مشهد الإعلام العمومي بالمغرب سنة 2017 يبدو كأنه بعيد بسنوات ضوئية مقارنة مع نفس الإعلام قبل 15 سنة، و هذا يكرس التراجع الخطير في المحتوى الإعلامي بقنوات و إذاعات القطب العمومي. فيكف يستساغ أن لا تبرمج قناة تلفزية عمومية، ممولة من جيوب دافعي الضرائب، سوى برنامجاً حواريّاً واحداً أو إثنين طيلة الأسبوع؟ أين هو نقاش القضايا الكبرى للوطن من طرف كبار المفكرين و الإعلاميين المغاربة؟ لماذا لا يتم استضافة مدبري الشأن العام باستمرار و وضعهم أمام مسائلة الرأي العام باستمرار؟ كل ذلك كان يتم قبل عقدين، على الأقل في القناة الثانية، فتراجعنا حتى بلغنا الحضيض بفبركة برامج على المقاس تستضيف أشباه "محللين" لتمرير رسائل باهتة ما عادت تنطلي على أحد، و بتكلفة عالية. ولا يمكن إلا أن نستغرب من هذا الفزع الذي صار يتملك صناع القرار من منح المواطن المغربي صورة حقيقية لما يعيشه البلد للإرتقاء بفكره و لحمايته من أطنان الإشاعات و الكذب الذي يعج به الإعلام "البديل"، والتي من شأنها أن تخلق رأي عام خارج السياق الحقيقي في غياب المعلومة الحقيقية و التحليل الرزين.!
يبدو أن المسؤولين وضعوا أنفسهم في قوقعة و أغلقوا عن أنفسهم و صدقوا أن العام "زين" في محيطهم. لا أيها السادة، العام "خايب"، و سيزداد قتامة إذا حرمنا المواطن من حقه في معرفة الحقيقة في قنواته العمومية حتى لا يذهب للبحث عن هذه الحقيقة في "الجزيرة" أو "فرانس24" و يصدقها هناك رغم تحريفها أحيانا و حتى فبركتها أحياناً أخرى. تم، هل باللجوء للرقابة القبلية، التي أكل الدهر عنها و شرب، ستحجب المعلومة في زمن اليوتوب و الفايسبوك؟ إن الإعلام العمومي المتخلف هو الزاد الرئيسي للمواقع الإلكترونية التي تنقل الخبر بالصوت و الصورة في حينه و دون "مونتاج"، بما في ذلك من انزلاقات، لأن الطبيعة تكره الفراغ. فلا يمكن، في زمن إعلام القرب، أن تستقبل بلاطوهات التلفزات العمومية التي تصرف عليها الدولة من جيوب المغاربة الملايير، نكرات ليمطرقوا المشاهد بلغة و خطاب يجعلك تشعر بالغثيان. لذلك نفر الجميع من إعلام البروباغاندا البليدة حتى بارت سلعته و لم يعد يجد حتى من أين يؤدي أجور العاملين.
اليوم، المغرب بحاجة لقنوات تنفتح على المجتمع المدني، تمنح الفرصة للشباب للتعبير عما بداخله، ترقي الذوق العام، تواكب التحولات العلمية في محيطها، تدفع المسؤولين لمواجهة أسئلة الناخبين، توسع هامش النقد البناء، تحطم الحواجز النفسية للرقابة الذاتية، تتعامل مع الأخبار الرسمية بذكاء 2017 لا بعقلية 1967 !
ولأننا نقارن نفسنا دائماً بفرنسا، فلن أرتكب هذه الحماقة بمقارنة إعلامنا بإعلامهم ، بل أتوجه للجارة الجزائر حيث تم تحرير الإعلام و تم إنشاء العشرات من القنوات و في الأخير المشاهد هو من يقوم بالفوز، فاستمرت بعضها و أقفلت أخرى و انضافت قنوات جديدة بمن فيها من الغث و السمين. بينما المغرب اكتفى بقناتين كاللوزتين، لأن قنوات TNT الموضوعآتية التي أثبتت فشلها الدريع لا يمكن اعتبارها قنوات فعلية و إنما قمامة محتوى تدينها نسب المشاهدة. فآل محاولة الوحيدة لانفتاح المشهد السمعي البصري على قنوات جديدة تم إقرارها قبل عشر سنوات بداعي حماية القنوات العمومية، فلا هاته المسمات قنوات قدمت خدمة المرفق العام كما هو متعارف عليه عالميا، ولا هم تركوا المشهد يتطور بدافع المنافسة و التدافع. النتيجة هي أن أولئك القائمون على هذا الإعلام "البايت" يريدون تفويت هذه البضاعة لأي كان لكن كيف تبيع مواد فاسدة و منتهية الصلاحية. المغاربة يستحقون إعلاميا يحس بهم و يحسون بانتمائه لهم، إعلام القرب في خدمة المواطن و ليس إعلاميا رسمياً غارقا في التخلف، فهل ذلك كثير عليه؟
في انتظار ان تنقشع العتمة، يطلب ملايين المغاربة حق اللجوء الإعلامي من دولة غوغل و ويتوب وفايسبوك، حيث لا يجدون مصطفى العلوي و هو يردد عليهم قصة قبائل الشيلي كما تفرض علينا التلفزة المغربية منذ خمسين سنة!