Monday 21 July 2025
كتاب الرأي

عبد الله بلوكي: من ينصف تلاميذ جنوب المغرب وشرقه؟

عبد الله بلوكي: من ينصف تلاميذ جنوب المغرب وشرقه؟ عبد الله بلوكي

تعتبر مرحلة ما بعد البكالوريا محطة مفصلية في حياة كل تلميذ وأسرته، فهي تتويج لمسار دراسي طويل وشاق، وحصاد لتضحيات جسام بذلتها الأسر التي لم تدخر جهداً في سبيل دعم أبنائها، وجهود متواصلة بذلها الأساتذة والمستشارون في التوجيه لإعداد جيل مؤهل لخوض غمار المستقبل. لكن هذا الحلم الذي ينسج خيوطه الجميع، يصطدم في كثير من الأحيان بواقع مرّ، يتجلى في برمجة غير عادلة ومجحفة لمباريات ولوج المدارس العليا، والتي تضرب في الصميم مبدأ تكافؤ الفرص الذي يعتبر أساس كل منظومة تسعى للإنصاف.

لنأخذ مثالاً حياً يوضح حجم المعاناة، فطالب من مدينة كلميم أو العيون، وبعد أن يجتاز مباراة كليات الطب والصيدلة يوم 19 يوليوز في مدينته، يجد نفسه أمام تحدٍ شبه مستحيل. ففي اليوم الموالي مباشرة، أي 20 يوليوز، هو مدعو لاجتياز مباراة معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة التي تنظم حصراً في الرباط. هذا يعني أن على تلاميذ كلميم والعيون والداخلة، وحتى وجدة، إما امتلاك القدرة الخارقة على الطيران في نفس الليلة للوصول إلى مركز المباراة في الوقت المناسب، أو التخلي مرغمين عن حلمهم بولوج هذه المؤسسة المرموقة، وهو الخيار الذي يضطر إليه الكثيرون للأسف. في المقابل، يجتاز نظراؤهم في الرباط والنواحي المبارتين بكل أريحية ودون عناء، مما يكرس انعدام تكافؤ الفرص بشكل صارخ.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالمعاناة تستمر مع توالي المباريات بشكل متلاحق؛ فبعد مباراة معهد الزراعة، تأتي مباراة المدارس الوطنية للتجارة والتسيير يوم 21 يوليوز، وتليها مباشرة مباراة المدارس الوطنية للعلوم التطبيقية في اليوم الموالي 22 يوليوز، ثم مباراة المدرسة الوطنية العليا للفنون والمهن يوم 23 يوليوز التي تتطلب التنقل مجدداً إلى الرباط أو الدار البيضاء أو مكناس. هذه البرمجة المتتالية تعني لأبناء الجنوب والشرق المزيد من السفر المضني، والمزيد من السهر والإرهاق والجوع، في وقت يحتاج فيه التلميذ إلى كامل تركيزه وطاقته الذهنية والجسدية. إنها نماذج بسيطة لسوء تدبير يكرس مركزية غير منصفة تجاه أبناء المناطق البعيدة.

إن هذه البرمجة لا تضرب فقط مبدأ العدالة المجالية، بل تلقي بظلالها القاتمة على نفسية التلاميذ الذين يعيشون تحت ضغط هائل، وتثقل كاهل أسرهم بأعباء مالية لا يستهان بها، من تذاكر سفر باهظة ومصاريف مبيت ومأكل. الحلول ليست مستحيلة، بل تتطلب إرادة حقيقية لتكريس الإنصاف، وذلك عبر تكييف تواريخ المباريات لتراعي البعد الجغرافي وتمنح التلاميذ فرصة للتنقل والراحة، والأهم من ذلك، اعتماد الجهوية في تنظيم المباريات عبر فتح مراكز للامتحان في مختلف جهات المملكة. فلا يمكن لأي إصلاح للمنظومة التعليمية أن ينجح دون ضمان تكافؤ الفرص واقعياً وملموساً، ليس فقط داخل الفصول، بل في هذه المرحلة الحاسمة من مستقبل شبابنا.

في الختام، إن صرخة تلاميذ جنوب المغرب وشرقه ليست مجرد شكوى عابرة، بل هي نداء من أجل العدالة والإنصاف. إن بناء مغرب متقدم ومتضامن يبدأ من ضمان حق كل تلميذ، أينما كان موقعه على الخارطة، في المنافسة على أحلامه بشروط عادلة ومتساوية، بعيداً عن أي عراقيل جغرافية أو مادية ترهن مستقبله وتحد من طموحاته.

 

عبد الله بلوكي، مستشار في التوجيه