الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

أحمد بومعيز: مسلسل نص نص.. وشكاية نص نص

أحمد بومعيز: مسلسل نص نص.. وشكاية نص نص أحمد بومعيز
تقدم محام بهيئة الرباط بشكاية من أجل توقيف مسلسل تلفزيوني يبث على القناة الأولى المغربية بدعوى : "المساس بالمكانة الإعتبارية للمحامي وإلى الانتقاص من دوره في أداء مهام الدفاع في إطار قانون مهمة المحاماة....وأن مهنة المحاماة هي رسالة لخدمة العدالة والحريات الإنسانية وحقوق الإنسان، وكذا احترام مبدأ سيادة القانون.." 
من حق المدعي المحامي الذي نعني أن يرفع شكايته متى شاء ،وضد من شاء ، ولأجل ما شاء..
ومن حقه أيضا، وبصفته وحسب تقديره ورأيه هو ،أن يعتبر المسلسل يسيئ إلى مهنة المحاماة كلها .
ومن حقه أن يذكر ويذكر بأن مهنة المحاماة رسالة..ولخدمة العدالة...والحريات....وحقوق الإنسان..واحترام مبدأ القانون..
لكن الأستاذ المحامي المدعي والذي ينوب عن كل هيئات المحامين - وما أضن أنهم وكلوه لينوب عنهم جميعا -  نسي أو تناسى أو أنه لا يعلم أنه بشكايته تلك  يمارس وصاية على مجتمع ومؤسسات بكاملها ، ويدعو علنا إلى إلغاء الحق في التعبير، وإقصاء حرية الرأي... ويدعي أن مهمة المحاماة وحدها رسالة... لخدمة العدالة..
هكذا إذن ، الأستاذ المدعي يقول ما معناه أن مهنة المحاماة وحدها مقدسة، ولا يجب التطرق لها،والتداول في شخص ممتهنيها..ويجوز  ذلك   مع مهن أخرى..وكأن الأستاذ المدعي في فحوى الشكاية يلغي قيمة ورسالة ونبل باقي المهن...
وكأنه يقول فقط  المحامي منزه ،والمحاماة وحدها  مقدسة ..
وأنه يقول لا يصح توجيه النقد للمحامي ولو على سبيل التمثيل والدعابة..
وكأنه يقول تنتهي حرية التعبير لما نتحدث عن محام ما، في مسلسل أو في جلسة مقهى أو في منتدى ..!! 
أضن أن الأستاذ هنا يعلن ويطالب ويقر بقرار  الرأي الواحد . ويعلن رفض الحريات . ويعلن إدلال المهن الأخرى . ويعلن الإقصاء . ويعلن يوتوبيا مهنة بعينها هي مبدئيا مهنة ضمن باقي المهن الأخرى في المجتمع ولا تقل عنها أهمية أو قدسية...
فيا سيدي المحامي المدعي، وبكل تجرد وواقعية :
هل كل من يمتهن مهنة المحاماة لا يشرب القهوة نص نص بالكريدي ولا يرتاد المقاهي الشعبية والعصرية، كما يرتاد أمكنة أخرى؟
هل كل من يمتهن المحاماة لا يشبه الممثلة في المسلسل؟
هل كل من يمتهن المحاماة لا يستدرج الزبناء المتقاضين؟
هل كل من يمتهن المحاماة لا يمشي في الأسواق والمقاهي والبارات؟
هل كل من يمتهن المحاماة يملك مكتبا مكيفا ،وكاتبة جميلة، ومقر عمله مقدس؟
هل كل من يمارس المحاماة مبجل؟
وهل لا يوجد في المجتمع محام تنطبق عليه بعض صفات الممثلة في السلسلة وأكثر؟؟
ألا يوجد في المجتمع كله محام سيئ؟؟ 
ثم ،لا أضن أن المسلسل وضع كل صفات السوء الممكنة في شخص ممتهن المحاماة ، فقد كان المسلسل مهادنا إلى حد ما .مع العلم والإشارة ، ومن البديهي والمسلم به، أن في كل المهن شيء وأشياء تستدعي النقد والرفض والاستنكار : من المحامي إلى الطبيب إلى المعلم إلى الشرطي إلى الجزار...
فعفوا سيدي المدعي، كل المهن محترمة،وكل المهن نبيلة، ولكل مهنة رسالة...، وما كل محام مقدس..لكن الحق في التعبير مقدس.
ورغم أني أجد السلسلة المعنية بذات الضجة متواضعة جدا وتدخل في خانة إسهال الإنتاج الرمضاني المفدلك والمفبرك ، فبشكايتكم تلك  تؤهلون العمل كي يحضى بمشاهدة وتتبع لافت. وحتى وإن تم إيقاف بته، فسيبقى في سجل مساره  قضية التوقيف تلك، بدعوى التطرق لمهنة المحاماة ذات الرسالة...التي تخدم العدالة والحريات الإنسانية...