السبت 20 إبريل 2024
مجتمع

عبد الله الترابي: لماذا لا تخفض الدولة الضريبة على الآباء الذين تحملوا كلفة تدريس أبنائهم بالقطاع الخاص؟

عبد الله الترابي: لماذا لا تخفض الدولة الضريبة على الآباء الذين تحملوا كلفة تدريس أبنائهم بالقطاع الخاص؟

أصبحت المدارس المغربية بمثابة بيوت زجاجية عملاقة صالحة لزراعة الجهل والأمية وعدم التوافق مع متطلبات سوق الشغل. أول من يعاني هم الآباء والأمهات من الطبقة المتوسطة الذين ينزفون لتوفير الدراسة لأطفالهم. هذا مجمل ما أراد أن يقوله الكاتب الصحفي عبد الله الترابي في آخر مقال له منشور بموقع H24 LE Figaro يوم الآربعاء 8 شتنبر 2017، مواكبة منه للدخول المدرسي لهذا الموسم الدراسي الجديد؟

"عندما دخلت هذا الأسبوع في نقاش مع اثنين من أصدقائي وهما أستاذان جامعيان من النواتج الصرفة للمدرسة العمومية المغربية، تذكرنا بشوق مصحوب بمسرة ولكن أيضا بقليل من المرارة، ما مثلته المدرسة الخاصة بالنسبة لنا في سنوات التسعينيات: ملجأ للمطموسين، رمزا للتعصر الدراسي وتدهورا لا أمل في الخلاص منه. وكان الطالب المسجل في كلية خاصة أو مدرسة ثانوية (بعيدا، بالطبع، عن البعثة الفرنسية) يعيش في هذه الحالة عارا لا يمكن تجنبه، وهو سر من الصعب الكشف عنه حتى تحت التعذيب.

أخبرني أحد هذين الصديقين أن والده هدده ذات يوم بإخراجه من الثانوية التأهيلية العمومية وإرساله إلى مؤسسة خاصة إذا لم يحسن نتائجه الدراسية. كان ذلك التهديد في ذلك الوقت مرعبا.. في غضون سنوات قليلة، انعكست القيم وأخلى الحياء المجال، وانهارت الثقة في المدارس العمومية، وأولئك الذين يرتادونها يفعلون ذلك تحت إكراهات جغرافية أو مالية. وبدلا من أن تقوم دبورها كنقطة انطلاق لارتقاء اجتماعي، أصبحت غيتو للفقراء وقيدا ثقيلا يربط الفرد بحالته البائسة.

إن الأرقام الخاصة بتوسيع التعليم الخاص في المدن الكبيرة مثيرة للاهتمام. في بعض الأحياء الغنية في الدار البيضاء، على سبيل المثال، يتجاوز معدل الطلاب المسجلين في القطاع الخاص 60٪ والأحياء الشعبية ليست استثناء من هذا الاتجاه. الطبقة الوسطى هي الضحية الرئيسية لهذا الطفرة. أعضاء هذه الطبقة، وعيا منهم بدور التعليم في عالمنا، ينزفون إلى الأوردة الأربعة لضمان  دراسات جيدة لأطفالهم. ولذا أصبح التفكير في ليلة رسوم التسجيل وتكلفة اللوازم المدرسية أقوى وسيلة لمنع الحمل في المغرب. إنه يزيل كل الرغبة الجنسية ويقتل الليبيدو، بفعالية أكثر من الصداع النصفي!

وهو ما يكفي لإثارة نقاش مع أولياء الأمور، حول تعليم أطفالهم، لقياس مدى التضحية وأحيانا حتى المعاناة. هناك شعور بالظلم وعدم الفهم بين أوساط الطبقة الوسطى. تتألف هذه الطبقة الوسطى أساسا من الموظفين والمستخدمين المأجورين، وهي تخضع للضريبة بشكل كبير ويتم خصم كل شيء من المصدر. هم يدفعون الضرائب للدولة، يكاد يكون مقابلها غير مرئي: فهم يرسلون أطفالهم إلى المدارس الخاصة، وتتولى رعايتهم الصحية عيادات خاصة، ويعيشون في مساكن توفر أمنها شركات خاصة. وبالنسبة لهم، فإن الاتصال بالمصالح الإدارية العامة صار يقتصر تقريبا على سحب نسخ من شهادة الميلاد من المقاطعة. وسيكون من الإنصاف التفكير في آلية ضريبية تخفف العبء على هذه الطبقة الوسطى التي تعاقب على اختيارها تقديم تعليم أفضل لأطفالها.

لإصلاح التعليم، نحن الآن أمام فرصتنا النهائية، فرصة أخيرة لإنقاذ نظامنا التعليمي من السقوط في الهاوية. تتبع التقارير والتصنيفات يؤكد نفس الشيء: أصبحت المدارس المغربية بيوتا بلاستيكية عملاقة صالحة لزراعة الجهل والأمية وعدم التوافق مع متطلبات سوق الشغل. ويذكرنا التقرير الأخير للبنك الدولي بأن جميع إصلاحاتنا السياسية والاقتصادية لن تكون مجدية إذا فشلنا في تحقيق "معجزة تعليمية"، أي إصلاح رئيسي وعميق للمدرسة المغربية. يجب أن نؤمن بهذه المعجزة، لأنه ليس لدينا خيار آخر.