Wednesday 21 May 2025
خارج الحدود

مركز الإحصاء الجزائري يفضح حكومته: 80 % من الإحتياجات مستوردة

مركز الإحصاء الجزائري يفضح حكومته: 80 % من الإحتياجات مستوردة

تشير الإحصاءات الشهرية التي يكشف عنها المركز الوطني للإحصاء التابع للجمارك الجزائرية إلى وجود إصرار من الحكومة على تغليط الرأي العام بإقناعه بأن هناك صناعة محلية.

وبالعودة إلى الأرقام، نجد أن واردات الغذاء بلغت خلال الفترة من يناير إلى يوليو بلغت 5.17 مليار دولار، فيما لا تتجاوز صادرات البلاد خارج قطاع النفط خلال نفس الفترة حوالي 200 مليون دولار.

وتعني هذه المفارقة أن الأمن الغذائي للجزائر بات تحت رحمة دول أجنبية أصبحت قادرة على تجويع الجزائريين بمجرد إعلانها التوقف عن بيع الغذاء للجزائر، كما تكشف هذه الوضعية الخطيرة أن الخطاب الذي ظل يردده النظام على مدار العقود الأخيرة هو مجرد خطاب تلهية للمجتمع، وأن الاستثمارات في القطاع الصناعي والزراعي الذي تم ضخه ذهب إلى وجهة أخرى غير تلك التي يفترض أنه يتجه إليها.

وتفضح الأرقام التي تعلنها دوريا مصالح الجمارك أن سياسة التصحير والقضاء على النسيج الصناعي الوطني نجحت 100% بداية من مسار غلق المؤسسات الذي شرع فيه منتصف تسعينات القرن الماضي، والذي استمر منذ وصول بوتفليقة إلى الحكم وإلى اليوم، حيث تسبب ذلك في زيادة معدل تغطية الحاجيات الوطنية باللجوء إلى الاستيراد مقابل انكماش قياسي في الإنتاج المحلي.

وإجمالا نزلت مساهمة القطاع الصناعي في الناتج الداخلي الإجمالي إلى 3% في نهاية 2015 مقابل 20 % نهاية 1990. وفي نهاية 2016 أصبح الإنتاج الوطني في مجال النسيج والجلود مثلا لا يغطي سوى 4% مقابل 80% نهاية 1990، وبلغت واردات البلاد من الملابس والأحذية 4 مليار دولار.

وتسببت سياسة حكومات بوتفليقة المتعاقبة منذ 2000 في غلق أزيد من 1000 مؤسسة متوسطة وكبرى وتحطيم قطاعات صناعية إستراتيجية على غرار الحديد والصلب والاسمنت والصناعات الغذائية (الزيت والسكر والعجائن)، سواء من خلال عمليات خوصصة غير شفافة أو عن طريق الغلق، وتحويلها إلى يد لوبيات دولية أو خاصة محلية مرتبطة بمصالح أجنبية.

وتحولت العديد من الشركات المحلية إلى مجرد ممثليات لمصالح خارجية سواء عن التمثيل التجاري أو عن طريق الاستيراد المباشر والبيع على الحالة الذي ساهم في امتصاص وتجفيف 50 % من احتياطات البلاد من النقد الأجنبي، وفيما أمتص النصف المتبقي سياسات عرجاء لتمويل مشاريع بنية تحتية عبر موارد غير قابلة للتجديد.

وبسبب التسيب المطلق لحكومات بوتفليقة أصبحت الجزائر من الدول التي تفوق فوق طاقتها الحقيقية وبلغت فاتورة الواردات 65 مليار دولار، وأصيبت البلاد بالمرض الهولندي في الوقت الذي كانت يفترض استغلال فرصة الإقلاع الأخيرة التي تتاح لها، بعد أن تم القضاء على قطاع واسع من النسيج الصناعي الوطني وتحول جزء كبير من المؤسسات الإنتاجية إلى الاستيراد، بشكل يفضح تناقض حكومات بوتفليقة المتعاقبة مع نفسها ومع خطاب تنويع الاقتصاد الذي ظل يتردد على مسامع الجزائريين الغارقين في شراهة الاستهلاك لكل ماهو مستورد.

تبعية مطلقة للخارج في مجال الزيوت والسكر والحبوب والحليب

تشير أرقام الجمارك الجزائرية أن الجزائر تستورد 80% من حاجياتها من السكر والزيوت والسكر والحليب والحبوب (100 % من الزيوت والسكر) وأن إنتاجها المحلي من الحبوب لا يتجاوز 20% سنويا فيما يتم استيراد 80 %من حاجياتها السنوية من القمح اللين والبقوليات الجافة.

والخطير بحسب أرقام وزارة التجارة، هو سيطرة عدد قليل من شركات الاستيراد على واردات الغذاء، مما سمح لهم بالتحكم في الكميات من جهة ومن ناحية ثانية في التلاعب بالأسعار بطريقة مطلقة.

الشركات الجزائرية تستورد 90% من المدخلات من الخارج

بعض الشركات المحلية التي حازت المقاومة على الرغم من عمليات التحطيم الممنهج الذي قامت به الحكومات المتعاقبة وسياسيتها العرجاء، أصبحت تستورد أزيد من 90% من المدخلات من الخارج، وهو ما تبينه أرقام الجمارك الخاصة بالفترة يناير يوليو من العام الجاري، حيث مثلت واردات المنتجات نصف المصنعة 6.22 مليار دولار، ومنتجات التجهيز الصناعي 8.41 مليار دولار والمواد الخام 898 مليون دولار، التجهيز الفلاحي 388 مليون دولار والمواد الطاقوية ومواد التشحيم 938 مليون دولار، وواردات السلع الاستهلاكية غير الغذائية 4.84 مليار دولار، وهذا في ظل الصراخ الذي تمارسه حكومات بوتفليقة وإستراتجية التصنيع والنموذج الاقتصادي الجديد والدعم الهائل وغير المسبوق من موارد الخزينة الذي استولى عليه بعض المحظوظين من أصدقاء النظام وزبانيته، والنتيجة هي تقلص حصة الصناعة في الناتج الخام إلى اقل من 3% وعودة البلاد إلى أحضان صندوق النقد الدولي في القريب العاجل.

وتبين الصورة الراهنة للاقتصاد الجزائري أن نظام بوتفليقة كسابقيه، لم يكن يوما يتوفر على برنامج اقتصادي واضح المعالم قادر على وضع تصور لخروج البلاد من التبعية المطلقة للبترول على الرغم من وهم مخططات الانعاش الثلاثة التي استهلكت حولي 500 مليار دولار (2002-2004 ثم 2005 -2009- و 2010-2014)، بل الفارق الوحيد بينه وبين سابقيه أنه توفرت له موارد مالية لم تتوفر للبلاد منذ خلق الله الجزائر، ولكنه لم يستغلها لبناء اقتصاد قوي، بسبب قصور في التصور وارتكاب أخطاء كارثية لا تغتفر ستتحمل الأجيال القادمة نتائجها وستدفع ثمن برامج الإنعاش التي طبقها بوتفليقة لتكون نتيجتها هدر احتياطات الصرف في تمويل الاستيراد بما يمثل نسخة مشوهة من مخطط من أجل حياة أفضل الذي طبقه الشاذلي بن جديد، ولكن هذه المرة بمحاولة مشوهة لتطبيق نموذج كينزي لدعم الطلب المحلي وتعزيز نصيب مؤسسات محلية وهمية لم تتعدى درجة الحصول على المشاريع ومناولتها لشركات أجنبية بعض تضخيم الفواتير في الحصول على المشاريع وفي منحها وفي استيراد احتياجاتها من الخارج، وهو ما يبينه تضخم عدد الشركات الأجنبية العاملة في الجزائر وتأخر المشاريع الممنوحة في إطار برامج التجهيز بسبب ضعف قدرات الانجاز المحلية.