لا أعتقد أن هناك نية إصلاح حقيقية، سواء على المدى الطويل أو القريب ستشمل قطاعات، لطالما نادى المواطن بإصلاحها والاستفادة منها كما يجب بمعايير الجودة التي يجب أن تكون عليها، ولكن كل ما هنالك أن المصلحة التي تميز رؤوس الأموال هي التي تطغى حاليا وتطفو فوق السطح، ضاربة عرض الحائط مصلحة المواطن وكرامته وحقه في العيش الكريم.
فمن يعتقد أنه سيكون هنالك إصلاح في القريب العاجل، وأن عجلة التنمية ستتسارع لتعود عليه بالنفع وأن هناك ضمائر حية هي من تمسك بزمام الأمور، فهو –للأسف- واهم، ووجب عليه أن يصحو من سباته، لأنه لا توجد إرادة سياسية حقيقية لدى من يديرون دفة هذا الوطن المسافر نحو المجهول.خصوصا إذا ما علمنا أن سياسة التقويم الهيكيلي التي فرضها صندوق النقد الدولي على المغرب سنة 1983، والتي تفرض عليه خوصصة جميع قطاعاته كالصحة والتعليم والتشغيل وكذا الماء والكهرباء وكل القطاعات... هذا البرنامج الذي جاء نظرا للعجز المالي الكبير الذي أصبحت تعاني منه الدولة، قام صندوق النقد الدولي بمجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى إصلاح هيكلي للمنظومة الإنتاجية والاقتصادية التي من شأنها أن تعود علي الدول المتقدمة بالمنفعة، ولا يهمها إطلاقا مصلحة مواطن الدولة المتخلفة، فهو استعمار ذكي آخر، بطريقة أخرى وبمفهوم مخالف عما عهدناه من حروب ودماء، هذا إذا كانت هذه الدولة النامية تريد أن تضمن لها حضنا دافئا بين ذراعي صندوق النقد الدولي وتكسب وده ورضاه عليها لتسيير القروض إو "إغراقه بالقروض".
فيقول لها صندوق النقد الدولي: إذا كنتي أيتها الدولة المتخلفة تريدينني أن أقرضك ما تشائين، يجب أن أضمن أموالي التي سأعطيها إليك كقرض، ولكي أضمن أموالي عليك أن تتبعي تعليماتي وتطبقي أوامري وإلا فسأحرمك من القرض التي تودين أخذه. سيناريو طريف، لكن هذا هو الواقع السخيف الذي نعيشه اليوم..
ومن أبرز الأوامر التي فرضها صندوق النقد الدولي، نذكر ما يلي:الرفع من الضريبة على الأجور،تحصيل متأخرات الضريبة،إصلاح النظام الضريبي،تجميد أو النقص من عدد الموظفين،تجميد الأجور،النقص من حجم الاستثمارات العمومية،تأخير الاستثمارات الجديدة،تخلي الدولة عن العديد من الخدمات الاجتماعية،إعادة جدولة الديون الخارجية وتحويل الدين الخارجي إلى استثمارات خارجية،تحرير التجارة الخارجية: ويعتبر هذا الإجراء من الإجراءات التي لا يقدم البنك العالمي أي تنازل بشأنها ، بهدف الإلغاء الكلي للحوجز الجمركية (الرسوم التي تفرضها الدولة على الواردات) وغير الجمركية (كل ما من شأنه أن يعرقل الواردات دون أن يمنعها أو أن يضع أمامها ضرائب جمركية)،خوصصة القطاعات العمومية: بحيث يعتبر صندوق النقد الدولي أن نقص العرض يعود إلى ضعف اندماج البلدان النامية في الاقتصاد العالمي كما أنه يقدم كحل لذلك انفتاح البلدان على الخارج والنقص من دور الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
لكن الخطير في الأمر أن لهذه القرارات أو التعلىيمات أو الأوامر، وسميها أنت ما شئت، آثار سلبية خطيرة على المجتمع خصوصا وأننا مجتمع هش اقتصاديا واجتماعيا، فالآثار الاقتصادية والاجتماعية لسياسة التقويم الهيكلي يمكن إدراجها في ما يلي:تعرض الاقتصاد الوطني ذات البنية الهشة لصدمات خارجية،خلق التضخم،ارتفاع الأسعار وإلغاء الدعم المقدم للمواد الأساسية،ارتفاع أثمان المنتوجات المستوردة،إضعاف دور الدولة (دور الدولة ينبغي أن ينحصر في مراقبة احترام قواعد السوق من طرف الفاعلين الاقتصاديين)،تعميق عدم التكافؤ في توزيع المداخيل،ارتفاع معدلات البطالة .
كل هذه الأسباب جعلت من الدولة تلعب دور المحرض للدفع بالمواطن نحو القطاع الخاص مكرها ومجبرا لا مخيرا، وذلك بتشويه صورة القطاع العام واستنزاف إمكانيته لجعل خدماته جد متدنية، وبالتالي هروب المواطن نحو القطاع الخاص خوفا من الظلم وبحثا عن خدمات جيدة تحفظ له كرامته وسيرورته بهذا العالم .
مثالا لذلك هو انتشار العديد من المستشفيات الخاصة وكذا المدارس الخاصة وتشجيعها ودعمها أيضا ماديا وإعلاميا عبر رسم صورة قرمزية حولها من شأنها أن ترسخ بفكر المواطن.. بالمقابل رسم صورة قاتمة اللون حول القطاع العمومي عبر حديث الشارع والأخبار الصفراء وبعض النكات والطرائف حول رجال التعليم مثلا، بالإضافة إلى استنزاف إمكانيات القطاع العمومي، وتشجيع الشباب على الاستثمارات الخاصة رغم عدم تواجد مناخ حقيقي وعادل للاستثمار بدل هم التشغيل والتوظيف بالقطاع العام.
والحال كذلك في ما يخص بقطاع الماء والكهرباء بحيث أن المسالة أسندت اليوم إلى العديد من الشركات الخاصة كريضال أو أمانديس أو ليديك، وغيرهم كثير لتسيير هذا القطاع بدل المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، لترفع الدولة يدها عن كل ما هو عمومي، وتترك المواطنين في مواجهة الخواص وأرباب المال والأعمال الذين لا يهمهم إلا الربح المادي المحض على حساب المواطن البسيط.
فما يتم تصويره اليوم من بروبغاندا واهية شملت قطاع التعليم على سبيل المثال لا الحصر من صباغة للمؤسسات التعليمية واستبدال السبورات السوداء وضرورة النشيد الوطني بالمؤسسات التعليمية، أو ما يشهده قطاع الصحة في بعض الاحيان من بناء مستشفيات طبية تفتقد إلى الأجهزة الطبية أو أطر ذوو كفاءات، أو في مجال التشغيل بحيث نسمع بين الفينة والأخرى الإعلان عن عشرات المناصب التي لا يوصف بها في الحقيقة سوى بضع شباب محسوبين على رؤوس الأصابع بطرق ملتوية نعرف دهاليزها جيدا. كل هذا ما هو إلا ذر للرماد في العيون، وخصوصا أن نهضة وصحوة شعبية بدأت تظهر في الأفق، وقد لمس لهيبها جل المسؤولين على خدمة هذا الشعب، وبالتالي وجب إيجاد وسيلة لإخماد هذه الصحوة، مع الحفاظ على إملاءات وأوامر صندوق النقد الدولي.
رؤوس الأموال وصناع القرار ومن وكلت إليهم أمور تسيير هذا البلد، لا تهمهم مصلحة المواطن نهائيا، وآخر ما يهمهم أن يجدوا مواطنا يبتسم لرضى حاله.. فلا توجد نهائيا إرادة سياسية تسعى لخدمة أبناء هذا الوطن، ولكن ما يوجد هو حفلة لاقتناص أكبر عدد من الفرص من أجل مصالح شخصية فقط والاغتناء من أموال صندوق النقد الدولي، مقابل الاستغناء عن خدمة هذا الوطن وأبناء هذا الوطن.