الخميس 25 إبريل 2024
فن وثقافة

"حمادي عمّور".. قلْ مات والسّلام!!!!

"حمادي عمّور".. قلْ مات والسّلام!!!! الراحل حمادي عمور (يمينا) وأنتوني هوبكينز

وأنا أسمع بنبأ رحيل الممثل "حمادي عمور"، تذكرت "أنطوني هوبكينز".

لماذا؟

قبل فترة زمنية قصيرة فاز "أنطوني هوبكينز" بجائزة أوسكار أفضل ممثل عن دوره "البطولي" في فيلم "الأب"، وهو الأوسكار الثاني في تاريخه في فيلم "صمت الحملان".

المثير في التتويج هو عتبة العمر التي وصل إليها الرائع "هوبكينز"، ومازال يحافظ على رشاقته في "التشخيص"، وظلت نجوميته لامعة وليست محط خلاف.

"هوبكينز" لم يوضع على الرف، ولم يغلق عليه داخل دولاب، أو يعلّب في ثلاجة، بل هو "هوبكينز" نفسه الذي كان مكتمل البهاء في "صمت الحملان"، وباقي سلسلة الأفلام التي شارك فيها.

لماذا؟

الجواب لا يحتاج إلى تفكير، هناك في هوليوود أو في أي "بقعة" من كوكب الأرض تحترم مهنة اسمها المسرح أو التلفزيون أو السينما، يشربون "إكسير" التمثيل، كلما تقدم الممثل في العمر ازداد نضجا وألقا وشهرة، لأن "الموهبة" تصقل بمخرجين يملكون عيون نسور، وكتّاب سيناريو يرسمون لا يكتبون بالشّوكة والسكين فقط، لذا يظلّ "أنطوني هوبكينز" وأمثاله "خالدين" وغير قابلين للنسيان، وينافسون على جوائز الأوسكار حتى وهم في أرذل العمر، بل لا يشعرون بقسوة العمر بالمرّة.. السينما تمنحهم "إكسير" الوجود والخلود!!

الممثل المغربي هو الذي يشعر بالتهميش في أرذل عمره، لهذا السبب تذكرت أوسكار "أنطوني هوبكينز" وأنا أتلقى بحزن انطفاء شمعة "الكوميديان" حمادي عمور. ليس لعقد مقارنة بين القامتين، فلا قياس مع وجود الفارق. لكن كي أضع أصبعي على جرح غائر، جرح النسيان والجحود.

فمتى لاحظ أحد منّا غياب حمادي عمور عن التلفزيون حتى لا أقول السينما؟ ولا أقول "غيابا" بل "تغييبا"، هذه هي الكلمة الصحيحة لأكون منصفا لتاريخ الرّاحل.

سؤال أيضا يجيب عن نفسه.. نحن نمعن في قتل رموزنا وهم أحياء، نتلذّذ في تعذيبهم وجلدهم، بدليل أنّنا ننسى أسماءهم حتى نتذكّر عناوين أفلامهم.

بمنتهى الألم أكتب عن رحيل حمادي عمور وأنا أستحضر أوسكار "أنطوني هوبكينز"، كي أجدّد "كفري" بالسينما المغربية، وأعلن "ردّتي" عن شيء اسمه "الإيمان" بالتلفزيون، وبرسالة "أنبياء" دفاتر "التحمّلات"، و"رسل" صندوق التسبيق على "المداخيل"!!!

"حمّادي" مات والسّلام، لأختصر الحديث، مات مثل "عبد الجبّار الوزير" وفي قلبه ألم وقسوة ونكران. مثل هؤلاء الرموز التمثيل يطيل في أعمارهم، ويضيء شموع حياتهم.. "الأمل" هو نقيض "الألم".. نافذة يعبر منها ضوء الحياة. لكنهم يقتلون "الأمل" ويزرعون بذور "الألم" ويدفعونك لتمشي إلى هاوية حتفك حافيا على طريق من شوك.

وأنا أتأمّل في رحيل "حمّادي" تذكّرت كيف تُسْتَنزَفُ الأدوار في السينما والتلفزيون، وتقدم لممثلات محظوظات وممثلين محظوظين على طبق من ذهب.. تكفي بعض الرّتوشات فقط: تضاف الكثير من التّجاعيد، وتوضع لحية مستعارة أو تُصبغ مع الشعر حتى يبدو الممثل شيخا في عمر "حمّادي عمور" أو "محمد الخلفي" أو "صلاح الدين بنموسى" على سبيل المثال لا الحصر. وربّما يحدث العكس: يصبغ الشيب، وتُخْفى التجاعيد بجلد ناعم، ومراهم داكنة، و"فلترات" ناصعة البياض، لسرقة عشرين سنة من العمر الحقيقي للممثلة كي لا تعوّض بممثلة شابّة، وتدفع الشركة المنفذة للإنتاج أجرا آخر… والأجر عند الله يوم الحساب.

هي فقط مسألة حسابات، وزبونية، و"باك صاحبي"، وفقر في خيال الكاتب، وجهل من المخرج، واحتيال من "مول الشكّارة" الذي يتعامل مع "الممثل" مثل "الزّبون"، وحوّل "التلفزيون" إلى "سوق" تتحكّم فيه قاعدة العرض والطّلب، وظواهر "البوز" و"روتيني" و"نسب المشاهدة"!!

لكن هل يعكس اعتلاء فيلم أو سلسلة "الطوندونس" المغربي قيمته الفنية والأدبية؟

حتما الجواب هو لا.. وألف لا. واسألوا "ناشري" التفاهة على "الطوندونس" المغربي لتجدوا الجواب اليقين!!

ماعليناش!! هذا ليس موضوعنا. المهمّ هو أن نتحدث بألم عن رحيل "حمّادي"، و"محرقة" أجيال من الممثلين تسقط أوراقهم تباعاً من شجرة "الرّماد"!!

"أنطوني هوبكينز" في فيلم "الأب" لا تصدّق بأنّه في الثمانينات وعلى حافّة التسعينات...

أمّا "حمّادي عمّور"، فلم أصدّق بأنه مازال حيّاً، حتى قرأت خبر نعيه اليوم.

سبحان الله.. فهو الذي يحيي العظام وهي رميم!!!