الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

أبو وائل الريفي: الأزمة مع ألمانيا وإسبانيا كشفت صلابة المغرب الرافض للابتزاز

أبو وائل الريفي: الأزمة مع ألمانيا وإسبانيا كشفت صلابة المغرب الرافض للابتزاز المستشارة الألمانية ميركل ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز

يعود أبو وائل الريفي في مقاله المنشور بموقع "شوف تيفي" يوم الأحد 6 يونيو2021، إلى الدروس المستخلصة من الأزمة التي وقعت بين المغرب من جهة وألمانيا وإسبانيا من جهة ثانية. ومن أهم الدروس اكتشاف المغاربة لدولتهم المنحازة لمصالح المغاربة والرافضة للخضوع للمساومة.

"أنفاس بريس"، تتقاسم مع قرائها قراءة أبو وائل الريفي:

 

رغم ظروف الجائحة، ظل المغرب قويا مبادرا يحصد الانتصارات، سواء في القضية الوطنية أو في غيرها. وعدد القنصليات التي فتحت في الصحراء مثال فقط واعتراف أمريكا بمغربية الصحراء كاف ليبين على أن المغرب كسب المواجهة الدبلوماسية ضد الانفصاليين ورعاتهم.

 

من يجالس المغاربة في المقاهي ويخالطهم في الأماكن العامة يلاحظ ارتياحا لأداء الدولة في ملف العلاقة مع اسبانيا وألمانيا وغيرهما. صار المغاربة متأكدين أن دولتهم لا تخضع للابتزاز ولا ترضى بغير التعامل باحترام وبمنطق شراكة متكافئة. وهذا هو الواقع فعلا. وقد كان هذا الملف مناسبة أخرى اكتشف فيها المغرب صلابة دولتهم ونظامهم وانحيازه لمصلحة البلاد. لقد وجدت اسبانيا نفسها معزولة باستثناء تضامن شفوي في حده الأدنى من الاتحاد الأوربي الذي تنبهت دوله إلى أن المشكل محدود ولا مصلحة لها في أن تكون طرفا فيه، بالرغم من مبادرة خمسة نواب من الحزب اليميني “كويدا دانوس” لاستصدار قرار من البرلمان الأوروبي يدين المغرب من أجل خرق اتفاقية الأمم المتحدة حول حقوق الطفل، فإن نجاح هذه المناورة يستلزم تصويت نواب الحزب الحاكم في فرنسا وهو شيء مستبعد على ضوء مبادرة وزير الخارجية الفرنسي الذي تحرك يوم الخميس من أجل الوساطة بين المغرب وإسبانيا، وتحركت أوساط يمينية أخرى من أجل تلطيف مسودة القرار لتجنب تأزم العلاقات بين المغرب وأوروبا، وخاصة أن المغرب وفي لالتزاماته ويثبت أنه شريك مسؤول في قضايا تهم الطرفين. وقد كان الدليل العملي هو إعلان الملك رغبة المغرب في تسوية نهائية لقضية القاصرين المغاربة الموجودين في وضع غير قانوني في أوروبا، وهو ما ترجمه البيان المشترك لوزارتي الداخلية والخارجية الذي نص على أن “المغرب مستعد للتعاون، كما فعل دائما، مع الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي من أجل تسوية هذه المسألة”. وكم كانت عبارة “كما فعل دائما” في مكانها. كما أكد البيان على “التزام المملكة الواضح والحازم قبول عودة القاصرين غير المصحوبين الذين تم تحديد هويتهم على النحو الواجب”. هذا التزام دولة مسؤولة مؤمنة بمنطق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وسبب التباطؤ في حل هذا الملف راجع أساسا إلى “عوائق بسبب الإجراءات المعقدة في بعض البلدان الأوروبية”. لذلك وتجسيدا لهذا الالتزام أمر الملك بإرجاع هؤلاء القاصرين وهو الالتزام الذي أكده الملك في عدة مناسبات لرؤساء دول أجنبية شريطة تحديد هويتهم على الوجه الأكمل.

 

لم يمنع الخلاف الإسباني المغربي الدولة المغربية من الوفاء بالتزاماتها، ولكن بالمقابل تمادت اسبانيا في إضرارها بمصالح المغرب، وهو ما تعيه الآن أكثر من دولة أوربية صارت على وعي بطبيعة الخلاف ومسؤولية اسبانيا في ارتفاع منسوب التوتر باستقبالها شخصا بهوية مزورة وهو سلوك لا يمكن تبريره تحت أي ظرف، ومرورا بالتلكؤ في تقديمه أمام العدالة وهو المطلوب في جرائم حرب، وانتهاء بالاستماع له عن بعد والسماح له بمغادرة البلاد إلى الجزائر. صار الأوربيون أكثر وعيا بمسؤولية اسبانيا في تأجيج الخلاف وبأن المغرب كان في حالة انتصار للمنطق والقانون والشراكة وبأن تحركه ضد هذه الخطوات ورفضه لها نابع من حرصه على علاقة شراكة متكافئة.

 

والآن بعد أن تم تهريب غالي رغم عدم اكتمال استشفائه في إسبانيا، فلنطرح السؤال هل ربحت إسبانيا أم خسرت من الأزمة؟ بكل وضوح إسبانيا هي التي خسرت من خلال تدهور علاقاتها مع شريك من حجم المغرب، وقرار استقبال غالي كلفها الكثير، فهي لم تكن محتاجة لقرار من هذا النوع.

 

المغرب في العمق لم يخسر شيئا بل دافع عن مواقفه ومصالحه بالشكل المطلوب وكان واضحا وصادقا منذ البداية، وليس أبلغ وأصدق من مطالبة الأمين العام للحزب الشعبي المعارض باستقالة وزيرة الخارجية الإسبانية على ضوء تدبيرها لأزمة المغرب، فهل يضحي رئيس الحكومة الإسبانية بوزيرة الخارجية التي تجاهلت كل تحذيرات المخابرات الإسبانية حول تداعيات قرارها التي تحمست لها لقبول دخول بن بطوش إلى التراب الإسباني.

 

إنه السؤال الذي تحدد الإجابة عليه مستقبل العلاقات المغربية الإسبانية ووتيرة عودتها إلى سابق عهدها مع ضمانات عدم عودة إسبانيا إلى الإساءة إلى المغرب.

 

لقد حاول الرئيس الجزائري وبعض جنرالاته التغطية على حالة الهزيمة التي يشعرون بها بزيارة لبن بطوش محركين آلتهم الدعائية لتناقل الصور. هؤلاء الذين لم يسمع لهم صوت منذ أسابيع، ها هم اليوم يستقبلون في أرضهم متابع بجرائم تعذيب واغتصاب صار العالم كله يعرف أنه مجرد “حراك” خائف من التجول بين البلدان بحرية لأن مكانه الطبيعي هو السجن. هل يفعلها بن بطوش ويزور دولا أخرى غير اسبانيا؟ هذا تحدي. إن كان يؤمن حقا ببراءته فما عليه إلا أن يكون هو أول من يطالب بمحاكمته ليستصدر حكما نهائيا بهذا الشأن ويسكت كل من يتهمه. هذا هو سلوك رجل الدولة المسؤول، ولكن كيف لزعيم ميليشيا أن يعي هذا الكلام. وكيف لجنرالات بن تبون أن يتصرفوا بمنطق سليم تجاه المغرب الذي يشكل عقدتهم الملازمة لشخصيتهم. أمثال هؤلاء يصابون بالهوس كلما سمعوا خبرا عن المغرب.

 

أحسن المغرب تدبير هذا الملف لأنه أحرج الحكومة الإسبانية أمام الرأي العام الإسباني وكشف ازدواجية المعايير لديها وكم كان قويا بيان وزارة الخارجية المغربية بهذا الشأن حين ذكر الحكومة الإسبانية أنها تكيل بمكيالين وهو ما لن يرضاه المغرب. وكسب المغرب إلى صفه دولا كثيرة في الاتحاد الأوروبي صارت أكثر وعيا بدور المغرب وحقيقة المجهود الذي يبذله في ملفات الهجرة ومحاربة الإرهاب والجريمة والمخدرات. وفضح عصابة البوليساريو ومن يقف وراءها واتضح للجميع أن الجزائر أكبر داعم لهذا الكيان. لقد كشفت هذه الأزمة أن البوليساريو عبء على من يتبناه ونذير شؤم على من يربط مصيره به وأن أسلوب العصابات والسرية ما زال هو المعتمد لديه وهو ما يبعده ويجعل من المستحيل تحوله إلى دولة. هذه ستكون كارثة على المنطقة، وهو الأمر الذي وعته دول كثيرة تخلت عن الاعتراف به ويمكن فقط النظر في عدد هذه الدول لنفهم حالة البؤس التي يعانيها البوليساريو ومعه جنرالات الجزائر الذين خسروا أموالا طائلة على هذه الجبهة وإجرامها وكان الأولى بها الشعب الجزائري الذي لم يوقف احتجاجاته وحراكه رغم التضييق والتهديد. إنها قصة نجاح مغربي آخر على المستوى الدبلوماسي يتلقاها المغاربة باعتزاز الذين يتفاخرون بالانتماء إلى دولة قوية قادرة.