الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

ميلود العضراوي: آبونا آدام (الحلقة الأولى)

ميلود العضراوي: آبونا آدام (الحلقة الأولى)

جمجمة إنسان عاقل وذكي في جبل بإيغود، عمره ربع مليون سنة..؟

حفريات إيغود، المكان القريب من مدينة آسفي في منطقة عبدة، التي تم فيها اكتشاف بقايا إنسان بدائي، أحدثت انقلابا عميقا في المفاهيم النظرية العلمية حول أصل الإنسان ونوعه؟ وعمقت أسئلة من نكون وإلى أي فصيلة نعود ومن هو أبونا آدم؟

في مطلع شهر يونيو 2017، عمت حالة استنفار قصوى، مختلف المعاهد العلمية الكبرى ومختبرات البحث العلمي بكبريات الجامعات العالمية، وخصوصا في ألمانيا وإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية، بسبب الاكتشاف الأركيولوجي النادر لجمجمة يعود تاريخها إلى أكثر من 300 ألف سنة في منطقة تسمى "إيغود" بعبدة الجنوبية قرب مدينة آسفي. ويعتبر هذا الاكتشاف التاريخي هو الثاني من نوعه في هذه المنطقة بالذات، فمنذ أكثر من عشر سنوات تقريبا، عثر علماء الآثار أول مرة على جمجمة مماثلة تعود لإنسان بدائي عاش في هذه المنطقة منذ أكثر من 240 ألف عام، مما يدل على أن مجتمعا بشريا متطور الذكاء قد عاش في هذه المنطقة منذ زمن سحيق. هذا الاكتشاف هو واحد من عدة اكتشافات أثرية مماثلة تم العثور عليها في أماكن أخرى من العالم، لكن تاريخها لم يتعد سقف مائة ألف سنة، منها اكتشاف "الفتاة لوسي" في إفريقيا في العقد السبعيني من القرن الماضي والتي عاشت قبل 80 ألف سنة قبل الميلاد. وفي منتصف القرن الماضي اكتشف "لينارت"  من خلال عادات بعض المجتمعات البدائية وأعرافهم وبقايا الأدوات والأواني المنزلية التي تعود إلى بداية مرحلة التحضر البشري، بقايا هيكل عظمي يعود تاريخه إلى 100 ألف عام، عاش متنقلا يهاجر بين الجزر الكبرى والقارات، مما دفعه للبحث في أركيولوجية القبائل البدائية في بولينيزيا القديمة عن أصولهم القبلية التي تعود إلى إفريقيا، حيث عاش الإنسان البدائي القديم.

لقد عاش عالم الأنتروبولوجيا الشهير مع تلك القبائل عدة سنوات، اكتشف من خلالها، أن التطور البيولوجي كان له تأثير كبير على تطور الذكاء وأن تكامل استدارت الجمجمة هو الحقبة التاريخية التي أذنت بتكامل للذكاء البشري. وتلك هي الهيئة التي على منوالها تم اكتشاف الجمجمة البشرية لإنسان إيغود السنة الماضية.

دلّت الآثار والبقايا المختلفة التي عثر عليها "لينارت" فيما بعد، من خلال تنقيبه في الجزر الموجودة في المحيط الهادي، ولاسيما جزرها الغربية والجنوبية الغربية، أن السكان الأوائل هناك كانوا لا يعرفون المعادن واستعمالها، وأنهم صنعوا أدواتهم وأسلحتهم من الحجر والعظم والخشب ومن القواقع والأصداف البحرية التي عثر عليها جنباً إلى جنب مع العظام البشرية. وهذا ما تم العثور عليه في مكتشفات المقبرة التي تم التنقيب عنها في "إيغود" والمكونة من بالغين ذكورا ورجالا وطفل في الثامنة من عمره، تقول الدراسة الأخيرة المنشورة في مجلة "بانوراما" الألمانية المتخصصة في علم الآثار والأريكيولوجيا، تشبه المادة الحفرية المكتشفة مؤخرا، نفس حفريات الإنسان البولينيزي القديم.. فهل يعتبر إنسان"إيغود" كائنا بشريا ولد وعاش وسكن منذ البدء هذه المنطقة (منطقة عبدة)؟ أم هو نتاج هجرة جماعية من بولينيزيا القديمة إلى هذه المنطقة؟ على اعتبار أن الإنسان البولينيزي كان إنسانا مهاجرا من مكان إلى لآخر ومن قارة إلى أخرى عن طريق ركوب البحر في تصريف علمي لانتشار الجنس البشري على البسيطة من جهة، وأنه كان رحالة جوال على اليابسة يقطع المسافات بحثا عن الصيد والغابات المثمرة نظرا لتقارب القارات وتمازجها في قارة واحدة آنذاك كانت تسمى "أماسيا" سهلت انتشار الفصيلة البشرية على الأرض. يعتقد علماء الجيولوجيا حاليا أن هذه القارة بصدد التشكل من جديد نظرا لتقارب الصفائح العميقة من تحت الأرض بعضها وانسحاب القارات على البحر في محاولة للعودة من جديد إلى الوضع البدائي الذي كانت عليه.

بناء على هذه الأطروحة ساد الاعتقاد على أن عصور ما قبل التاريخ (اكتشاف النار واللغة والزراعة) بدأت في ميلانيزيا القديمة وبولينيزيا فيما بعد( جزيرة غينيا الجديدة) حيث كشفت أعمال التنقيب التي قام بها العالم "لينارت" عن أدوات وأسلحة حجرية بدائية وفحم خشبي يعود تاريخها إلى 25000 سنة، عُثر عليها في مواقع يرجع زمن استيطانها إلى العصر الجليدي الأخير (الفورم Würm)حين كان مستوى سطح البحر والمحيط أخفض مما هو عليه الآن.

الاكتشاف الأركيولوجي المذهل الذي تم مؤخرا في منطقة عبدة بثلاثاء إيغود قرب سبت جزولة عمالة آسفي، كشف عن حقيقة تاريخية تتجاوز الفرضية العلمية السابقة وخلق ثورة حقيقية اشتعلت في الأوساط العلمية الغربية وحيرت أسئلتها عقول العلماء. وقد لا يمر وقت طويل حتى نلم بالكثير من المعلومات المذهلة التي تعطي ارتسامات واضحة عن نوعية البشر الذي عاش في تلك الأزمنة الماقبل تاريخية وعلاقته بآدم.