الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

نوفل البعمري: الحل ليبي وليس برليني

نوفل البعمري: الحل ليبي وليس برليني نوفل البعمري
كان لافتا تصريح وزير خارجية المغرب هو يجيب على أسئلة الصحفيين حول عدم مشاركة المغرب في قمة برلين 2 بعد أن كان لم توجه له الدعوة لحضور القمة في نسختها الأولى حيث أوضح أن المغرب يسعى لحل ليبي-ليبي و ليس لحل برلين - نسبة إلى مدينة برلين حيث انعقدت القمتين- و هو ما يفسر عدم حضور المغرب رسميا للقمة، إذ الأمر لم يكن مقاطعة لها بسبب الجمود الدبلوماسي بين المغرب وألمانيا بقدر ما كان عدم الحضور هو تجسيد لاختلاف الرؤى بين رؤية المجتمعين في برلين و بين الرؤية المغربية-السياسية و للكيفية المُثلى التي سيتم بها خلخلة الوضع في ليبيا الشقيقة، وضمان نجاح خارطة الطريقة نحو إعادة بناء ليبيا على أسس من التوافقات و التفاهمات الداخلية التي ستؤدي إلى الوصول للانتخابات التي ستنعقد في القادم من الأسابيع، و هي الانتخابات لا تعتبر غاية في حد ذاتها و نهاية المسار بل بداية الطريق نحو استكمال أسس البناء السياسي و المؤسساتي لليبيا حديثة، موحدة، ديموقراطية.
المغرب وهو يغيب عن قمة برلين 2، لم يكن غيابه كما ذهبت الكثير من التحاليل التي ربطت الأمر بالأزمة المغربية-الألمانية، بل كان الأمر يعود إلى عدة اعتبارات جوهرية نجملها فيما يلي:
المغرب في تعاطيه مع الملف الليبي ظلت مقاربته تعتمد على منهجية الحوار الليبي-الليبي، بمعنى أن المغرب كان له دور المُسهل لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة في ليبيا، ودفعها للجلوس وجها لوجها على قاعدة أن ما يحرك المغرب هي المصلحة الفضلى للشعب الليبي و لليبيا، وهي مقاربة دفعت بمختلف أطراف الصراع للوثوق في المغرب خاصة وأن مختلف المباحثات التي تتم تحظى و مازالت برعاية ملكية هذه الرعاية تعتبر واعتبرت ضمانة أساسية للأطراف الليبية مرحبا لنجاح المباحثات المنعقد التي يحتضنه المغرب و على كونه كذلك لا يسعى لتغليب وجهة نظر طرف على طرف آخر، بل تسعى هذه الرعاية إلى إنهاء النزاع حفاظا على مصلحة ليبيا العليا، ووحدتها ووقف كل مظاهر التطاحن، و هو ما تحقق من خلال توقيع اتفاق الصخيرات.
قمة برلين في نسختيها، قمة وعلى عكس اللقاءات والمباحثات التي تجري وجرت في المغرب التي تعتمد على رؤية حوار ليبي-ليبي، هي قمة تعتمد على مقاربة متعارضة حد التناقض السياسي مع المبادرة المغربية، إذ المجتمعين في برلين لا يناقشون حلا ليبيا، بل يتهافتون على الوصل لحل فوقي، يتم فرضه على الشعب الليبي وكأنه مسلوب الإرادة في تكريس لمنطق متعالي ينظر لشعرب دول الجنوب وكأنها قاصرة على إيجاد المشترك للتعايش بينها.
هذه المقاربة التي تحرك المانيا بالأساس، لا يمكن أن يتفق معها المغرب الذي يسعى لحل ليبي تكون قواه السياسية فاعلة، وصانعة له وليس تنظيم لقاءات لالتقاط الصور، و تبادل ابتسامات دبلوماسية شاحبة عينها على البترول الليبي، ولحوار "على ليبيا" و ليس من أجل ليبيا كما يطالب بذلك المغرب، لذلك فمقاربة المجتمعين في ليبيا هي مقاربة خاطئة و لهذا لم تحظ بدعم الليبيين و أدت لغيابهم الأطراف َمما يجعل من هذه القمة البرلينية قمة فاشلة لأنها لن مخرجا آمنا للوضع في ليبيا.
القمة البرلينية تتعاطى مع الأزمة في تجاهل تام لمختلف مُخرجات المباحثات التي تمت في المغرب و التي أدت لتوقيع اتفاق الصخيرات، ثم بعده تنظيم لقاءات ذات مستوى عالٍ في طنجة و بوزنيقة و هي كلها لقاءات حظيت بدعم أممي، هذا الدعم الأممي أعطى شرعية للمغرب ليستكمل احتضان الحوار الليبي-الليبي، وهو ما تجاهلته ألمانيا ومختلف الدول المجتمعة ببرلين التي تنطلق وكأنه ليس هناك أي تراكم سياسي في الملف يكون قد تحقق، واستطاع من خلاله المغرب أن يقرب مختلف وجهات النظر الليبية التي توافقت على تنظيم انتخابات بليبيا، و تتجه نحو إعادة تنظيم السلطة، وتوزيعها و بناءها في ليبيا.
القمة البرلينية والمجتمعين هناك تجاهلوا كل هذا التراكم ويريدون القفز عليه و كأن الوضع الليبي جامد، لم يحدث فيه أي تقدم سياسي، على عكس واقع الحال، وهو ما لا يمكن أن يقبل به المغرب ولا الأطراف الليبية التي لن تقبل العودة لنقطة الصفر ولا إلى شبح الاقتتال الداخلي، فقط لأن دولا معينة تريد أن تضع نفسها فوق ليبيا وفوق الأمم المتحدة.
المغرب له مقاربته السياسية المختلفة حد التناقض مع المقاربة البرلينية، بحيث الخطوة المغربية مُحصنة بدعم الأمم المتحدة و بالليبيين على عكس قمة برلين، لذلك فمشروعية و شرعية اللقاءات التي تنظم اليوم في برلين محط تساءل سياسي، إذ لا يعقل أن تكون هناك مباحثات متقدمة وتحظى بدعم الأمم المتحدة و أمينها العام و تأتي المانيا لتنظيم لقاءات موازية لنسف اتفاق الصخيرات فقط لأن بعض الدول التي تختزل شمال أفريقيا في مجرد كعكة وجدت نفسها خارج هذا المسار الذي دفع فيه المغرب ويحظي بدعم الليبيين أنفسهم، الذي تفطنوا للمطب الليبي مما جعلهم يقاطعون برلين هذه المقاطعة تعتبر تشكيكا و عدم ثقة في القمة البرلينية و في من يقود هذه القمة، على عكس تعاطيهم مع المغرب الذي توجهوا إليه قبيل انعقاد القمة البرلينية لإعلان ثقتهم في العاهل المغربي و في الدبلوماسية المغربية و تأكيدهم على استمرارهم في مسار اتفاق الصخيرات.
المغرب لم يعلن عن موافقته للمشاركة في قمة برلين 2، إذ رغم توصله بالاستدعاء فهو لم يبدي أي موقف منها، بالإضافة إلى أنه لم يكن ملزما بالرد فقد كان من الواجب عليه عدم لحضور في قمة لا تحظى بشرعية أممية، و لا بثقة الليبيين أنفسهم، وتتنافض مع جوهر خارطة الطريق التي تم وضع أسسها بالمغرب وحظيت بغطاء أممي التي أعلن الأمين العام للأمم المتحدة غير ما مرة عن دعمه للجهود التي يبذلها المغرب في هذا الإطار، وهي الجهود التي تعززت نتيجة العناية الملكية بخارطة الطريق و بجدية الدبلوماسية المغربية و وقوفها على مسافة واحدة مع الأطراف الليبية و وعي هذه الأخيرة على أن المغرب يدفع في حل تكون صناعته ليبية خالصة، لذلك فقمة برلين هي قمة مشكوك في شرعيتها لأنها تجري خارج المسار الأممي و خارج غطاء الأمم المتحدة هذا الغطاء موجود في المغرب ولا يمكن تجاهله وتجاهل ما تحقق في الملف الليبي من تقدم محرز ومنجز.
خلاصة الموقف المغربي من القمة البرلينية هي خلاصة تؤكد على أن المغرب يتحرك بقناعة نابعة من احترام إرادة الليبيين وشرعية الصوت الليبي الذي يسعى لإنهاء هذه الأزمة من خلال خارطة طريق جدية، أممية تقودها دولة ليست لها أية مطامح في ليبيا ولا تنظر للأشقاء الليبيين بمنطق فوقي، بل باعتبارهم أصحاب الحل وبهم سيتحقق هذا الحل الذي لن يكون إلا إطار اتفاق الصخيرات وفي إطار المقاربة المغربية-الأممية، مقاربة تعتمد على منهجية قيادة حوار ليبي-ليبي وليس قيادة حوار على ليبيا.