الخميس 2 مايو 2024
كتاب الرأي

عبد الالاه حبيبي:نحن أسرى ازدواجية رهيبة.. خطاب العفة وهمجية الاستهلاك...

عبد الالاه حبيبي:نحن أسرى ازدواجية رهيبة.. خطاب العفة وهمجية الاستهلاك...

منذ قرون ونحن نردد الأقاويل التي تمجد الحكمة وتعلي من شأن الروح، في كل حركاتنا وسكناتنا نردد أسماء الله، ندخل الأمكنة بالبسملة ونغادرها بالحمدلة أو بالتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، نهاجر إلى السماء كلما مسنا مكروه، نقبل على المساجد بكثافة قل نظيرها في العالم الإسلامي، نصر على حماية مقدساتنا الدينية، نحرص على الظهور دوما بمظهر الورع والتقوى، نسمي أبناءنا بأسماء تتضمن نفحات البشرى والخير، نعقد زيجاتنا برباط القدسية والشرع، نتحدث دوما بالمرجعة الأخلاقية، نأكل بالبسملة، ننام في أسرة الدعوات والتمني بالعودة إلى الحياة بعد انقضاء فترة النوم التي نسميها شقيقة الموت، نفعل كل ذلك ونحن على يقين أننا في الطريق السوي، أي في مأمن من كل زيغ أو ضلال، بل نعيش يقينا مطلقا بأننا مهتدون وإلى الجنة ذاهبون.
لكن نقبل على الحياة بفوضى عارمة، نأكل بشراهة وأفواهنا مفتوحة يختلط فيها الهواء بالأكل، نتزاحم حول الموائد وخاصة في المناسبات، نركز النظر في الأطباق المقدمة، بل نتسامر حول أثمنتها وسعراتها الحرارية وحتى أثرها على زخمنا الجنسي، نتسابق لاقتناء كل الثياب التي تعرضها علينا الخورذات، نتباهي حينما نشتري سيارة ونحن نردد ثمنها وجودتها بحضور أقرب المقربين وخاصة منهم ذوي الخصاصة، نسارع لتلقين أبنائنا الابتعاد عن أبناء الفقراء والتعساء الذين نسميهم "ابناء الهوامش" حتى لا يخترقهم تيار الشعبوية والتسول والانحراف، نختار لذريتنا الأصدقاء، والألعاب بل وحتى الأحلام، نجاهد ضعفنا لنلبسهم أفخر الثياب، نملأ البيوت بالأثاث الفاخر حتى ولو كان من النوع المزيف، نعرض الصحون الصينية عندما يزورنا الضيوف لنظهر لهم يسرنا وسمونا المادي، بمجرد خروجنا من المساجد نتجه صوب بائعو الفواكه، والعصائر والأعشاب بحثا عن متع الجسد ومغرياته، في الأعراس نتصنع الغنى، نقترض من الأبناك، نلبس الحلي المقلدة، نستدعي الأجواق التي تغني كل الألوان الغنائية بما فيها تلك التي تؤدى في الملاهي والمراقص الرخيصة، وفي الصباح نتمنى للزوجين حياة الرفاهية والدعوات بالسعادة والبنون.. نسب أول من يضايقنا ونحن نتودد موظفا من أجل قضاء حوائجنا الدنيوية، ننمم باستمرار ، نصارع الأغنياء بالحسد وليس بأدوات الصراع السياسي المسؤول، لا نتردد في تقديم رشوة كلما صادفنا عائق وهددنا بالتأخير، نحب الحياة حبا جما وننسى أننا قد وضعنا في أعناقنا قلادة العفة وحب الآخرة.... شرنقة رهيبة وأزمة أخلاقية مركبة، ومأزق وجودي مزمن، كلها عناصر متشابكة تحكم علينا دوما بالبقاء في دواة التكرار والتنكر والأقنعة الباهتة ورفض كل نقد ذاتي، وإصرار على العمى الحركي، ونبذ لكل تنوير لأننا بكل بساطة لا نحتمل رؤية حقيقتنا كما هي على مرآة العقل الغائب...