توفر الملتقيات فرصة للناشطين في الميدان من مغاربة العالم ومغاربة الداخل، وللباحثين من مختلف التخصصات للقاء ومناقشة أفكارهم ومواقفهم حول قضايا معينة ومهمة تصب في تنمية المغرب.
فإذا كانت الجالية تسعى منذ صدور دستور 2011 (14 سنة)، إلى الضغط من أجل تنزيل الفصول 17 و18 و163 و171 من الدستور، فهذا الأمر يصب في صالح كل المغاربة.
فدستور 2011 حرص على تكريس حماية حقوق الجالية وكل المغاربة، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، حيث يشكل الفصل 17 من الدستور على الخصوص ثورة جديدة للدولة في تعاملها مع المواطنين القاطنين في الخارج، خاصة حقهم في المواطنة الكاملة، والفصل 18 يؤكد على ضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين بالخارج في المؤسسات الاستشارية، وهيئات الحكامة الجيدة التي يحدثها الدستور أو القانون.
وقد نص الفصل 171 من الدستور على أنه “يحدد بقوانين تأليف وصلاحيات وتنظيم وقواعد تسيير المؤسسات والهيئات المنصوص عليها في الفصول 160 إلى 170 من هذا الدستور”، والتي يوجد ضمنها مجلس الجالية المغربية. هذه المؤسسة ستحظى بأهمية متميزة، ولا سيما الفصل 163 من الدستور ضمن الباب الثاني عشر “الحكامة الجيدة”، حيث حدد مهمتها في ما يلي: “يتولى مجلس الجالية المغربية بالخارج، على الخصوص، إبداء آرائه حول توجهات السياسات العمومية التي تمكن المغاربة المقيمين بالخارج من تأمين الحفاظ على علاقات متينة مع هويتهم المغربية، وضمان حقوقهم وصيانة مصالحهم، وكذا المساهمة في التنمية البشرية والمستدامة في وطنهم المغرب وتقدمه".
ونرى جلياً وفي كل جهات المغرب نجاح العمل المشترك لمغاربة العالم ومغاربة الداخل بالمجتمع المدني لكونه أداة قانونية قوية للاختراق والضغط والوصول إلى المعادلات الاجتماعية الصعبة من هذا الطرف أو ذاك. خاصة وأن الدستور المغربي شرع بتمكين المواطن المغربي داخل وخارج الوطن من المشاركة في صناعة القرار العمومي عبر مجموعة من المكنزمات والآليات، وتجاوز منطق الإنصات إلى الانتقال من المواطن المستفيد إلى المواطن الفاعل. ومع بروز الديمقراطية التشاركية، سعت الدولة إلى إشراك الفاعلين المدنيين في بعض المجالات. إذ أنشأت الدولة المغربية كفاءات مغاربة العالم، فهم مواطنون مغاربة مقيمون في الخارج ويتمتعون بمؤهلات وخبرات عالية في مختلف المجالات. يساهمون في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب من خلال تحويلاتهم واستثماراتهم ونقل خبراتهم واستقطاب الكفاءات الأجنبية، بالإضافة إلى دورهم في الدبلوماسية الموازية.
وسأسلط الضوء هنا على فضاء من فضاءات الجهة الشرقية للمملكة المغربية لإبراز دور مغاربة الداخل والخارج الإيجابي في العمل على تنمية المنطقة كنموذج.
فالتأسيس لـ"منتدى كفاءات الظهرة" من كفاءات من داخل وخارج الوطن، بمجال بني ڭيل، كوسيلة لتقريب المجال من المركز والعمل على إظهاره، وكذلك المساهمة الفعالة في مساعدة المحليين بعد انتظامهم في التوجهات التي من شأنها النهوض بالمجال، ستسهل تنميته والعمل على إشعاع موروثه الثقافي وثرواته. فهذا التأسيس هدف يمشي في الطريق الصحيح لكون المنتدى فاعلاً بالمجتمع المدني.
وهنا لابد أن يلعب المنتدى دوره بشراكة مع الآخرين، ومع السلطة، وحتى مع شركة إنتاج الغاز بتندرارة من أجل الحصول على دعم حقيقي مالي وتقني لبلوغ أهداف واسعة. وهذا سيمكن الرحل من الاستفادة من ثروات المنطقة طبقاً للقانون وفي إطار سياسة الدولة المنبثقة من المبادرة الوطنية للتنمية منذ 2005.
وبالموازاة مع ذلك، لابد من تطوير صناعة "الفليج" و"الحلفاء" وتدريس الدراية في مجال الكسب و"الدغمة" وكسب الخيول وحتى الجمال، وتصنيف كل من المأكولات "كالجبن والكليلة والناڭودة والترفاس والمردود والشوا والعهڭان واللبا والعكة والضبية والڭربة والخيمة الڭيلية وغيوان بونسوان وغيوان التراريس والبارضية والحيدوس وخط السكك الحديدية والمناجم وبعض المنتجعات كتراث باليونيسكو والاستفادة منها كصناعة ثقافية. ولا بد من الحفاظ على "الحلفا" لأن ترابها يبتلع الرمال ويوقف زحفها، وهذا تنوع إيكولوجي في هذه المنطقة لابد من الحفاظ عليه. والحفاظ على منطقة "حويطة" بتندرارة وصنوبرها الحلبي، وعلى منطقة "ضايت الحجل" وأشجارها البالغة قرناً من الزمن بجماعة بني ڭيل. وتثمين المنتوج النباتي ومتابعة مشروع دعم الصناعة التقليدية بالنجود العليا لدعم النساء اللواتي يوظفن الحلفاء في صناعة أطباق وديكورات وتثمين صناعة الصوف، والحفاظ على المحميات لبذور النباتات الرعوية مثل منطقة "راس بنزيد" التي تبعد عن تندرارة بحوالي 40 كم. بالإضافة إلى المعرفة والدراية المتعلقة بالحفاظ على المواد الغذائية ومرافقتها.
ولا يفوتني بالتذكير بفتح المطار الدولي بوعرفة أمام الرحلات الأوروبية، وإعادة فتح الخط الدار البيضاء - بوعرفة الذي أغلق في 2020، وفتح رحلات جوية بين وجدة وبوعرفة. المطار الدولي بوعرفة يربط بين بوعرفة وأشقائنا بالإمارات، ويستقبل طائرات ضخمة منذ 2005، وهو ثالث مطار بالجهة الشرقية. وفتح المطار سيعطي فرصة للسياح لزيارة واحة فجيج وكل المنطقة.
ولا بد من فتح خط السكك الحديدية بين وجدة وبوعرفة. هذا هو الخط الدولي الوحيد بالمغرب، إذ كان يربط بوعرفة بوهران.
ولا بد من طريق سريع يربط بوعرفة بفجيج.
ومن بين الأنشطة الفلاحية التي يستثمر فيها مغاربة الداخل والخارج بالمنطقة، نجد على رأسها تربية المواشي. وقد تابعنا بأهمية ما قدمه وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات في مايو المنصرم، تنفيذًا للتوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، أمام مجلس الحكومة، من تفاصيل البرنامج الذي ستطلقه الحكومة والموجه لدعم مربي الماشية وتحسين أوضاعهم، ودعم الأعلاف، وإطلاق عملية ترقيم إناث الماشية، وذلك لتتبع ومواكبة أجرأة منع ذبح الإناث للحفاظ على القطيع الوطني، وإطلاق حملة علاجية وقائية، وتنظيم عملية تأطير تقني لمربي الماشية، وإعادة تشكيل القطيع الوطني بشكل مستدام للرفع من الإنتاجية.
وأخيرًا، يشير الفصل 139 إلى ضرورة دعم وتسهيل مشاركة ومساهمة المواطنين والمواطنات داخل وخارج الوطن والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها؛ وذلك من خلال الآليات التشاركية المرتبطة بالحوار والتشاور التي تضعها مجالس الجهات والجماعات الترابية الأخرى؛ كما يمكن للمواطنين والمواطنات والجمعيات تقديم عرائض من أجل إدراج نقطة ضمن جدول أعمالها تدخل في اختصاصها.
ومع اقتراب انتخابات 2026، فكل المغاربة في انتظار المشاركة السياسية انطلاقًا من دول الإقامة.
والفصل 139 يشير إلى ضرورة دعم وتسهيل مشاركة ومساهمة المواطنين والمواطنات والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها؛ وذلك من خلال الآليات التشاركية المرتبطة بالحوار والتشاور التي تضعها مجالس الجهات والجماعات الترابية الأخرى؛ كما يمكن للمواطنين والمواطنات والجمعيات تقديم عرائض من أجل إدراج نقطة ضمن جدول أعمالها تدخل في اختصاصها التي ستحددها الهيئة، حتى يتسنى لها معرفة أدوارها بشكل مفصل ومحدد من أجل المساهمة في تنمية المنطقة بشكل فعال وناجع.
فالفصل السادس والعشرون مثلاً أكد على دور الدولة في تدعيم تنمية البحث العلمي والتقني، والنهوض بالرياضة والإبداع الثقافي والفني، والصناعات الثقافية. إذ تُعتبر الصناعات الثقافية والإبداعية التي جاءت بها اتفاقية اليونسكو 2005 بشأن حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي من أسرع الصناعات نمواً في العالم. وقد ثبت أنها خيار إنمائي مستدام يعتمد على مورد فريد ومتجدد هو الإبداع البشري.
فمثلاً، بالجهة الشرقية نرى مبادرات فعالة وناجعة لمغاربة الداخل والخارج، وعمل جبار مشترك وتشاركي من أجل التنمية.
لهذا، فإن من شأن التعاون البناء بين كفاءات بني ڭيل ومجموعة الكرامة والفاعلين المحليين الذين يمكن العمل معهم، كيفما كان حجم جمعياتهم، في انسجام وتماسك لإعداد ملفات الرحل، واتباع قواعد فنية وإدارية واضحة لتتبعها وتنفيذها، والدفع بمطالب المنطقة إلى الأمام، والاستعانة بشخصيات محلية عند الضرورة، أن يأتي بحلول سريعة. وكل هذا سيعزز الثقة بين ساكنة المنطقة والفاعلين والمنتدى. وبالتالي، انطلاقًا من المصداقية التي ستنبثق من هذا التعاون، سيؤدي ذلك إلى إنشاء هيئة مشتركة لكل هؤلاء الفاعلين للتشاور والعمل سويًا في بعض الملفات. هيئة تركز انتباه مكوناتها على أداء المهام مع الحفاظ في نفس الوقت على انسجامها وتماسكها وخصوصيتها، وتهتم و تحرص على أداء عملها في التنمية.