الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: بعد مقتل رئيس تشاد..خسارة كبيرة لسياسة فرنسا بمنطقة الساحل

يوسف لهلالي: بعد مقتل رئيس تشاد..خسارة كبيرة لسياسة فرنسا بمنطقة الساحل يوسف لهلالي
بعد مقتل الرئيس تشادي ادريس ديبي اتنو من طرف المعارضة، انتاب القلق باريس حول سياستها بمنطقة الساحل التي تعرضت لعدة هزات في الاونة الأخيرة، لان تغير القيادة في تشاد،ستكون له عواقب في المنطقة، باعتباره البلد المحوري بين الساحل ووسط إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط وبلد له حضور في كل ازمات المنطقة. وهو ما سيتطلب تعديلات في السياسة المتبعة في هذه المنطقة التي تعج بالحركات الجهادية، والمتمردة وكل اشكال التهريب بما فيها السلاح القادم من ليبيا. وهي منطقة تتحرك فيها الازمات مثل حركة كثبان الرمل في الصحراء، التي تكون احيانا مفاجئة وعنيفة دون سابق انظار.مثل التي اودت بحياة رئيس تشاد. فرنسا التي كانت القوة المستعمرة بالمنطقة، مازال لها حضور عسكري قوي بحولي خمسة آلاف جندي، وتوجد في نجامينا اكبر القواعد العسكرية التي تدير عملية برخان في منطقة الساحل و التي انقدت النظام المالي من الانهيار بفعل حالة اللاستقرار التي يعيشها. لكن فرنسا لم تعد اللاعب الوحيد بالمنطقة، هناك اطراف خارجية اخرى عززت من تواجدها بالمنطقة، خاصة روسيا، سواء في افريقيا الوسطى او في ليبيا من خلال مليشياتها الخاصة. بالإضافة الى تركيا التي اصبحت حاضرة بقوة في ليبيا على الخصوص وتمكنت من ايقاف زحف المرشال حفتر نحو طرابلس والذي تلق دعم باريس، قبل ان تتمكن حكومة طرابلس من ايقافه بدعم تركي قوي. هذا الحضور الاجنبي الكثيف خاصة بليبيا والذي يمكن ان يكون له دور في ظروف مقتل الرئيس التشادي الذي كان يمثل رأس حربة السياسة الفرنسية بمنطقة الساحل وحليفا قويا. كما كان له تواجد عسكري بعدد من البلدان الافريقية بالساحل وعلاقات قوية بالملشيات في عدة بلدان مجاورة لتشاد. وهو ما جعل من الرئيس السابق ادريس ديبي لا عب اساسي ومؤثر في كل المنطقة، خاصة انه تمكن من حكم تشاد مند ثلاثة عقود ونجا من عدة انقلابات بدعم فرنسي .وبرحيله اصبحت مصالح فرنسا مهددة بالمنطقة، وسياسة مكافحة الارهاب هي الاخرى.
المغرب هو الاخر يهتم بالتطورات في منطقة الساحل التي تهدد امنه القومي سواء في مواجهة الارهاب او الهجرة السرية وكذلك الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي المهددة بحالة عدم الاستقرار بهذه المنطقة المجاورة للمغرب من خلال الحدود الموريتانية.وحضر المغرب القمة السابعة دول الساحل التي انعقدت نجامينا وخضرها رئيس الحكومة سعد الدين العثماني.
منطقة الساحل تشهد تسابقا نحو السلاح وتركز كل انواع الميلشيات، وهو ما كانت له تداعيات جد سلبية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي بكل بلدن المنطقة، وادى الى تضاعف الهجرة وتنقل السكان. بلد مثل تشاد الذي له تروة نفطية يعتبر من افقر بلدان العالم، لان كل الثروات يمتصها التسلح وتعويضات العاملين في هذا المجال.
تعقد الاوراق التي كان يديرها ادريس دبي بالمنطقة هي التي جعلت القلق يساور الاليزيه و الادارة العامة للاستخبارات الخارجية بفرنسا حول سياستها بالمنطقة وحول قدرة القيادة التشادية الجديدة على الاستمرار في هذه السياسة، وهل بإمكان الابن محمد ديبي الذي تلقى دعم المجلس العسكري وأعلن فترة انتقالية تدوم اكثر من سنة ونصف، هل يمكن ان يضبط الايقاع بعاصمة دول الساحل، في ظل التنديد الذي قامت به المعارضة والذي اعتبرت ما حدث انقلابا مؤسساتيا. وهو ما جعل المعارضة المسلحة تهدد بالزحف نحو العاصمة.
في ظل التهديد الذي تتعرض له نجامينا من المعارضة التشادية القادمة من ليبيا والتي شاركت في الحرب هناك وحصلت على السلاح والتدريب من المارشال حفتر ومن الميلشيات الروسية لفاغنر الخاصة التي شاركت في الهجوم على طرابلس وتستقر اليوم في جنوب ليبيا . هذا الضغط السياسي والعسكري على القيادة الجديدة بنجامينا سوف يطرح السؤال على مدى استمرار تماسك الجيش التشادي والولاء للقيادة الجديدة، وهذا الجيش القوي بالمنطقة يعتبر نقطة قوة وضعف النظام بالتشاد، ويلعب دور التوازن ليس في نجامينا لوحدها بل في كل المنطقة والذي يعتمد عليه الحلفاء في منطقة الساحل ووسط افريقيا. كما ان هذا الجيش بين على قدرة كبيرة على متابعة ومواجهة جماعة بوكو حرام الجهادية والتي تنشط في عدد من البلدان الافريقية سواء في تشاد والنيجر والكاميرون ونيجيريا . فهل ستستمر القوات التشادية في هذا النهج ام انها سوف تتراجع. الى الاهتمام بتسوية الوضع الداخلي ببلده جراء تزايد ضغط المعارضة سواء السياسية او المسلحة خاصة القادمة من ليبيا.
اليوم تقوم موريتانيا والنيجر بوساطة بين القيادة الجديدة وبين المعارضة القادمة من ليبيا والتي تسمى حركة التناوب ... فهل ستنجح هذه الوساطة وهل ستمكن النظام الجديد من الاستمرار في اداء وظائفه بالمنطقة، هل سيرسل رجاله لمطاردة مقاتلي بوكو حرام في شمال نيجيريا أو جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة الساحل، التي تضمن في إطار قوة الأمم المتحدة أمن مخيمات على الحدود بين مالي والجزائر؟ هل ستتمكن القيادة الجديدة بزعامة الابن من ايجاد حل سياسي يضم المعارضة ويشركها في الحكم؟ تساؤلات كثيرة ستظل مطروحة، وهو ما يجعل القلق يساور باريس التي تعرضت سياستها في منطقة الساحل لصعوبة جديدة في ظل هذا الغياب المفاجئ لأحد القادة الاساسيين بالمنطقة، وهي صعوبة تنضاف الى الانقلاب العسكري الذي شهدته مالي، وكذا تزايد قوة الحضور الروسي سواء بإفريقيا الوسطي و بالجنوب الليبي والحضور القوي لتركيا بطرابلس والتي اصبحت فاعلا اساسيا هي الاخرى بمنطقة البحر المتوسط وتريد لعب دور اكبر في شمال افريقيا وكذلك الساحل من خلال البوابة الليبية.
فرنسا التي تتلق دعما استخبراتيا من واشنطن في المنطقة وحضور قليل لجنود بعض البلدان الأوربية، تجد نفسها الوحيدة التي تقوم بدور الدركي بمنطقة الساحل ووسط إفريقيا، وذلك من اجل مكافحة الارهاب وملاحقة الحركات الجهادية والنزعات الانفصالية والصراع على الحكم الذي يهدد استقرار المنطقة، مما يزيد من ضغط الهجرة على بلدان شمال افريقيا وجنوب اوربا.
عدم الاستقرار بالمنطقة لا يهدد فرنسا وأوربا بل العديد من بلدان المنطقة، وهو ما جعل السودان تعبر عن "قلقها العميق" بشأن الوضع الجديد في تشاد. الاستقرار النسبي والمسار السياسي الذي تعرفه ليبيا مهدد هو الاخر بالوضع في تشاد، لان العديد من الحركات المسلحة التشادية شاركت في الحرب التي شهدتها ليبيا وتحصل على السلاح والتدريب بها، وهي تطورات حصلت مند انهيار نظام القذافي وعواقبه على المنطقة.والوضع الامني مترابط في البلدين،التمرد التشادي الذي انطلق من جنوب ليبيا هو الذي ادى الى مقتل ادريس ديبي.
بالإضافة الى جماعة بوكو حرام التي ستجد الحرية والفراغ من اجل زيادة نشاطها في النيجر والكامرون وكذلك بالتشاد التي كانت احد البلدان الاكثر مقاومة لهذه الحركة الجهادية. والأكثر فعالية في سياسة محاربة الارهاب.
بالإضافة الى التأثير السلبي على افريقيا الوسطى في حالة انهيار الوضع بنجامينا التي كان جيشها يتدخل بالبلدان المجاورة وعلى دراية كبيرة بأوضاع هذه البلدان.وبرحيل ديبي يمكن لهذا الدور التشادي ان يختفي، وهو ما ستكون له انعكاسات سلبية على كل المنطقة. هذه المنطقة التي هي اليوم في حاجة الى تنمية اجتماعية واقتصادية، لان اغلبية مواردها يبتلعها شراء السلاح، والتسابق نحوه الذي ادى الى عدم الاستقرار الشامل بالمنطقة، والتوتر سوف يستمر بها في غياب امن اقتصادي واجتماعي يوفر لسكانها عيشا كريما.
هذه المنطقة النائية التي تسمى الساحل الافريقي والتي تعطي الانطباع انها بعيدة عن عالمنا، لها تأثير على الاوضاع بالبحر الأبيض المتوسط بضفتيه وأوربا، فهي مثل الرياح القادمة من الصحراء الكبرى و التي تصل احيانا لكل المنطقة المتوسطية بل تصل هذه الغبار الحمراء حتى شمال اوربا. والقلق حول الوضع بالمنطقة بباريس له ما يبرره.