الخميس 25 إبريل 2024
اقتصاد

"سباق" الخدمات الاجتماعية لأسرة التربية والتكوين تحت شعار: "أول قادم أول مستفيد"

"سباق" الخدمات الاجتماعية لأسرة التربية والتكوين  تحت شعار: "أول قادم أول مستفيد" زفير مزكان بالجديدة

ذكر بلاغ لمؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين بأن "عدد منخرطي المؤسسة في الوقت الراهن يفوق 453 ألف منخرط وأزيد من مليون ونصف مستفيد إذا أضفنا أفراد أسرهم، مقابل 110 وحدة سكنية للاصطياف بزفير بالجديدة و247 وحدة بزفير بمراكش، مما يصعب معه تلبية رغبات الجميع في آن واحد".

هذه المعطيات تؤكد أن مقاربة الاستثمار في بناء مركبات سياحية ضخمة بمبالغ مالية خيالية غير مجدية أمام حجم الطلبات وطبيعة الخدمات التي ينتظر تقديمها لهذا العدد الكبير من المنخرطين وأسرهم. الأمر الذي كان يستوجب اعتماد مقاربات تنسجم مع العدد الفعلي للمستفيدين، وتلبي طلبات أكبر عدد ممكن منهم، أو تسمح بتلبية الخدمة للجميع بعيدا عن مقاربة "أول قادم أول مستفيد"، التي أخرجت الخدمة الاجتماعية من خانة الحقوق وإطار الممكن المتحكم فيه بالتفكير العقلاني وحسن التخطيط والتدبير، وأًسَرَتْها في دائرة الحظوظ والأقدار، وحولت بذلك المنخرطين لمتسابقين على الفوز بالخدمة الاجتماعية. يبدو أن إدارة المؤسسة لا تميز بين الاستثمارات التي تحقق الربح وتملأ صندوق موارد المؤسسة، وتلك الموجهة لتوفير الخدمات الاجتماعية، فأرادت ضرب عصفورين بحجر واحد، لكن الحجر سقط على رأس المنخرطين. إن سياسة تشييد مركبات سياحية وخدماتية فخمة لا تتجاوز طاقتها الاستيعابية عشرات أو مئات الأفراد، أثبتت فشلها في قطاع اجتماعي بمئات الآلاف، بالرغم من الأرباح التي يمكن أن تحصلها لفائدة الشركات التابعة لها. ترى كم سينتظر المنخرط(ة) وأسرته من سنة حتى يأتي دوره لتلبية طلبه؟ هذا أبسط وأغبى سؤال ينبغي طرحه قبل المجازفة بصرف أموال مؤسسة تشرفت بحمل اسم ملك البلاد في مشاريع سياحية نتائجها الاجتماعية غير مشرفة.

إذا كانت الاستفادة من الخدمة الاجتماعية سترهق المنخرطين نفسيا ومعنويا، وتتطلب منهم الانتظار الموعود لسنوات من أجل الاستفادة، زيادة على التزامهم بأداء مالي يتجاوز 80 بالمئة من ثمن نفس الخدمات بالقطاع الخاص، فالأفضل لهم أن يبحثوا عنها بعيدا عن مؤسسة تروج خدماتها باسمهم وتحجز من المنبع اشتراكات مالية من أجورهم يقارب أو يتجاوز مجموعها (2) مليار سنتيم، وتستفيد كذلك من نسبة (2) بالمئة من ميزانية قطاعات التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي والتكوين المهني، لكنها في المقابل تخاطبهم بقاعدة "أول قادم أول مستفيد".

من الموضوعي الإشادة ببعض جهود الساهرين على تسيير هذه المؤسسة منذ إحداثها وفق مقتضيات القانون 00/73 سنة 2000 بأمر من جلالة الملك محمد السادس، ولا يستقيم إنكار ما حققته من خدمات اجتماعية في مجالات كثيرة خاصة منها السكن، لكن هذا لا يعفيها من النقد والمحاسبة خصوصا عندما تتراكم عليها المؤاخذات، ويزداد حجم التذمر والضرر من أسلوب تدبيرها وسياساتها ومقارباتها التدبيرية لكثير من الملفات الاجتماعية منها، النقل، الأندية الرياضية والثقافية، الصحة، الترفيه والسفر، المخيمات والمركبات السياحية، خدمات برنامج نافذة ... إلخ، وللتدليل على هذا، نذكر كنموذج فقط، منشأة النادي الرياضي والثقافي التي أحدثتها المؤسسة بحي الرياض بمدينة الرباط، التي ظلت هي الوحيدة من هذا الصنف على الصعيد الوطني منذ سنة 2014، علما أنها هي الأخرى لا تغطي حجم الطلب عليها، حيث لا يتجاوز عدد المستفيدين منها 6500 منخرط منذ تاريخ افتتاحها حسب معطيات المؤسسة ذاتها، أمام أزيد من 40 ألف موظف بقطاع التربية والتكوين على صعيد جهة الرباط سلا القنيطرة، هذا دون احتساب عدد أفراد أسرهم، حيث سيصل مجموع المستفيدين المحتملين إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف هذا العدد. وحتى ان افترضنا ان الفئة المستهدفة تتشكل من المنخرطين المقيمين بمدن الرباط وسلا والصخيرات وتمارة، فإن عددهم سيتجاوز 50 ألف من المنخرطين وأبنائهم. قد نصل لنفس هذه الخلاصات إذا اتبعنا نفس المنهجية في تتبع أثر الخدمات الأخرى على أكبر عدد من المنخرطين مثل النقل والثقافة والسياحة والترفيه ... إلخ، وسيتبين لنا أن هذه الخدمات لا يستفيد منها سوى عدد محدود منهم.

لعل هذا العرض الجزئي بالأرقام، يؤشر بشكل بسيط جدا على واقع الطلب على الخدمات الاجتماعية، التي ينبغي أن تتم الاستفادة منها عبر تأكيد المساواة بين المنخرطين، وذلك وفق توزيع مجالي عادل يحقق القرب ولا يكرس التمييز والاستغلال غير المتكافئ لإمكانات وموارد المؤسسة من طرف فئة محدودة جدا، على حساب الغالبية العظمى من المنخرطين والمنخرطات. وإذا كان نموذج تشييد المنشآت الفخمة لم يحقق هذا الأهداف، فالمفترض سلك مقاربات خدماتية بديلة تلبي الحد الأنى من الانتظارات والحق في الولوج لمختلف الخدمات، مثل التحفيز والمساعدة على إنشاء وتسيير جمعيات تكلف بإنجاز وإدارة أنشطة اجتماعية في إطار اتفاقيات أو عقد شراكات مع هيئات عامة أو خاصة كما ورد في القانون 00/73، وغير ذلك من الحلول الإبداعية التي يؤطرها هذا القانون.

إن مؤسسة تتشرف بحمل صفة واسم عاهل البلاد، وبحجم الإطار القانوني التي يمتعها بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وبمختلف الامتيازات المالية الممنوحة لها من قبيل الاستفادة من نسبة من نفقات الدولة على قطاع التربية والتكوين إلى جانب اشتراكات المنخرطين، وإمكانية الاستفادة مجانا من منقولات وعقارات الدولة والجماعات المحلية وتلقي الهبات والتماس الإحسان العمومي، والحق في إحداث الشركات والقيام بالاستثمارات التجارية، زيادة على الاعفاء الضريبي على كل عملياتها وتصرفاتها وأعمالها والإعفاء كذلك من الضريبة على القيمة المضافة التي تفرض على مختلف الخدمات التي تقدمها، كل هذه القدرات الاعتبارية والمعنوية والقانونية والمالية تعد جد كافية لتوفير أجود الخدمات الاجتماعية ورعايتها بأنسب الموارد والوسائل، خصوصا إذا تعلق الأمر بأطر وموظفي قطاع التربية والتكوين الذي  يوضع ضمن قائمة أوليات البلد. لأجل ذلك يجب تفعيل مختلف آليات التتبع الإداري والرقابة المالية على هذه المؤسسة، للوقوف على مدى مطابقة تسييرها للمهام والأهداف المرسومة لها، وتقدير أدائها التقني والمالي وسلامة أعمال التسيير المالي التي تقوم بها، وذلك وفق مقتضيات المادة 14 من القانون 00/73، كما أن المنظمات النقابية ذات العضوية بالجهاز المسير لهذه المؤسسة مطالبة بالنهوض بأدوارها في التواصل مع المنخرطين والإسهام بصوت مسموع في الترافع عن حقوقهم في الاستفادة من خدمات اجتماعية ترقى لمستوى تطلعاتهم ومطالبهم.