الأربعاء 8 مايو 2024
كتاب الرأي

مومر : حالة الإستثناء و مسيرة المغرب الجديدة

مومر : حالة الإستثناء و مسيرة المغرب الجديدة

إن الإعلان عن حالة الاستثناء هو إجراء دستوري يدخل ضمن الاختيارات العديدة التي أوكلها نص وروح الدستور إلى جلالة الملك محمد السادس والذي يشكل الضمانة المؤسساتية لصيانة الحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور. و ضمان نجاح مسيرة المغرب الجديدة و التي تستلزم العمل الجماعي الفعال لإحقاق الصعود المنشود، وربح معركة الوحدة الترابية وكسب رهان التنمية المتوازنة، وترسيخ الديمقراطية التشاركية.

كما أَنَ فشل الاحزاب في عقد مؤتمرات إستثنائية لترميم أوضاعها الداخلية المترهلة واستعادة المصداقية الشعبية والأهلية القانونية يجعل من مطلب الأقلام الداعية إلى إعمال أحكام الفصل الـ51 من الدستور، والدفع في اتجاه انتخابات استثنائية مبكرة مجرد مبادرة تضليلية تنطلق من جهل لموطن الخلل المؤسساتي وغفلة عن التكلفة المالية الضخمة لتطبيق هذا الفصل من الدستور. فإعادة الانتخابات لها تكلفة مالية على ميزانية الدولة حوالي 600 مليار، وهي إجراء فيه تجاهل كبير لإمكانية الدولة المالية الحالية ، وعلى النقيض منه نجد أن إعمال أحكام الفصل الـ59 من الدستور له ثقل مالي أخف بكثير ويقينا شر "جريمة" تبذير المال العام لتزكية النخب السياسية ذاتها، الفاشلة والفاقدة للثقة، والتي تحاول الهروب إلى الأمام والالتفاف على روح الدستور.
وحيث أن هذه الأحزاب المعنية بالعملية الديمقراطية، ومع انعدام روح الوفاق الوطني بينها أصبحت عقبة حزبية أمام تشكيل فريق "الحكومة الفعالة". لأن دهاقنة التحريض الحزبي لا يدركون أن تسيير أمور الدولة لا يقوم على سياسة المعادلة الصفرية. كما أن الالتزام الإيديولوجي لا يمنع من التوافق مع المعارضة في ميدان الصراع السياسي، لكي لا يتطور الاحتكاك إلى دارة قصيرة تعمل على إفراز تيار البلوكاج الدستوري والعجز الواضح عن التوصل لحل المشاكل والاختناقات المجتمعية، في حين تتمادى النخب الحزبية في التهرب من المسؤولية السياسية، مع اختلاق المزيد من المبررات والمسوغات الواهية.
أيضا نجد أن منسوب الثقة الشعبية في القيادات الحزبية الحالية يستمر في سقوطه الحر بسبب استمرارهم في رفض الاستجابة للمطلب الشعبي والمؤسساتي المتجسد في ضرورة تحيين مشاريعها وتجديد نخبها والتحول من زمن قيادات المزايدات إلى زمن قيادات المنجزات في أفق ضمان كفاءات حزبية قادرة على ممارسة السلطة، بعيدا عن سلوك المخاتلة السياسوية التي تعرقل الممارسة الدستورية القائمة على ربط المسؤولية بالمحاسبة، حسب ما ينص عليه دستور 2011، خاصة مع اقتراب ساعة كشف نتائج التحقيق في واقعة الحسيمة.
فمشاريع "الجبهة التسلطية للدفاع عن القيادات الحزبية الشعبوية " مازالت لم تتحرر من نرجسية المصلحة الشخصية التي عجّلت بتفاقم الأزمة والتي تقودنا نحو "العروض السياسية الفاشلة". و لابد من الجهر بالقول و تسمية الأمور بمسمياتها و التنبيه لتكاثر مؤشرات الخطر المؤسساتي بعد الفشل الحكومي في تنفيذ النموذج التنموي المغربي ، و لا غرابة في أن يصدر من نخب المنظومة الحزبية الفاشلة كل هذا الحقد المرضي و هوس الأنا الحاضر بقوة في خطاباتها .
و لم يتبث التاريخ ولا العلم التجريبي بأن النموذج التنموي للأمم يرتقي مع مثل هذه القيادات الحزبية الجبانة و العقليات غير القادرة على تحمل مسؤولياتها السياسية؛ قيادات لا تعلم عن الديمقراطية إلا غنيمة السلطة و اقتسام " الكيك" ،و هذا ما جعل التحالف الحكومي يبدو كأنه مهزلة سياسية من خلال مشهد مجموعة من الأشخاص التقوا في لحظة زمنية لتشكيل حكومة ما، ثم باتت هذه الحكومة في عداد المحجور عليها بسبب تعلق مصيرها بالهزات الارتدادية التي يعرفها حزب العدالة و التنمية بحكم أنه حزب رئيس الحكومة المتصدر لنتائج الانتخابات وفق أحكام الدستور، و كذلك تأثير الخلافات والصراعات و الانقسامات و حرب المواقف و المواقع بين قياداته و تنظيماته و فريقيه في البرلمان و وزرائه في الجهاز التنفيذي فلا يمكن أن يتحول فريق رئيس الحكومة من مساند رسمي إلى مساند نقدي لتجربة سعد الدين العثماني دون أن يؤدي ذلك إلى إنشطار الأغلبية الحكومية الهشة. و هنا لا بد من التركيز على الجانب السياسي تبعا للدور الواسع لمؤسسة رئاسة الحكومة وفق ما تقدمت فيه أحكام الدستور، ولأننا نعلم كذلك أن نخب " تفصيل قوانين التمديد " تحاول تحجيم مسؤولية رئاسة الحكومة السابقة، متوهمة أنه بهذا التحجيم سيتمكن من المتورطون و المتورطات من الإفلات من العقاب و الإلتفاف حول المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة.
و يجوز الختم بالتأكيد على أن المنظومة الحزبية تَجَمَّدَت مشدوهة مشلولة أمام هول الانتظار الذي يعيشه المتورطون والمتورطات في جريمة التخاذل عن خدمة المشاريع التنموية الوطنية، فَبَيْن ليل الأرق ونهار القلق تنتفخ أوداج المسؤولين نتيجة ضغط هرمون الخوف من العقاب. من ينفع من ؟! ومن يأخذ بيد من ؟! ثم من سيتصل بمن؟! هذا جحيم البلوكاج المرعب الذي سقطت فيه المنظومة الحزبية. و في انتظار كشف الحساب وظهور نتائج التحقيق، لا نملك إلا تبليغ كل المتورطات والمتورطين أنّه : اليوم لن ينفعكم مال ولا تلفون، اليوم لا إفلات من العقاب، ثم أبشروا، هذه ساعة الحساب في دنو واقتراب !!!.