الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الغني السلماني: هناك أمل... من الشمعة إلى الرسالة

عبد الغني السلماني: هناك أمل... من الشمعة إلى الرسالة عبد الغني السلماني
من  أهم النظريات الأنثربولوجية القادرة على تفسير ما يقع داخل فدرالية اليسار نجد النظرية الإنقسامية والتي قدم الباحث الأمريكي جون واتربوري تطبيقاتها في دراسته لسلوك وثقافة النخبة السياسية المغربية بعد الإستقلال. و للتذكير تعتبر هذه النظرية من النماذج التفسيرية الأكثر تماسكا، عندما يتعلق الأمر بفهم وتفسير سلوك المجتمعات "القبلية"، إلا أن فعاليتها العملية تبقى موضع نقاش واختلاف بين الباحثين في فهم السلوك السياسي من منظور علم اجتماع السياسة.
 
أزمة اليسار المغربي  ليست بالجديدة، بل ترجع في جانب أساسي منها إلى عقودٍ خلت، فإن استفحال الأعطاب قد تضاعف خلال العقد الأخير، بصورة مستفزة للغاية، وخاصةً بعد أحداث الربيع العربي التي لم يستطيع اليسار تحويلها لفعل بل تم تهريب الأمل إلى جهة النقيض  بضغوط خارجية  وتوافق مع صُناع القرار.
 
من مظاهر هذه الأزمة، اعتبارها أزمة تنظيمية تُضعف من الفاعلية الحركية وخاصة أن البلاد مقبلة على استحقاق فيه تجريب لمكانة الفاعل السياسي، المعضلة أن نفوذ اليسار الفكري ما زال أكبر من قدراته التنظيمية والعملية  كما قال يوما الراحل محمود أمين العالم. وضع اليسارية  أنها أقرب، في كثير من الأحيان إلى المعارضة الكلامية النقدية الشعارية، ذات الطابع العام المُجَرَّد المرتبط بقضايا ومشاكل عامة، لم تبلغ بعد مستوى التعرُّف الدقيق على مشاكل الناس ومطالبهم واحتياجاتهم الذاتية و الموضوعية. 
 
ذلك أن من أبرز مُسببات أزمة الحركة اليسارية هو افتقاد الانسجام "بين النظرى والعملى"، وانحصار العمل في نطاق شرائح اجتماعية محدودة، يغلب عليها الطابع الثقافى الفوقى، وشيوع ما يطلق عليه "الهشاشة النظرية" أو ما يسمى "الميل لاحتقار الوقائع" و التفكير "بعقلٍ مُستعار"، وهو ما يقود إلى "إعطاء أجوبة مُعَـلَّبة" على "الأسئلة الطارئة" التي يفرزها الواقع اليومي،  المركب .
قوة اليسار هو الإصغاء  لإيقاع ونبض الحياة الاجتماعية والاقتصادية ومواكبة التحولات، وبالتالي على اليسار أن يتجاوز الأفكار المُسبقة، وأن يجدد آلية العمل والأمل في الغنى النظري والتنوع  الفكري الذي يميزه ويجعله تقدميا بامتياز، وهو ما يجعل من  النهج اليساري والتقدمي كنهج تحليلي لفهم الواقع وكدليلٍ للعمل السياسي.
 
اليسار لم يفشل في تفسير الواقع بل عجز في تغييره،  إذ أن آفة منهج "التفكير بالنصوص" هو الفشل الذريع في تعيين التناقضات الحقيقية في الواقع المُعاش، وعدم القدرة على تحديد منهج حل تلك التناقضات، فالأزمة هي عدم ملائمة "النموذج التحليلي"، المُستند إلى واقع التطوّر الرأسمالي في أوروبا بالقرن التاسع عشر، كأساس لفهم واقع التطور الاقتصادي والاجتماعي الراهن، وقد أدى هذا الوضع إلى نشأة ما يسمى بالقصور النظري في فهم مقومات الواقع وبناه المتفاعلة ، وآليات عمله  اليومية، حيث ظلّت صياغة أفكاره أقرب في مجموعها إلى الصياغات الإطلاقية بسبب العجز عن القيام بـ "التحليل الملموس للواقع الملموس" وهو ما أدى  إلى نوع من "الكسل الفكري"، و قتل الإبداع اللازم لفهم حركة الواقع المُتَجَدِّد.
هناك أمل:
 
على تيارات فيدرالية اليسار و PSU  أن تعي فكرة أساسية أن حلم حزب يساري كبير لم يعد مقتصرا على مكوناته بل هو أمل كل الحداثيين والتقدميين والديموقراطيين وباقي اليسار المنزوي والذي ينتظر، وهذا يتطلب إدراك بلحظة الأمل التي ينتظرها الجميع، فالتواضع  والإصغاء لمتنوري البلد أساسي  و لنعترف بأن أزمة اليسار فكرا و سياسة، و لنعترف بأزمة الواقع العنيد ، و بقوة الفكر المحافظ الذي  يجدد آلياته و بإمكاناته المتوفرة، وأن الأمل في فتح نقاش فكري بدون سقف بعيدا عن تقديس المفاهيم الجاهزة  حتى  تصبح  فكرة التجميع واقعا ملموسا، لذلك على الجميع أن  يفكر بواقعية، وليس بمقدور أي تيار أن يبقى متخفيا في قبيلته وفرقته التي يعشق  ...
إذا كانت الشمعة هي الأمل والشعاع الذي يضيء الممرات، فالرسالة هي الهدف والبلاغ الذي ينتظره الكادحين ...كونوا في مستوى العشق الذي يخالجنا والذي يحرك أوسع الجماهير الحالمة بالحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية .