تشعر بالخزي والعار والمهانة حين تجد نفسك تنتمي إلى "قومية عربية" ليست بينها وبين الديمقراطية إلا الخير والإحسان.
حين تشعر بأنك تنتمي إلى "رقعة جغرافية" ينتزع رؤساؤها من كراسيهم بالسيف والدم والانقلابات كما ينتزع مسمار صدئ، لا ينتابك الإحساس بالفخر والاعتزاز، ويجردهم "الربيع" من عقر قصورهم وبلاطهم وحاشيتهم.
حين تعلم أن الرئيس العربي، وقائد جيش التحرير وثورة المليون ونصف مليون شهيد لم يستطع حتى الموت أن يقتلعه من كرسيه "المهزوز"، فتأكد أنك مواطن تافه، ويحكمك "مومياء رئيس"!!
الزعماء العرب لا يؤمنون بـ "الخريف"
لا يعترفون بأن لكل بداية نهاية
لا يؤمنون بالمرض
يقاومون الموت
يتصلّبون في كراسيهم التي يصنعون منها بعد عمر طويل توابيتهم...
الجزائر قدمت للعالم "سوبرمان رئيس" لا يفنى.. سيفنى الشعب الجزائري ولن يفنى هوِ!! الموت سئم من الانتظار في قاعة الانتظار بقصر "المرادية" في انتظار أن يسمح له جنيرالات الجزائر بمقابلة الرئيس.
الموت يتوسل/ يتسول أمام باب الرئيس الجزائري لإتمام مهمته حتى لا يصبح عاطلا عن العمل.
الموت أصبح أسيرا في زنزانة قصر المرادية.
"سوبرمان" الأمريكي الذي لا تقهره أي قوه في الأرض أصبح خرافة، "سوبرمان" الحقيقي يوجد في الجزائر، ولكم أن تتخيلوا أن من يحكم أكبر دولة إفريقية وعربية في المساحة وليس في "الديمقراطية" و"العدالة الاجتماعية" و"المساواة"، هو "شبح" الرئيس" و"ظل الرئيس" وروحه "المتمردة" و"الفولاذية" التي لا تنصاع حتى للموت. ويا لها من روح "زئبقية" تكاد تكون من سلالة جينات بعض زعماء أحزابنا ونقاباتنا "الخالدين" في مناصبهم وكراسيهم وأماناتهم العامة!!
يتبوّلون على القوانين ويدلّسون النصوص ويتمردون على "العدالة" ويتهكمون على "التنمية" من أجل عيون الزعيم الذي أراد أن يصبح زعيما "ثلاثي الأبعاد" مثل عبد العزيز بوتفليقة "طروا دي دوريجين"!!
لكن يوجد في هذا الكوكب زعماء شرفاء يعيشون من أجل الشعب وليست عيونهم على "الكراسي" "والمناصب". عمدة أمستردام نموذج من الزعماء الذي تجري في دمائهم "نسغ" الديمقراطية والكرامة والشهامة. حين شعر بدنو أجله، مثل أي كائن من الكائنات الحية التي يحدد لها الله وتحدد لها الطبيعة حياة افتراضية قد تكون قصيرة نسبيا أو طويلة نسبيا، اختار أن يتنازل عن عرشه ويترجل من كرسي العمدة ليودع أهالي أمستردام بشجاعة، و"يعلن" أن مرض السرطان هزمه، مستعدا لانتظار "النهاية". عمدة أمستردام لم "يلعن" السرطان أو الموت، بل واجه مصيره وقدره بشجاعة، وظل في عيون المواطنين "بطلا" خارقا وخالدا مثل "سوبرمان".
هذا هو "الخلود" الذي لا يبحث عنه "بوتفليقة" أو "بنكيران" أو "لعنصر" أو أي زعيم يتشبث بالزعامة حتى في أرذل عمره، ويصاب بحالة من "الشّرَه" تجاه الكرسي حتى لو كان "دمية" فوق هذا الكرسي لا تتحرك إلا بواسطة "بطارية" أو "مفتاح" آلي!!
ساكنة أمستردام بعد نكبة عمدتها ورسالته المؤثرة -التي نشرتها "أنفاس بريس"- احتشدت أمام باب منزله (انظر الصورة) لتحيته ودعمه في محنته. لبت نداء الواجب والضمير والعرفان لمساندة عمدتها الذي ينازع الموت بسبب مرض السرطان. لم تنتظر أن تسمع خبر موته عبر وكالات الأنباء وقصاصات الجرائد. لم يسحبها أعوان السلطة ليمثلوا "مسرحية" الوفاء ويذرفوا دموع التماسيح.
عمدة أمستردام الذي لم يستطع الخروج لتحية هذا الطوفان الإنساني الحاشد، أناب زوجته التي خرجت لتشكر من حضر ومن لم يحضر باسم العمدة الذي سيظل "عمدة" في قلوب الأمسترداميين.
ولكم أن تقارنوا قصة عمدة أمستردام بقصة أي زعيم يحضر اسمه في خيالكم... ستًصعقون من هول المقارنة بلاشك!!
وكل خريف وأنتم بألف خير...