الاثنين 25 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

عمر مروك: المغرب لن يتساهل مع سياسة اسبانيا في لعبها على الحبلين

عمر مروك: المغرب لن يتساهل مع سياسة اسبانيا في لعبها على الحبلين عمر مروك
مجال العلاقات الدولية يبقى مجالا واسعا للتفاعل وتضارب المصالح والتكتلات والتحالفات ومناورات جماعات الضغط، ونقطة التقاء للقانون الدولي في علاقته بالمحددات الواقعية الجيوسياسية، وتأسيسها على ذلك تتفاعل السياسات الخارجية للدول وبالتالي تحليل مستجدات توتر العلاقات الاسبانية المغربية لا يخرج عن هذا الإطار.
عندما نقول توتر لا نقصد به على الإطلاق القطيعة، وإنما تدل على وجود ملفات وقضايا خلافية تستدعي الحل في اطار احترام المواثيق والاتفاقيات الدولية والأعراف ومبادئ حسن الجوار والمعاملة بالمثل.
هناك عدة محددات داخلية و خارجية لتفسير القضايا الخلافية بين الجارين المغرب و اسبانيا :
-ففيما يخص القضايا الخلافية نجد أولا استقبال اسبانيا لزعيم الانفصاليين ابراهيم غالي بالرغم من كونه مطلوب قضائيا وهو ما اعتبرته الخارجية المغربية طعنة في الظهر وإن المبرر الانساني المرضي الذي ادعته اسبانيا لا يمكنها من التنصل من مسؤولية ادخاله سريا بوثائق مزورة، في ضرب كامل للاتفاقيات الثنائية و التنسيق الامني بين البلدين وبالتالي هذا يبين وجود نية مبيتة خفية تضع اسبانيا في شبهة خدمة مصالح أعداء الوحدة الترابية للملكة المغربية، و خرقت اسبانيا مبدأ حسن الجوار والمعاملة بالمثل لكون المغرب لم يتدخل في المشكل الانفصالي لكاطالونيا عن اسبانيا.
المشكل الخلافي الثاني هو ملف الهجرة السرية، المغرب ومنذ التسعينات وقع على اتفاق برشلونة من اجل التنسيق الأمني والمعلوماتي ومعالجة المشاكل الناتجة عن الهجرة، وانخرط عمليا في معالجة موضوع هجرة أفارقة جنوب الصحراء بما يشكله من ملف حساس على حساب قضاياه الداخلية والتنموية، عبر استقباله لأزيد من ثلاثين ألف مهاجر بصفة قانونية و نظامية بكامل الامتيازات والحقوق ، بالرغم من أن المغرب ليس دركي أوروبا أو اسبانيا، ولا يسوغ أن يتحمل لوحده عبء هذا الملف الضخم، وبالتالي آن الأوان للجلوس لطاولة المفاوضات لمعالجة القضايا الراهنة خصوصا وأن أوروبا تعاني في ظل جائحة كورونا ناهيك عن ملف الهجرة و التهريب والإرهاب و هي ملفات ثقيلة لكي تتعامل معها أوروبا لوحدها . كما أن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس وبالتالي على اسبانيا ان تدرس خطواتها و تحالفاتها و توضح موقفها من أعداء الوحدة الترابية للمغرب لكون هذا الاخير لن يتساهل مع سياسة اللعب على الحبلين. مغرب اليوم يعتبر رقما صعبا في التنسيق الأمني والاستخباراتي وشريكا اقتصاديا أساسيا بل ويعتبر بوابة أفريقيا . لذلك بات ينهج في سياسته الخارجية منطق الند للند لحماية مصالحه وعلى كامل مجاله الجغرافي برا وبحرا.
- أما فيما يخص محددات السياسة الخارجية المغربية في علاقتها بالمسرح الدولي عامة والأوروبي والاسباني خاصة..
فيمكن القول أنه بالرغم من الارتباك و الخلل في تدبير السياسات العمومية لحكومة العدالة و التنمية خلال العشر سنوات الأخيرة خصوصا في قطاعات الصحة والتعليم والتشغيل وهو ما انعكس سلبا على المستوى المعيشي للمغاربة وأخص بالذكر مدن الشمال المحاذية لسبتة ومليلية المحتلتين، بالرغم من كون هاته المدن تعتبر خزانا انتخابيا للعدالة والتنمية وهي التي تدبر شانه العام، هذا الخلل التدبيري الفج، قابلته رؤية الملك لتحقيق التنمية الداخلية لكامل ربوع المملكة و سياسة خارجية ذات رؤية ودينامية فعالة أعطت نتائجها وبشهادة المنتظم الدولي.
رؤية ملكية لتحقيق التنمية تمت من خلال رسم معالم ماكرو اقتصادية أبهرت الجيران و حركت توجس و تخوفهم سواء الجار الشرقي -الجزائر- أو الجار الشمالي -اسبانيا- .
إذ يعتبر مغرب اليوم ورشا مفتوحا على مستوى البنيات التحية واللوجيستية من موانئ و طرق و تنويع الشركاء الاقتصاديين سواء على المستوى الإفريقي أو الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، كما شرع في هيكلة اقتصاده الداخلي من خلال محاربه الاقتصاد غير المهيكل وسد منافذ التهريب المعيشي الذي خنق اقتصاد الثغرين المحتلين واحرج اسبانيا اقتصاديا وسياسيا، اذ ضرب في الصميم اللحمة الداخلية الاسبانية.
بتنويع الشركاء الاقتصاديين ينضاف إليه الوزن الدبلوماسي والأمني وتنويع التحالفات الذي بات يلعبها المغرب على الساحة الدولية شرقا وغربا، ناهيك عن القوة العسكرية و تنويع مصادر التسلح وقوى الضغط وهي مكاسب باتو يُنظر إليها كتهديد للمصالح الحيوية والإستراتيجية للجيران والتي توجت باعتراف أمريكا لمغربية الصحراء وتسارع فتح القنصليات و التمثيليات بالصحراء المغربية.
اليوم السياسة الخارجية أصبحت واثقة من إمكانياتها وقدرتها على الفعل والتفاعل بندية وبذكاء، بعيدا عن رعونة المواقف والتسرع، بل من خلال خطوات ثابتة ومحسوبة تراعي الواقع الجيوسياسي المتسارع.
 
عمر مروك، باحث في العلوم السياسية