الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

أحمد الحطاب: إذا أسندت أمور الفن إلى غير أهلها، فانتظر التَّمييع

أحمد الحطاب: إذا أسندت أمور الفن إلى غير أهلها، فانتظر التَّمييع فيصل العرايشي (يمينا) وأحمد الحطاب(يسارا)

تفاعلا مع ملف التلفزة المغربية وفضائح برامج "مُولْ اَلشْكَارَةْ" بالقناة الأولى بعد تسريب قيمة الصفقات التي حصدتها إحدى شركات الإنتاج، توصلت جريدة "أنفاس بريس" بورقة  من الفاعل المدني الأستاذ أحمد الحطاب حول ما يتعرض له الفن والتراث المغربي من "سْلِيخْ" و "تْبَهْدِيلْ" على يد من يدعون أنهم حاملي لواء "حماية وتثمين الموروث الثقافي الشعبي بجميع روافده".

في هذه الورقة يستحضر الأستاذ أحمد الحطاب الزمن الجميل بفنانيه وموسيقييه ومبدعيه ومؤلفيه ومنشطي ومقدمي البرامج التلفزيونية...الذين كانوا فعلا يلعبون دور "الحماة العظام الغيورين على الثقافة والفن المغربيين ويحصنونه ضد كل المتطفلين من الرداءة والسخافة والريع".

 

في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات… و قبل وفاة كبار الفنانين أمثال أحمد البيضاوي، المعطي البيضاوي، عبد القادر الراشدي، عبد النبي الجيراري، عبد السلام عامر، اسماعيل أحمد، المعطي بنقاسم، عباس الخياطي، العربي الدغمي، محمد حسن البصري، عبد الرزاق حكَم، حمادي التونسي، حمادي عمور المتوفى حديثا، أحمد الطيب العلج، الطيب الصديقي، محمد حسن الجندي، عبد الجبار الوزير…كان للفن بغنائه، بمسرحه، بسنيمائه، بكتابته، بمؤلفيه، بمُخرجيه، بعيطته، بملحونه، بطربه الأندلسي هيبةٌ و حُرمة و احترام. و كان له حُماةٌ عِظام يغيرون عليه ويحصِّنونَه من كل دخيل ومن كل طفيلي ومن الرداءة والتفاهة و من الريع و باك صاحبي و الزبونية والمحسوبية و الوصولية.

كانت الساحة الفنية لها شأن ولها مكانة في قلوب الناس الذين كانوا ينتظرون بشغف ما ستجود به من جديد ومن إبداع.

كانت هذه الساحة محروسة حراسة صارمة، بحيث لا يلجها إلا من تتوفَّر فيه مواصفات الفنان الرفيع المستوى المهني والثقافي.

كانت هناك لجان تقلِّب العمل الفني يُمنَةً و يسارا، طولا وعرضا قبل أن يحظى بالموافقة لعرضه على الجمهور من خلال وسائل الإعلام العمومية المرئية والمسموعة.

وبالموازاة مع الحرص على جودة الفن، كان هناك حرص كبير كذلك على جودة تقديم البرامج سواءً على أمواج الإذاعة أو على أثير التلفزيون.

كان الناس يسعدون بسماع أصوات لها كاريزما عالية في مجالي الإعلام و التقديم من أمثال محمد بن ددوش، محمد بوعناني، سميرة سيطايل، محمد الصديق معنينو، أحمد الزايدي، عبد العظيم الشناوي، أحمد ريان، بديعة ريان، محمد الجفان، فاطمة لوكيلي، الحسين العمراني..

أما اليوم و مع موت جل حُماة و حُراس الفن، مات الفن بمعناه النبيل وماتت جودتُه و مستواه الرفيع. و أصبحت الساحة الفنية مفتوحة على مصراعيها لمَن هب و دب.

سوق فوضوية اختلط فيها النابل بالحابل. بل سوق تباعُ و تُشترى فيها الرداءة و التفاهة. سوق عُملَتُها مبادلات صكوك الريع والتَّمييع. سوق لم يعد فيها الفن إلا سِلعة لتبادل المصالح، بل إلا كعكةً تنهشها الأيادي المغتصبة للفن بجميع روافده. فمات الفن الرفيع المستوى وحل محله عَفَنٌ ينتشر كالسرطان.

الكل يريد أن يصبح فنانا، مذيعا، مقدمَ برامج، مُخرجا سينمائيا، مسرحيا، كاتبَ كلمات و سيناريوهات، مؤلفا… ضاربين عرض الحائط مقوِّمات وأبجديات هذه المهن وأسسها العلمية. همُّهم الوحيد هو الكسب الدَّسم و ليذهب المستمع و المشاهد إلى الجحيم.

وليذهب الفن الرفيع نفسُه إلى الجحيم. فشوِّهت الأغنية المغربية والعيطة والتراث الأصيلان والمسرح الهادف والكتابة النقية والإخراج المهني…علما أن الفن الرفيع هو واحد من أسُس الحضارة.

وما يؤسف له ويحز في النفس، هو أن الجهات (وزارة الثقافة ومحطات الإذاعة والتلفزيون العمومية) التي من المفروض أن تحرصَ على جودة الفن و تحميه من الرداءة و التفاهة و الوصولية، هي أول مَن يفتح البابَ على مصراعيه للتافهين والوصوليين ليلوِّثوا و يهدِّموا بجهلهم ما بناه الرُّواد على امتداد عقود بأكملها.

جهات تبرع في توزيع الريع كالمنشار : "طالع واكل هابط واكل"، ناسية أو متناسية أن ما توزِّعه من ريع هو من ضرائب المواطنين. لك الله يا وطني.