماذا عن ما جاء في بيان كتابة الدولة في الخارجية الأمريكية بشأن قلقها من المسار القضائي الذي سلكه ملف الصحفي عمر الراضي ؟
أعتقد أن هناك سوء فهم كبير بين الإدارة الأمريكية الجديدة والمملكة المغربية، ومن المخجل أن يقع هذا بين حليفين تاريخيين، فالمغرب وكما أقول ذلك دائما لأصدقائي الأمريكيين هو أول دولة اعترفت باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية، حيث احتفلت في الأيام الماضية البعثة الدبلوماسية الأمريكية بالرباط بأقدم بعثة دبلوماسية في العالم على الإطلاق وهي البعثة القنصلية بمدينة طنجة، والتي تعتبر إرثا دبلوماسية يؤكد قوة العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمغرب، وأعتقد أن سوء الفهم الكبير يتعلق ببلدين يواجهان نفس التحديات ( الإرهاب، عدم الإستقرار في العالم وفي بلدان شمال إفريقيا، القرصنة البحرية، محاربة الإتجار في البشر، الجرائم العابرة للحدود، المخدرات، الإتجار في الأسلحة، غسيل الأموال..) وتؤكد ذلك تمرينات الأسد الإفريقي والتي أنجزت بشكل غير مسبوق وبمشاركة عدد كبير من دول العالم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى الشراكة الإستراتيجية المتقدمة بين حليفين، وبالتالي كان على الإدارة الأمريكية أن تستحضر كل هذه المعطيات وتستجمع كل ما يتعلق بهذه الملفات قبل أن تبادر إلى إعلان موقفها.
ملف متابعة الريسوني ومعه الراضي يتعلق بقضايا حق عام قد تقع بالولايات المتحدة الأمريكية، كما يمكن أن تقع بفرنسا وأتذكر مثلا قضية دومنيك ستراوس كان الفرنسي الذي كان يشغل منصب مدير البنك الدولي والذي اعتقل بنيويورك رغم منصبه الدبلوماسي بتهمة التحرش الجنسي ومحاولة الإغتصاب في حق خادمة بإحدى فنادق الولايات المتحدة الأمريكية، بمعنى أن هذه القضايا هي ذات صلة بحق عام، وهي منازعات بين أفراد لا شأت فيها للدولة، لكي يمكن أن يقال أن الأمر يتعلق بالتضييق على حرية التعبير، فقضية عمر الراضي تتعلق بالاغتصاب والتي قد تقع في المغرب أو في مصر أو في اسبانيا أو فرنسا ويمكن أن تقع أيضا بكندا وبالولايات المتحدة الأمريكية، ولا أجد أنه من الصواب اتخاذ موقف للدفاع عن المشتكى به وأن نقرر بجرة قلم التضحية بحقوق الضحايا.

الموقف الأمريكي بشأن ملف حقوق الإنسان بالمغرب ليس جديدا، حيث أثير في لقاء الشهر الماضي جمع وزيري خارجية البلدين كما أثير أيضا غير ما مرة في السنوات الماضية، لماذا في نظرك ؟
معلوم بالنسبة للمتخصص في الإدارة والسياسة الأمريكية أن الحزب الديمقراطي متشدد أكثر من الحزب الجمهوري في قضايا ذات صلة بحقوق الإنسان، وكنا نعلم أنه لما وصل الرئيس جو بايدن إلى السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية أنه سيضع ضمن أولوياته في تقييمه لمواقف الدول قضية حقوق الإنسان، وقد أعلن عن ذلك رسميا في أول خطاب له بهذا الموضوع، ولاحظ معي أن سوء الفهم الذي أتحدث عنه وربما هناك تقصير من طرف وزارة الخارجية المغربية ومن طرف بعض الجهات مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان والمجتمع المدني في مد حليفنا الكبير بكل المعطيات والوثائق المتعلقة بملفي الراضي والريسوني، من خلال البعثة الدبلوماسية بالرباط أو مباشرة عبر وزارة الخارجية الأمريكية، فالأمر لا يتعلق بنزاعات بين الدولة المغربية ومواطنين بل يتعلق بشكاوى ونزاعات بين مواطنين، فالملف الأول يتعلق بهتك العرض بين صحفي وضحية ينتمي للأقليات التي تحظى بعناية فائقة من طرف القانون والقضاء الأمريكي، والملف الثاني يتعلق بالاغتصاب والضحية تنتمي أيضا إلى أقلية تحظى بعناية فائقة من طرف القانون والقضاء الأمريكي وهن النساء ضحايا الاغتصاب، وعلى أية حال فالمتهمين يتمتعان بقرينة البراءة وبكل ضمانات المحاكمة العادلة مالم يتم التنازل إراديا من خلال عدم الحضور في الجلسات، وأعتقد أن الترافع يجب أن يأخذ بعدا مؤسساتيا لإقناع الولايات المتحدة الأمريكية لأن موقفها مبني على وجهة نظر أحادية(وجهة نظر المتهمين) مع تغييب وجهة نظر الضحايا، وأعتقد أنه كان على البعثة الدبلوماسية الأمريكية بالرباط أن تلجأ إلى طلب استشارة الخبراء المغاربة، فالأمر لا يتعلق بالمساس بحرية التعبير بل بقضايا جنائية وأنا جد مقتنع أن إعطاء حصانة للصحفي في مثل هذه القضايا يعني توقيع شيك على بياض للصحفي المغربي وللصحفيين في جميع بقاع العالم لإرتكاب جرائم القتل والإغتصاب والتعذيب وإصدار شيكات بدون رصيد وعدم أداء الوجيبات الكرائية وعدم الخضوع بصفة عامة للقانون، ومعناه أن نقبل أن يوضع الصحفي بصفة عامة فوق القانون وهذا لا يستقيم.