السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

قيلش: هكذا تكلم ادغار موران في كتابه ٌدروس قرن من الحياة

قيلش: هكذا تكلم ادغار موران في كتابه ٌدروس قرن من الحياة  عبداللطيف قيلش
بمناسبة احتفاله بمائة سنة ،أصدر الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي إدغار موران Edgar Morin كتابا جديدا تحت عنوان ً دروس قرن من الحياة leçons d un siècle de vieً Edition Denoël 2021.الأمر لايتعلق بإعطاء دروس لأحد على حد تعبيره،وإنما محاولة استخلاص دروس من تجربة الحياة ،وهي غير ملزمة لأحد،متمنيا أن يجد كل واحد سبيله.يتكون الكتاب من 149صفحة و7فصول (الهوية المتعددة-اللامتوقع واللايقين-معرفة الحياة-المركب الإنساني-تجاربي السياسية:سيل قرن-تجاربي السياسية:الأخطار الجديدة-خطأ التقليل من الخطأ).
يمكن اعتبار الكتاب كسيرة ذاتية ،يتداخل فيها الذاتي مع الموضوعي.فالكاتب يسرد تجاربه المتنوعة متبعا منهجا علميا عبر إعادة قراءة هذه التجارب بشكل نقدي ،مستخلصا منها الدروس والعبر،معترفا بالأخطاء المرتكبة. يعتبرًإدغار مورأن تجاربه الزوجية الأربعة خلفت له معاني إيجابية ،رغم الانفصال الأول والثاني ووفاة الزوجة الثالثة ،ثم لقاء الصدفة مع السوسيولوجية المغربية صباح أبوالسلام بمهرجان الموسيقى الروحية بفاس ،حيث حصل التقارب الفكري والعاطفي.لم تكن حياة الفيلسوف ًإدغار موران ً مفروشة بالورود،فقد أصيب بعدة أمراض وفقد أمه وهوفي عمر 10سنوات ،وعاش عزلة تغلب عليها بالقراءة ومشاهدة الأفلام السينمائية التي خلفت وقعها علىى مساره الحافل بالآداب والسينما والموسيقى ،باتت مخدره اليومي ،ومخدره المغذي ،عبره اكتشف حقائق العالم،وبنى حقائقه وثقافته(ص 30) .إنه مسار وتألق نتاج التكوين الذاتي ً" إني سعيد ،بأن أكون على مستوى الهوية ،ابن أبي ،وابن كتبي ً (ص 19).وعي ً إدغار موران ً بيهوديته ،وعيا سياسيا ،ورغم أحداث ًليلة البلور la nuit de cristalً أو الزجاج المهشم ً التي وقعت في 10/9نونبر 1938والاعتداءات الوحشية على اليهود وبيوتهم ومتاجرهم وكنائسهم من طرف النازية ،وعايشها ً إدغار موران ً وعمره 17سنة ،فإن هذه البربرية لم تؤثر على قناعة انحيازه إلى السلم وتصوره الكوني ،ورفضه الهوية الأحادية والاختزالية ،منتصرا للهوية المتعددة(ص 28). إن ولادة ًإدغارموران ً كانت عسيرة ،تسلل إلى الحياة بأعجوبة ،لأن أمه لم يكن مسموحا لها بالحمل والولادة بحكم مرضها بالقلب،وكان الأمر محفوفا بالمخاطر ،وكان الولد الوحيد. حدث يقف عنده صاحب أهم كتاب ًالمنهج la méthodeً ًالمتكون من 6أجزاء ، وفقدان الأم ،مايفسر في نظره الإقبال على الحياة وعلى الحب،والبحث الدائم عن إخوة وأخوات .(ص 31). اللجوء إلى مدينة ًتولوز ً وتجربة الحب الأول ،واللقاء بالمثقفين وبالكتاب وبالمقاومين،ومعركة موسكو،ومناهضة ستالين،والانتماء إلى الحزب الشيوعي ،كل ذلك انعكاس للحظ وسوء الحظ،هذه الثنائية في الحياة تحول السلبي إلى الإيجابي والعكس أيضا صحيح.
يقف ُإدغار موران ًعلى حدثين علميين غير متوقعين ،وغيرا تاريخ البشرية ،يتعلق الأمر باكتشاف الفيزياء النووية سنة 1932من طرف Fermi بخلفية معرفية صرفة ،ثم مآل هذا الاكتشاف أثناء الحرب ضمن مشروع القنبلة الذرية ،والحدث الثاني ،هو اكتشاف Rosalind Franklin لبنية ً الحمض النووي الحلزوني la structure hélicoïdale de l ADN ً سنة 1953 ،وهو ما أكمله الباحث الأمريكي الشاب watson،من خلال الشفرة الجينية le code génétique ،ماسمح بالتطور بإمكانية تغيير الإرث الجيني للكائنات الحية(ص 43).من أهم الدروس في نظر ًإدغار موران ً  ،لا ينبغي الاعتقاد في أبدية وخلود الحاضر واستمراريته في المستقبل ،والقدرة على توقع المستقبل . إن الانفجارات المفاجئة واللامتوقعة ،قد تربك وتحول بشكل مأساوي أحيانا ،وبشكل مفرح أحيانا ، حياتنا الفردية وحياتنا كمواطنين ،وحياة الوطن ،وحياة الإنسانية.علينا أن ندمج اللامتوقع واللايقين l incertitude et l  inattenduفي تاريخ البشرية (ص 44-45-46). بطريقة تركيبية ،يستخلص ً إدغار موران ً الدروس والعبر للجواب على سؤال :كيف تعرف أن تعيش الحياة savoir vivre؟ مبرزا حاجة الذات إلى الآخر وإلى نحن (je-tu-nous)،وهي حاجات عاطفية عميقة للإنسانية ،محطما بذلك الفردانية والأنانية(ص 47).سيرا على  نفس المنوال ،وهو يجيب على سؤال savoir vivre ،يعتبر إدغار موران ،أن الشاعرية لا توجد فقط في القصيدة ،هناك شاعرية الحياة،في قلب السعادة العابرة أو الدائمة(ص 55). هناك الحاجة أيضا إلى الاعتراف الذي يتمظهر في مظاهر عدة ،في الصداقة والحب...كما أن مطلب الاعتراف يتمظهر في الاحتجاجات ،ولعل حركة السترات الصفر les gilets jaunes،تعبير عن الحاجة إلى الاعتراف بالكرامة (ص 66).في تناوله للإنسانية المركبة la complexité humaine ، يستعيد إدغار موران الأسئلة الأساسية والجوهرية للفيلسوف كانط kant ،ماذا يمكنني أن أعرف؟ وماذا يجب أن أفعل ؟وماهي الأماني المتاحة والمسموح بها؟ في هذا السياق يكتشف صاحب كتاب ٌالمنهج ُ أن الأسطورة والدين والأيديولوجيات تشكل واقعا إنسانيا واجتماعيا أهم من السيرورة الاقتصادية والصراع الطبقي (ص 72).يراهن إدغار موران على استيعاب أطروحته المتمثلة في الفكر المركب la pensée complexe للتعامل مع الواقع في تعقيداته .في خلاصات دروسه حول الأحداث والوقائع المأساوية ،والتي تشكل جائحة كورونا إحداهن ،يبدو أن هناك تعامل وسلوكات مزدوجة ومتعارضة،تتأرجح ببن الأنانية والإيثار ،كما يقف على بربرية النازية من خلال مختلف الأحداث التي تمت بين 1939و1941(ص 94-95-96).إن الشمولية في نظر إدغار موران خاصية مشتركة بين النازية والشيوعية،مستحضرا تجربة ستالين كتعبير عن الفكر المتعصب l ésprit fanatique(ص 100)،ومستحضرا تجارب أخرى تعكس أزمة الشيوعية،وهو الداعي وراء مبادرة تأسيس مجلة Arguments للتفكير في هذه الأزمة ،وأزمة الديموقراطية(ص 102).يعتبر إدغار موران أن الفكر المركب هو استيعاب لماركس وإدماجه وتجاوزه،وتجاوز الاختزال والفصل الذي سقط فيه التيار البنيوي ،فالتقدم الاقتصادي والتقني يمكن أن يحمل معه تراجعا سياسيا وحضاريا (ص 106).في هذا السياق يقف على التوجه النيوليبرالي مع تاتشر (1979 - 1990) وريغن (1989-1981)،والتوجه نحو تخلي الدولة عن المرفق العام لصالح الخوصصة(109).إذا كان الكتاب مليء بالأحداث التاريخية التي عاشها إدغار موران ،فإن العبر المستخلصة هي التي تكتسي أهمية ،كدرس بيداغوجي وسياسي وفكري وفلسفي ،فوقوفه على الخطأ Mes erreurs ,للتأكيد على أن ً  مخاطر الخطأ والوهم واردة في الحياة الإنسانية والشخصية والاجتماعية والتاريخية ،واردة أيضا في القرار والفعل ،ويمكن أن تقود إلى الكارثة ً(ص 122)،وأن المعرفة لاتبنى بدون مخاطر الخطأ الذي يمكن أن يلعب دورا إيجابيا إذا تم استيعابه وتحليله وتخطيه ً(ص 127).يظهر هنا أثر المعرفة الببداغوجية باعتبار أن إدغار موران كتب العديد من الكتب في مجال التربية والتعليم (la tête bien faite-le défi du xx 1siècle :relier les connaissances-les septs savoirs nécessaires à l éducation du futur-enseigner à vivre...) .إذا كانت قوة  الرأسمالية تكمن في التحول وتجديد الهيمنة والسيطرة عبر الفلاحة الصناعية وتأثير الإشهار على الاستهلاك واستثمار الثورة التكنولوجية الحديثة في تطوير الخدمات (les services ubérisés ) ،فإن الانسانية في حاجة إلى تجديد نفسها عبرالاعتراف بتعقيدات الانسانية(ص 119-120).نتفق أو نختلف مع الفيلسوف إدغار موران ،فكتاباته جديرة بالقراءة ،ولها جاذبية خاصة ، عبرها يشعر القارئ والمتتبع والباحث أنه في حاجة الى إعادة النقاش النقدي في كل البناء ، ما يستوجب الهدم بالخلفية المعرفية التي وضعها 
الفيلسوف ً هيدجر ً