الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد شفيق: على الأحزاب أن تستعيد عافيتها وتقوي ثقافة مشاركة النخب

محمد شفيق: على الأحزاب أن تستعيد عافيتها وتقوي ثقافة مشاركة النخب محمد شفيق
تتواصل ردود الأفعال بخصوص تصريح الجواهري والي بنك المغرب حول الأحزاب المغربية ووضعها العام .حيث انحاز في توصيفه للواقع الحزبي الى تعبير دارج فنعتها ب "الباكور" و "الزعتر " وهو تعبير  عادة ما يطلق على الأشياء التي لم تعد لها أهمية أو  قيمة تذكر.
 وقد تجاوز هذا التفاعل مع تلك التصريحات حدود التناول الإعلامي وأخذ طابعا سياسيا بإصدار مواقف و تصريحات لقادة بعض  الأحزاب.
 ولعل مرد الاعتراض على هذا التوصيف قد يعود لأمرين:  الأول صدوره عن رجل دولة كان يتعين عليه التقيد بواجب التحفظ، بل الأكتر من ذلك صدوره عن رجل  يرمز للتوجه التقنوقراطي الذي يتقوى على حساب إضعاف السياسي والتقليل من أهمية الحزبي، ومعنى ذلك أن الرجل  بمسؤولياته المختلفة قد ساهم عن وعي أو بدونه  في تطويق العمل الحزبي والتقليل من شأنه في إطار منافسة غير شريفة أو متكافئة. 
 والأمر الثاني، كون التصريح يندرج ضمن سياق خاص يتميز بالاستعداد للانتخابات وهي لحظة سياسية  حاسمة تقتضي الإنخراط في التعبئة لإنجاحها بدل المساهمة فيما قد يعتبر تبخيسا أو ضخا لنفور إضافي من العملية الانتخابية والرفع من درجة مخاصمة صناديق الاقتراع. 
  
لا أتصور ان تصريحات الجواهري كانت بمتابة الحجر الذي حرك مياها راكدة،  فإفلاس  الواقع الحزبي ووضع الفاعل الحزبي المقلق أضحى من المسلمات، وأن مخاصمة السياسة و استقبال اللحظة الانتخابية بنوع من الفتور واللامبالاة واحدة من تحديات الانتخابات المقبلة. 
علينا أن نعترف أن السياسة لم  تعد  تغري قطاعات واسعة، وأن الاحزاب السياسية  قد فقدت  جاذبيتها وقدرتها على التعبئة والتأطير ودورها في الوساطة.
تمة مظاهر عديدة ، قد لايسمح المقام برصدها ، توضح اننا تجاوزنا بكتير  مرحلة "الباكور والزعتر" من حياتنا الحزبية  أولها عجز النخبة السياسية عن اتخاد مبادرات فكرية  قوية وصوغها لمشاريع سياسية تستند إلى اختيارات مجتمعية وإيديولوجية  واضحة، وتانيها  افراغ للعمل السياسي من كل مضمون مجتمعي وتحويله إلى مجرد "مرقاة" اجتماعية ووسيلة لتحقيق المكاسب الشخصية، وتالتها التخلي الطوعي عن مهام التأطير والتكوين وترسيخ  القيم  تارة عبر تعطيل قسري للديمقراطية الداخلية  وتناوب النخب وتجديد الرؤى، و تارة بالذهاب رأسا نحو تشييد أحزمة الولاء والمباركة العمياء وتشبيك للمصالح والامتيازات.
 إن مواجهة تبخيس العمل السياسي لن تأتى بالتصدي لتصريحات من هذه الجهة أو تلك، بل باستعادة مصداقية الحزبي وتقوية ثقافة المشاركة وتعزيز الإيمان بالعمل الحزبي والتنظيمي المسؤول.
 فإذا كان من المتعذر تصور مجتمع ديمقراطي بدون أحزاب فإنه يتعذر بنفس الدرجة أيضا تصور حياة حزبية بدون نخب حاملة لمشاريع تعزز الثقة في المستقبل و  تعيد للفعل السياسي بعده النبيل.
 
محمد شفيق، فاعل مدني